إعلانات

وزير المالية والتنمية واﻹقتصاد يغالط الرأي العام

اثنين, 07/03/2016 - 11:46
الكاتب و الباحث  : محمد ولد الدحان

أطل علينا وزير المالية في اﻷسابيع الماضية بمغالطة تعتمد على تخيير المواطن بين التنازل عن حق له في لتر المازوت (كزوال) مقابل الحصول على حق آخر له  في دكاكين أمل أي بمنطق "أعطني ما في جيبك مقابل أن تعيش".

إن التبريرات التي قدمها الوزير لم تكن مقنعة للمواطن البسيط، أحرى أن تعتبر تبريراتٍ منطقيةً، مبنية على تحليلات اقتصادية لمؤشرات علمية مقنعة للمثقف أو للمراقب الخارجي.

كما أن إقدام الحكومة خلال السنوات الماضية على رفع الدعم عن المحروقات، وربط سعرها بأسعار السوق العالمية أمر تقبّله المواطن، ولم يعترض عليه مع أن الحكومة في تلك الفترة كانت  تُحقق أرباحاً كبيرة،  وتعيش طفرة مالية نتيجة  لارتفاع أسعار المواد اﻷولية في الأسواق العالمية (الحديد، الذهب ،النحاس)، وذلك بسبب زيادة الطلب عليها.

إن سعر برميل النفط اﻵن  في اﻷسواق العالمية لا يتجاوز اليوم 30 دولارا، الشيء الذي جعل لتر المازوت (كزوال ) يصل ميناء نواكشوط، بعد تكاليف التكرير والشحن، بسعر يقارب 105 أوقية، وبعد إضافة تكاليف الجمركة والضرائب والتخزين والتأمين، وتكاليف خدمات الموزعين، حتى وصوله إلى المواطن في أقصى محطة للتوزيع في البلاد، فإن التكاليف اﻹجمالية للتر المازوت سوف تكون في حدود  195 أوقية، وذلك في وقت يباع فيه اللتر الواحد للمواطن بـ 384,6 أوقية في نواكشوط ، أي أن الدولة ومن خلا ل عملية حسابية بسيطة تربح حوالي 190 أوقية من كل لتر اشتراه مواطن، وبالرجوع إلى إجمالي المستورد من النفط سنويا والبالغ  8500000 طن فأن الدولة تربح ما يزيد على 120 مليار أوقية سنويا من جيوب المواطنين.

لكن يبقى السؤال المطروح، بأي حق تنهب الدولة هذه الثروة الطائلة من مواطنيها دون وجود قانون أو تشريع ينص على ذلك؟ وتحت أي بند من بنود الميزانية يمكن التبويب لهذه الثروة الهائلة تحصيلا وصرفا ؟

إن أخذ هذا الفارق في السعر من المواطن لا يمكن أن يخرج عن واحد من احتمالين اثنين، فهو إما أن يكون ضريبة مأخوذة من المواطن، أو أنه استرجاع لديْن سابق على المواطن.

أولا : ضريبة  مأخوذة من المواطن هنا يتحتم على الحكومة تطبيق المسطرة القانونية لفرض الضرائب كما  يجب عليها أن  تأخذ  بعين اﻹعتبار أن الهدف أصلا من فرض الضرائب هو إعادة التوازن الاقتصادي والاجتماعي، وإعادة توزيع الثروة توزيعا عادلا، إلا أن هذه الضريبة  لا تتوفر فيها  أهم مبادئ  فرض الضريبة وهي: 

1 ـ مبدأ  العدالة والمساواة : يجب أن تكون الضريبة عادلة بالنسبة للمواطنين وهناك نوعان من العدالة، أفقية ورأسية، فالعدالة الأفقية تعني أن الأشخاص الذين يحصلون على نفس الدخل يدفعون نفس الضريبة، والعدالة الرأسية تعني أن الأغنياء  يجب أن يدفعوا ضرائب أكثر من الفقراء، وهذان
الشرطان مفقودان في هذه الضريبة، ﻷن الفقير يدفع نفس ما يدفعه الغني في كل لتر اشتراه من المازوت  (كزوال) أو أي سلعة أخرى، فسعر المازوت يدخل في تركيبة سعر أي مادة أخرى، وذلك على أساس أنه يؤثر على تكلفة النقل، والتي تؤثر هي بدورها على أسعار جميع السلع البضائع.

