إعلانات

مفهوم الشريعة الإسلامية بين الوهم و الحقيقة / الدكتور سيدي عبيد

اثنين, 10/02/2020 - 14:28
د . سيدي ولد عبيد / استاذ بجامعة انواكشوط العصرية

في إطار الانشطة التي تقوم بها مؤسسة رسالة الإسلام العالمية للدراسات و البحوث الإسلامية خلال مشاركتها في فعاليات المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء في نسخته الــ 26 , ألقى الدكتور سيدي عبيد محاضرة قيمة حول " مفهوم الشريعة الإسلامية بين الوهم و الحقيقة " وذلك بالقاعة الكبري " قاعة شنقيط "بالجناح الموريتاني بالمعرض .

الدكتور سيدي عبيد بين خلال عرضه الذي حضره عدد من الباحثين والمهتمين و طلبة الجامعات أن مفهوم  و دلالة " الشريعة الإسلامية "  تعرض في العصور الماصية للتحريف و تم التلاعب به فكل مذهب و نحلة تتخذه مطية لتنفيذ أجندتها و ارهاب مخالفيها .

الدكتور سيدي عبيد أجال في عوالم الفكر و التاريخ و اصول الفقه وقصص الاقدمين مبينا أن مفهوم " الشريعة الإسلامية " تم تمييعه كثيرا و أن ابرز من وفق في تصحيح ذلك المفهوم في عصرنا الحاضر هو المفكر الإماراتي الاستاذ على محمد الشرفاء الحمادي الذي أخذ على عاتقه مهمة تصحيح مفاهيم كثيرة تعرضت للتحريف و الاستغلال السيئ  مما جعل واقع الامة اليوم عصي على الإنتشال و قد اصدر في سبيل ذلك عدة كتب مهمة واضحة الفكر و الطرح مأخوذة من القرآن الكريم كاملة مع بساطة في الاسلوب و دقة في التوريد والاستدلال .

و هاكم ابرز محاور محاضرة الاستاذ الدكتور سيدي عبيد :

جاء الرسول الكريم محمد صل الله عليه وسلم من عند ربه بشريعة كاملة مكتملة شملت جميع مناحي حياة الإنسان وعملت على إسعاده وعلى الايجابة على كل التساؤلات التي تؤرقه ويسعى فطريا للحصول على جواب شاف لها .

تلك الشريعة المباركة ترتكز بالأساس على القرآن الكريم وهو الصراط المستقيم الذي جاء به الرسول محمد بن عبد الله من عند ربه خاتما للكتب السماوية مشتملا على محاور أساسية هي :

ـ الإسلام.

ـ الإيمان.

ـ الإحسان.

ـ المعاملات.

ـ الأخلاق و القيم والفضائل.

تلك الشريعة الغراء هي التي بناء صل الله عليه وسلم مجتمعه الفاضل في المدينة المنورة أيام عز الإسلام وهي التي بها أقام للإسلام دولة صارت في وقت وجيز " أحد عشر عاما " ندا للإمبراطوريات التي كانت قائمة وقتها , تلك الشريعة هي التي عنها القرآن الكريم بقوله جل  من قائل : ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (الأية 18 سورة الجاثية)

وقال أيضا :

وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا (الأية 46 سورة المائدة)

وقد فهم الصحابة الكرام عن النبي صل الله عليه وسلم الدين الإسلامي الفهم الصحيح جاعلين المرجعية الواحدة و الوحيدة لهم هي القرآن الكريم فقط  متشبثين بالفهم السليم و الصحيح للشريعة الإسلامية بديعا عن الأهواء و تأليه الاشخاص وصاروا على ذلك النهج ردحا من الزمن , لكن بمجدر ظهور أصحاب الأهواء و المذاهب وتراجع تمسك الأمة بحبل الله المتين الذي هو " القرآن الكريم " ارتكست الأمة على عقبها و انقسمت على نفسها و نخرتها الفتن و المذاهب و الطائفية .

وهنا ظهر مفهوم جديدة" للشريعة الإسلامية " كل يفسره حسب هواه وما يحلو له و طفت على السطح نحل ومذاهب كل يدعى أن إمامها و أتباعه هم وحدهم أصحاب الحق و الصواب دون غيرهم .

فظهرت المذاهب الأربع و انقسم الناس سنة و شعية و برز مذهب الظاهرية و أهل الحديث وتبع ذلك سيل جارف من أصحاب المذاهب و النحل كلا يدعى أنه على صواب و الواقع يكذبه و القرآن الكريم يلعنه .

مما جعل الباحث عن الحقيقة المنصف يقف حيرانا بين كم هائل وسيل جارف من الطوائف و المذاهب كلها يصف نفسه بالفرقة الناجية وفي المقابل ينعت المخالف له بأشنع النعوت و أقبحها مستغلا سذاجة اتباعه و جهلهم ومتعمدا حجب الوحي عنهم وربطهم بأقوال و روايات أئمة مذهبه حاصرا الحقيقة فيهم وفيما يرونه .

وفي جو مشحون كذا يجعلنا تساؤل تساءلا مشروعا أي هذه المذاهب الكثيرة و المتشعبة يمثل "الشريعة الإسلامية " وفي ايها يلزمنا الاندماج وسط بحر المتلاطم من الكتب الفقهية مبتورة عن القرآن الكريم المملوءة بأقوال أئمة غير المعصومين ومحاولة إلزام الناس بالتقيد بمذاهبهم وبأقوالهم غير الملزم اصلا , الذي هو محل غرر ثانيا لكون  تقليد لغير المعصوم هو كذلك أمر محفوف بالمخاطر وغير مأمون النتيجة لا ويقره العقل ويرفضه النقل .

