إعلانات

جزيرة غوري شهادة على حقبة سوداء من التاريخ الأروبي غير الناصع ( صورة)

ثلاثاء, 06/11/2018 - 22:56

تبعد  جزيرة غوري حوالي ثلاثة كيلو مترات عن العاصمة السنغالية داكار، وتعد اليوم أكبر شاهد على تجارة الرقيق في إفريقيا. وتتطلب من زائرها رحلة من ميناء داكار عبر باخرة خاصة للوقوف عن قرب على معاناة العبيد في قارة كان يباع فيها كل شيء حتى الإنسان! 
كل شيء في هذه الجزيرة يوحي بأن المكان استُغل فيه الإنسان الإفريقي أبشع استغلال؛ إذ كان يتم بيعه في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية. فتمثال حرية العبيد ومنزل العبيد ورسومات فناني الجزيرة ولوحاتها المعلقة على الجدران في جل المنازل.. كلها لا تتحدث عن شيء سوى المعاناة مع العبودية. 
في يوم من شهر يوليو الماضي استقللت الباخرة التي تقل عشرات من الزوار الراغبين في استكشاف تاريخ الجزيرة، ضمن جنسيات أوروبية وأمريكية وآسيوية غصت بهم الباخرة المكونة من طابقين. 
تتراءى هذه الجزيرة من بعيد وهي هادئة كأنها تريد أن تحتفظ بسر فظائع الأوروبيين والأمريكيين اتجاه البشرية. هناك مباشرة تبدأ بشكل غير مقصود في الاطلاع على تاريخ أسود عاشته القارة الإفريقية، ويرويه اليوم كل من يسكن هذه الجزيرة التي لا يتجاوز عدد قاطنيها حوالي 1500 نسمة. أخذت الباخرة تمخر بنا عباب المحيط لنقطع المسافة الرابطة بين داكار وغوري في وقت يسير، وكان يمكن أن يكون أقل لولا أن المسار بمثابة قوس إلى الشمال تجنبا لألغام بثت في المحيط أيام الحرب العالمية الثانية، ورحل واضعوها فبقيت معاناة للسنغاليين؛ بحيث لا تجرؤ سفينة على المرور بين غوري والعاصمة دكار إلى اليوم! 
بين الحين والآخر كانت باخرتنا تطلق تنبيهات مزعجة للبحارة الصغار الذين يصطادون بقوارب صيد صغيرة تقليدية. 
داخل العبارة جنسيات مختلفة تحدوها الرغبة في استكشاف جزيرة قيل عنها الكثير والكثير. 
في تلك اللحظات كنا نستنشق نسمات هواء عليل ينسيك جو دكار الملوث (لكن ليس بالمقارنة مع انواكشوط!).
وسط هذا الجو الاستوائي استقبلتنا الجزيرة التي تبلغ مساحتها أزيد من 20 هكتارا وسط المحيط الأطلسي. وصل قاربنا الجزيرة فأرسى على طرفها الشمالي، واستقبلنا المرشدون وانشغلوا بالترحيب بحاملي تلك الجنسيات الأوروبية وتبجيلهم وإكرامهم. 
ووقفت دقائق حتى تنساب الحركة لأتمكن من زيارة محبس العبيد الذي يعد شاهدا على جرائم الاستعباد التي عانى منها الأفارقة في وقت كانت تجارة الرقيق تستهوي الجنس الأبيض من فرنسيين وبرتغاليين وإنجليز وهولنديين. 
خلال زيارتي لمحبس العبيد كان لزاما أن أمر من أزقة الجزيرة التي يحاول سكانها الاعتناء بها لنسيان ماضيها الأسود عبر موسيقى الجاز والرسم، ووسطها ينتصب تذكار حرية العبيد الذي تم تشييده سنة 2002 بأوامر من الرئيس السابق عبد الله واد.. لكن الجزيرة تأبى إلا أن تذكر زوارها بأنها كانت يوما ما فضاء لبيع البشر.
الجزيرة - حسب أحد المرشدين- أعلنتها منظمة اليونيسكو تراثا عالميا ما وما زالت تضم آثارا ذات صلة بماضيها الأسود، منها محبس العبيد الذي يشرف عليه مسؤول يسمى إيلوا كولي لا يمل من سرد معاناة العبيد مع البيع لكل الزوار الذين تتعدد جنسياتهم.. وهكذا فعل معي وكأنه يجد لذة في الحديث عن ذلك الماضي الأليم. 
كولي الذي اختار أن يروي تاريخ منزل العبيد بحرقة استقبل الزوار بداية في مكتبه؛ وهو عبارة عن غرفة تضم حاسوبا وجهاز راديو وبعض الوثائق؛ في حين تضم الجدران صور شخصيات عالمية ومسؤولين زاروه كالرئيسين الأمريكيين السابقين بارك أوباما وبيل كلينتون، والزعيم الإفريقي الراحل نيلسون مانديلا، وبابا الفاتيكان.. وآخرين. 
كنت أجول بعيني داخل محبس العبيد فأرى تاريخا مكتوبا في لوحات وسلاسل وأغلال، وعبيدا عراة رُبط بعضهم إلى بعض تحت حراسة جنود بيض.. تكاد الصور تنطق لتعلن أن ما مارسه تجار الرقيق على هؤلاء لا يمكن استيعابه حتى في حق الحيوانات، فكيف بالإنسان! 
حدثني كولى أن مما عاناه العبيد أن غرفتهم هذه كونها لا تتوفر على مرحاض، وتعطى الفرصة لكل واحد من العبيد لقضاء حاجته مرة واحدة، وبعدها يترك ما استجد فضلاته في مكانه الذي يجب أن يظل فيه جالسا القرفصاء طوال بقائه قبل ترحيل العبيد من الجزيرة الى أوروبا وأمريكا.

نقلا عن صفحة المدون / البراء ولد محمدن .