2 ـ مبدأ  اليقين :  يجب أن تكون الضريبة محددة بوضوح في جوانبها المتعلقة بالوعاء الضريبي  (المادة الخاضعة للضريبة) ،والسعر، ووقت التسديد، و طريقة الدفع، كما يجب أن تكون التشريعات المالية والضريبية المحددة للضريبة واضحة وشفافة، وهذه الشروط كلها مفقودة في هذه الضريبة، لميوعة الوعاء الضريبي، وذالك بسبب أن كل المواطنين يستعملون المازوت(كزوال ) وبالتالي فإن هذه الضريبة قد أصبحت ضريبة على كل شخص، وهذا النوع من الضرائب قديمٌ جدا، وكان يُفرض في العصر الروماني، ويسمى الضريبة الشخصية،  كما أن المواطن يجهل مقدار هذه الضريبة في ظل غياب تشريع ينظمها، وبالتالي فإن انعدام الشفافية  حاصل عند جبايتها وصرفها.

3ـ  مبدأ المرونة : أي أن يأخذ وضع المكلف بدفع الضريبة  بعين الاعتبار، كما يجب أن يتسم النظام الضريبي بالمرونة لمواجهة الأزمات الاقتصادية والمشاكل المالية، وذالك لكون الضريبة  أداة من أدوات التوازن الاقتصادي، إذ ترفع الضرائب في فترات النمو الاقتصادي لكبح اﻷسعار، وبالتالي التحكم في مستويات التضخم عن طريق الحد من اﻹنفاق، نتيجة لتناقص الدخل مع فرض الضرائب، لكن بالنسبة لحالتنا فنحن نعيش أزمة كسادٍ شديدة، كان اﻷجدر بالحكومة خفض الضرائب من أجل زيادة دخل المواطن، وبالتالي زيادة إنفاقه، اﻷمر الذي قد يؤدي إلى الانتعاش  الاقتصادي.

ثانيا : استرجاع  دين على المواطن أي أن الدولة هنا تود استرجاع قيمة الدعم الذي كانت تقدمه لدعم المحروقات، وهذا ما يُفهم من بعض التصريحات الرسمية كتبرير لعدم خفض سعر المازوت (كزوال)، أي من باب "وجبَ قضاء فائتة مُطلقاً" لكن هذا أيضاً مردود عليه، ﻷن الدولة وظيفتها التقليدية هي تقديم الخدمات من صحة وتعليم وشغل وأمن واستقرار، والعمل على تحسين ظروف عيش المواطن، وذلك من خلال صرف  الإيرادات التي تتحصل عليها في خدمة المواطن، وبالتالي فإن دعم أي سلعة أساسية  هو واجب تقوم به الحكومة حسب الظرف والحاجة، كخدمة مقدمة
للمواطن دون أي تعويض، أي أن هذا الدعم هو حق من حقوق المواطن على الدولة، والحق لا يمكن أن يتحول إلى ديْن. وحتى وإن قبلنا جدلا بأن ما تم تقديمه في السنوات الماضية من دعم لأسعار المحروقات كان دينا، فإن هذا الدين قد تمت استعادته مع الفوائد، ولذلك فإن حجة استرجاع الدين، حتى وإن قبلنا بأن الدعم كان دينا، لم تعد مبررة بعد أن تم تسديد  أصل الدين بالإضافة إلى فوائده.

بيْدَ أن ما يثير الدهشة والاستغراب هنا هو أن الدولة تميز بين مواطنيها، فعندما يتعلق الأمر باسترجاع دعم  المحروقات من المواطنين على أساس أنه دين، فإن الدولة في هذه الحالة لا تتساهل، أما عندما يتعلق الأمر بتقديم قرض لمواطن واحد (شركة النجاح) بمليارات الأوقية على أساس أنه دعم، وبفائدة رمزية، فإن الدولة هنا تظهر الكثير من التساهل المريب.