ينتج عن ذلك تساءل آخر مبرر هو أي هذه المذاهب المتشعبة نصدق و نتبع.

وعند إمعان النظر و إطلاق العنان الفكر السليم المتسلح بالوحي المنزل من الخالق جل جلاله على الرسول الكريم محمد صل الله عليه وسلم نجد أن الصواب الذي ما بعده إلا الزيغ و الضلال هو اتباع " التشريع الإلهي"  المتمثل في القرآن الكريم و القرآن الكريم  فقط فهو المنجاة من الزيغ و الضلال .

فما عداه مما يسميه اتباعه تشريعا أو مذهبا أو نحلة هو مجرد زيغ وضلال والناظر في تاريخ الأمة منذ انتقال الرسول الكريم صل الله عليه وسلم وكرم إلى ربه أي منذ 14 قرنا يلحظ دون كبير عناء أن سرالبلاء الذي حل بها يكمن في تغييب العقل المتبصر و الابتعاد عن الوحي المنزل و الانشغال بأقوال رجال غير معصومين و التعصب لمذاهبهم و حصر الخير و الحق في الدوران في فلكهم واتخاذ اقوالهم مذاهب والتقيد بها واعتبرها حقا متمحضا وهو أمر يكذبه القرآن الكريم  ولا يمجه العقل السلام و الذوق السوي .

فالقرآن جاء فيه : وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ( الأية 85 سورة آل عمران ) .

 الإسلام الوارد في هذه الآية الكريمة هو التشريع الإسلامي الذي جاء به محمد صل الله عليه وسلم وكرم من عند ربه فقط وفقط .

ذلك الإسلام الذي يشتمل على القيم النبيلة و الأخلاق السامية ويدعو للتراحم بين الناس و الحكم بالعدل و الإخاء بين الأتباع و إنصاف الجميع وليس التخندق في مذاهب ضيقة مبتورة عن الوحي أشاعت في الناس ثقافة إقصاء وتهميش المخالف بل قتله وكونه حلال الدم والمال مستباح العرض جاعلين أئمة مذاهبهمفوق النقد حيث ينزلونهم في منزل التقديس والعصمة وهم في الحقيقة مجرد  رجالا قصارى غاية أحدهم أن يوصف بالعلم غير معصوم فلا هو بنبي معصوم ولا ملك مقرب  واتباعه غير وارد بالمرة فهو بشر يصيب ويخطؤ.

وقد نتج عن ذلك الواقعغير الصحي حالة مرضية تتخبط الأمة اليوم ومن القديم في ولياتها حروبا وسفك دماء و استباحة اعراض و تأخرا في شتى المجالات .

مما ولد هو تمايزا بين منهجين متضادين متصادمين علينا الاختيار بين أحدهما  وتحمل تبعات ذلك الاختيار وهما:

1ـ اتخاذ القرآن الكريم دليلا وإماما ومرشدا ومنهجا وتشريعا وشريعة يقودنا ذلك للفلاح و النجاة في الدنيا و الآخرة  .

2 ـ أن نرضى للواقع السيئ الذي نعيشه اليوم ومنذ القديم ونحصر انفسنا في ابتاع مذاهب من صنع و وضع بشر غير معصومين هم محل نقص و مظنة زلل فنخسر الخسران المبين دنيانا بالعش في واقع يدعو اصحابه  للقتل و سفك دماء الناس و انتهاك اعراضهم وفي الآخرة نعض أصابع الندم و يكن حالنا قول الله جل وعلا :

 وَيَوْمَ يَعَضُّ اُ۬لظَّالِمُ عَلَيٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَٰلَيْتَنِے اِ۪تَّخَذتُّ مَعَ اَ۬لرَّسُولِ سَبِيلاٗ (27) يَٰوَيْلَت۪يٰ لَيْتَنِے لَمَ اَتَّخِذْ فُلَٰناً خَلِيلاٗ (28) لَّقَدَ اَضَلَّنِے عَنِ اِ۬لذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِےۖ وَكَانَ اَ۬لشَّيْطَٰنُ لِلِانسَٰنِ خَذُولاٗۖ (29) وَقَالَ اَ۬لرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِيَ اَ۪تَّخَذُواْ هَٰذَا اَ۬لْقُرْءَانَ مَهْجُوراٗۖ (30 ) سورة الفرقان .

ومما سبق يتضح أن مفهوم ودلالة الشريعة الإسلامية تعرض لتحريف متعمد من طرف اتباع المذاهب و الفرق و النحل على مر العصور الماضية حاد به عن الجادة السوية  ومفهومه الصحيح الذي جاء في القرآن الكريم مما سيتوجب من الجميع العمل كل من موقع وبما في يستطيعه من أجل تصحيح ذلك المفهوم وصقله من الشوائب التي علقت به على مر العصور الماضية وذلك بإفهام الجميع أن دلالة " الشريعة الإسلامية " دلالة محددة سلفا في القرآن الكريم والمقصود بها هو" ما جاء به الرسول الكريم صل الله عليه وسلم من عند ربه ممثلا في القرآن الكريم الواضح الذي لا يحتاج إلى بيان أو تبيان فلا بيان بعد بيان الله و رسوله صل الله عليه وسلم وكرم وعظم .