إعلانات

نموذج من ذكاء الشناقطة الخارق للعادة / الأستاذ النابه أحمدو بزيد

أحد, 14/02/2021 - 23:59
الشاعر الفحل /  محمد ولد أبنُ

حديث مسند متصل عن بعض خوارق ذكاء ولد أبْنُ

حدثني عبد الله ولد باباه قال حدثني محمدن ولد محمد النابغة قال حدثني الشيخ محمذن فال ولد الشيخ محمدو قال حدثني محمدو حامد ولد آلّـا - رحمهم الله جميعا - قال لقد شاهدت عجائب ثلاثا من ذكاء محمد ولد أبنُ، وقد كان أن وفد به علي والده أبْنُ ولد احميدا، وقال لي: إني أرى مخايل النجابة في هذا البني، وأريده أن يدرس عليك، قال محمدو حامد: فقبلت، وبدأ محمد مع التلاميذ، له ما لهم وعليه ما عليهم، وكان إذا حضر الدرس لا ينبس ببنت شفة، فيكون كله إصغاء، وكنت أقول في نفسي: إن ولد أبْنُ هذا لا يعدو من اثنتين: إما خارقا للمعتاد في الذكاء وجودة الفهم، وإما عكس ذلك.

وكانت الأولى: ذات عشية أربعاء، حيث ذهب التلاميذ إلى عرس في حي آخر، غير الذي نحن فيه، ورأيت ولد أبْنُ وقد لبس دراعته وأخذ "أحَوَّاصُ" وراح يعدو مع أقرانه.
وحين العتمة رجعوا، وصادف أن كنت خارجا من الخيمة لحاجة، فسمعت جلبة التلاميذ في عريشهم، وما لفت انتباهي إلا ولد أبنُ وهو يقول لهم: هل كرَّرْتُمْ كَتْبَتْكَمْ" فأجابوه بـ لا، فرد عليهم: مَشُّو انْكَرَّرْهَالْكم" وكان التلاميذ يدرسون يومها: " لا التي لنفي الجنس" فسمعته وقد أقرأهم ما أعرفه، وما لم أسمعه من ذي قبل، فعجبت!!

والثانية: أن أخبرتُ أن ولد أبْنُ استاق بقرتيه، بعد أن لم يستطع السقيا من البئر، فأرسلت في طلبه، فامتنع من الإياب مع الرسول.
عندها قفوت أثره، وأدركته بعد أن "ارْفدْ النهار راصُ" فقلت له: أريدك أن تعود معي، ولكني سأكِل أمر البقرات إلى شخص معروف يقوم على سقيهم، ولا أودّك أن "اتْخَصّرْ لَوْحَكْ" فمكث ينظر إلي صامتا، فقلت له: أجبني، فما رد علي إلا بقوله:
ألا وجب الفرار عن "الجُلَيْلَا" --- وإن كانت بها سعدى وليلا
فــلا ماء يــذاق بـــها نـــهارا --- ولا فـيها يـــذاق الماء لـــيلا

قال الشيخ محمذن فال: سألت الشيخ محمدو حامد، ماذا فعلت بعد قوله البيتين؟ قال أومأت إلى التراب وقبضت منها قبضة ورميتها تلقاء وجهه، وقلت له: إذهب لا ردك الله.

والثالثة أن سمعت بعد أزمان من ذهابه، أنه مال إلى الشعر ومجالس الأدب والفتوة والسماع، وصارت بينه مقاولات مع بعض الشعراء، فشاء الله أن نزل - بعد ذلك - ضيفا على الحي الذي أنا فيه، وكانت معه جماعة، ظلت أنشادهم تتعالى، إلى أن كان وقت العصر، وهموا بالرحيل، تذكر أني كنت شيخا له، فعرج علي في المسجد للسلام، وبعد انفتالنا من الصلاة، أرادني للانفراد معه، فسألني عن أمر شيوخ معي في المسجد؟ فقلت له هؤلاء علماء من "الحسنيين"، منذ فترة وهم معي هنا للبحث في قضية ترائك متناسخة، فسألني عن مشكل الترائك، فأبنته له من غير انتظار جواب من لدنه، لكوني لا أعلم أنه درس من العلم غير الذي أخذ عني.
وما لبث أن مسح التراب بحذائه، واقفا وزمام جمله بيده، وكتب حلّ مسألة الفروض بعصاه، وأناخ الجمل، وركبه.
فبقيت حائرا، أضرب أخماسا بأسداس، وأقلب كفي ذات اليمين وذات الشمال، عجبا من شطارته!!