إن المشكلة الحقيقية التي لا تود الحكومة الاعتراف بها هي أنها غير قادرة على التخلي عن هذه المبالغ الطائلة التي تربحها من عدم تخفيض سعر المحروقات السائلة، وهي بأمس الحاجة لهذه المبالغ الطائلة نتيجة للخلل الكبير الحاصل في ميزان المدفوعات الوطني، والنتاج عن ضعف قيمة الصادرات من المواد اﻷولية (الحديد،الذهب، النحاس ) بسب تدني أسعارها في السوق العالمية، ضف إلى ذالك العجز الحاصل في  الميزانية  العامة، إذ من المتوقع أن يصل هذا العجز إلى حدود 6% من الناتج المحلي الخام نتيجة لتناقص وانحسار الوعاء الضريبي، أي انخفاض اﻹيراد  الضريبي لهذه السنة (2016) مع تناقض  إيرادات قطاع المعادن، وهو القطاع الذي كان يساهم بنسبة 30% من الميزانية العامة، والذي يعاني اليوم من  الكساد، في ظل غياب الاستثمار الخارجي، مع تدني الاستثمار الداخلي نتيجة للأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تتخبط فيها البلاد.

إلا أنه بدل اللعب بعقول المواطنين بتبريرات هزيلة وغير مقنعة، في إطار عملية تحايل مكشوفة على جيوب المواطنين، كان اﻷجدر بالحكومة أن تكون شفافة، وأن تعترفَ بهذه الأزمة الاقتصادية التي يعيشها البلد، نتيجة لسياساتها العشوائية الخاطئة، التي تدير بها اقتصاد البلد، والتي يمكن
القول بأن عنوانها الأبرز هو  "استنزاف الثروة وعدم استغلال الطفرة".

كان على السلطة أن تأخذ بحلول أكثر شفافية وعقلانية ﻹدارة الخلل في ميزان المدفوعات الوطني، والحد من العجز في الميزانية العامة، وذلك من خلال الشفافية في اﻹنفاق العام، إذ أن اﻹنفاق على القطاع الحكومي من هيئات ومؤسسات يشكل عبئا كبيرا على الميزانية العامة، فالدولة تملك ما يزيد على 150 مؤسسة عمومية ينفق عليها ما يقارب 20% من اﻹنفاق العام، وذلك على الرغم من أن هذه المؤسسات تعاني من عدم الشفافية في التسيير، ومن ضعف في الإنتاجية، وتراكم في الديون، مع غياب آليات فعالة لرقابتها والتحسين من أدائها. كان على السلطة أن تفرض ضرائب ورسوم جمركية كبيرة على السلع الكمالية، كالسيارات الفارهة، وكذلك على المواد الاستهلاكية الضارة، كالسجائر، للتخفيف من هذا العجز، وذلك بدلا من الاستمرار في سرقة المواطن من خلال الإصرار على عدم تخفيض أسعار المحروقات السائلة، والتي تشهد أسعارها تراجعا كبيرا في الأسواق العالمية.

أما بالنسبة للخلل في ميزان المدفوعات فإنه كان يمكن أن يدار من خلال متلازمتي الصادرات والواردات، أي العمل على زيادة الصادرات وتقليص الواردات، وهذه العملية تتطلب وقتا ليس بالقصير، وجهدا كبيرا، يتمثل في تطبيق سياسات قطاعية ناجحة في قطاع الزراعة والثروة الحيوانية وقطاع الصيد والمعادن . فقطاع الزراعة والثروة الحيوانية بإمكانه أن يحقق لنا اكتفاء ذاتيا في مجال الغذاء الذي نستورد منه ما يزيد على 80% من حاجياتنا الغذائية، وبالتالي توفير مجاميع نقدية كبيرة من العملة الصعبة،  كانت تنفق خارج البلاد. وقطاع الصيد بإمكانه أن يكون رافدا أساسيا للعملة الصعبة ومشغلا لمئات اﻵلاف من العاطلين عن العمل، وذالك من خلال هيكلته و تطويره وجعله قطاعا صناعيا، يضيف قيمة مضافة إلي منتجات ثروتنا البحرية.

إن مردودية هذه القطاعات وغيرها يعتمد في الأساس على الدراسة العلمية، والتأطير، والتكوين، وسياسة التحفيز وتقديم القروض، و المرافقة والمتابعة للمشاريع الصغيرة، وبناء بنية تحتية صناعية تكون المكننة والتقنية أساسا لها،  والعمل على ربط هذه القطاعات بمخرجات التعليم المهني والعالي، للوصول إلى التشغيل الكامل للاقتصاد الوطني من خلال الاستغلال اﻷمثل والأنجع لثرواتنا الوطنية.