إعلانات

الشاب عادل ولد عبد الرحمن .. يري تفاصيل هجرته إلى امريكا الشمالية

ثلاثاء, 12/09/2023 - 19:28

 قبل ثلاثة أسابيع عثرت السلطات المكسيكية على حافلة تحمل 137 مهاجرا غير نظامي، 129 مصريا و8 موريتانيين، تخلت عنهم جماعات الاتجار بالبشر في منطقة فيراكروز على خليج المكسيك شرقي البلاد.

ويتسلل مئات الآلاف من المهاجرين سنويا إلى الولايات المتحدة عن طريق الحدود مع المكسيك التي يبلغ طولها 3100 كيلومتر. ويمثل المهاجرون من دول أميركا الوسطى الأغلبية الكبرى من هؤلاء، إلا أنه خلال الأشهر الأخيرة، اكتشفت سلطات الهجرة في المكسيك نموا كبيرا في عدد المهاجرين غير النظاميين من دول عربية ومناطق أخرى.

حاورت الجزيرة نت المهاجر عادل عبد الرحمن، وهو موريتاني يبلغ 33 عاما، ترك زوجة وصبيين عمرهما 3 و6 سنوات، سعيا لمستقبل أفضل، بعدما ضاقت به الحياة في موريتانيا.

بدأت رحلة عادل مغادرا نواكشوط يوم 11 يونيو الماضي ودخل الأراضي الأميركية في العاشر من يوليو الماضي.

اليأس وراء الهجرة

بعد دراسته الجامعية لنظم المعلومات وتطوعه لعامين في الجيش الموريتاني، عمل عادل بالتجارة وكان يحقق بعض الربح، لكنه لم يوفر أي مدخرات للمستقبل وللطوارئ خاصة بعد الزواج.

دخل عادل في صفقة تجارية مع رجل ذي نفوذ، رفض أن يعطيه مستحقاته، ولم تُنصفه الشرطة ولا القضاء نظرا لنفوذ الرجل، كما ذكر للجزيرة نت.

مع تفشي الفساد والمحسوبية وعدم إمكانية النجاح عبر الجهد فقط، أصاب عادل اليأس وراودته فكرة الهجرة إلى الولايات المتحدة، بعد سنوات من رفضه مغادرة بلاده إلى أوروبا كما يفعل آلاف الشباب من حوله.

تعرف عادل على شركة سياحية في نواكشوط تُنظم الخطوات الأولى في مغامرة السفر للولايات المتحدة التي تكلف ما بين 9 إلى 10 آلاف دولار. وبدأت الرحلة بدفع ما يقرب من 3 آلاف دولار لتذاكر الطيران، وتكلفة التأشيرات والفنادق والترانزيت حتى الوصول إلى هندوراس، وذلك عبر رحلة طويلة شملت تونس وتركيا وإسبانيا وكولومبيا ونيكاراغوا.

ولم يكن وحده في هذه الرحلة، بل كان ضمن مجموعة من المهاجرين تكونت من مصري وأردني وسنغاليين وسوريين. وبقيت هذه المجموعة معا حتى دخولها الأراضي الأميركية.

من هندوراس إلى غواتيمالا

عند وصوله إلى هندوراس، كان مع عادل 2700 دولار. وبمجرد وصول المجموعة إلى المطار التقاهم شخص يعمل مع مهرب يدعى بيدرو، وأخذ من كل واحد منهم 160 دولارا تكلفة تأشيرة الدخول.

انتقلت المجموعة إلى فندق شديد التواضع و"غير مناسب إلا للحيوانات"، على حد قول عادل. ودفع كل واحد منهم 60 دولارا للسيارة، و15 دولارا للسرير، و5 دولارات لكل وجبة.

قضت المجموعة 18 ساعة، ليلحق بهم ما يقرب من 100 شخص، منهم مصريون وموريتانيون وأفارقة وأوكرانيون وصينيون وغيرهم.

تحركت المجموعة الكبرى في 4 سيارات في رحلة استغرقت 5 ساعات، ثم السير لعدة كيلومترات قطعت خلالها مسطحات مائية وأحراشا وغابات، مع التخلص من كل المتعلقات سوى جوازات السفر والهواتف، كي لا يلفتوا أنظار رجال الشرطة وحرس الحدود. يقول عادل إن "رجال شرطة هندوراس كانوا في كل مكان حولنا وبدوا كأنهم على علم بتحركنا".

من أهم النصائح التي شدد عليها أفراد عصابات التهريب هي عدم التحرك بشكل منفرد، وذلك لانتشار جرائم خطف المهاجرين من عصابات منافسة، إذ يبتزون عائلاتهم فتضطر إلى إرسال فدية لتحريرهم.

بعد ذلك وجدت المجموعة سيدة تدعى "سارة" في انتظارهم، ودخل ما يزيد على 100 مهاجر حافلة لا تتسع إلا لـ30 راكبا في الظروف العادية. وأخذت سارة من كل راكب 100 دولار أجرة النقل و40 دولارا للطعام. وتم تركيب أساور ورقية بلاستيكية في أيديهم، وكتب عليها اسم كل شخص.

وبعد 12 ساعة بلا توقف، تم نقلهم إلى مركز تجمع مئات المهاجرين، ليتحرك بعدها الجميع باتجاه الحدود المكسيكية، بتكلفة 275 دولارا لكل مهاجر.

كان هناك العديد من نقاط التفتيش على الطريق، وتم إيقاف الحافلات عدة مرات وإنزال الركاب جميعا، ودخلت الشرطة بكلاب مدربة وفتشتها بحثا عن المخدرات، وبدا أنهم لا يكترثون على الإطلاق بمرور مهاجريين غير نظاميين.

وأشار عادل إلى أن الشرطة أخذت فقط 10 مهاجرين وصورتهم وأخذت بصماتهم قبل أن تتركهم في النهاية، وبدا الأمر وكأنه مسرحية من الشرطة، على حد وصفه.

الوصول إلى المكسيك

بعد رحلة استغرقت يوم وليلة، وصل المهاجرون إلى الحدود المكسيكية، وهناك كان في انتظارهم مهرب مكسيكي مع قوارب لعبور مناطق مائية وهو ما استغرق 6 ساعات، وجمع المهرب 480 دولارا من كل مهاجر، وعند الوصول دفع كل منهم 50 دولارا للطعام.

كان على المهاجرين الانتقال إلى العاصمة مكسيكو سيتي، حيث ينتظرهم مهرب مغربي اسمه سعيد سيتولى الجزء الأخير والأهم من الرحلة الشاقة. لكن كان عليهم دفع 88 دولارا لحافلات غير مؤمنة، أو 360 دولارا لأخرى تحت حماية العصابات، والأخيرة كانت خيارهم بعد التشاور.

استغرقت الرحلة ما يزيد على يومين، لتصل المجموعة إلى فندق في العاصمة المكسيكية، ودفع كل منهم 100 دولار. يقول عادل "للمرة الأولى منذ أسابيع استطعنا الاستحمام والنوم على مراتب".

ثم كان عليهم الانتظار عدة أيام حتى يتم ترتيب سفرهم جوا إلى مدينة تيخوانا الحدودية التي تبعد 2800 كيلومتر عن العاصمة المكسيكية.

لم يتبق مع عادل سوى ألف دولار فقط، وزميله المصري 700 دولار، في حين طلب المهرب 1500 دولار من كل مهاجر، واضطر معظمهم إلى الاستعانة بذويهم لتحويل المبالغ المتبقية.

كادت الأمور تتعقد في اللحظات الأخيرة، ففي مساء اليوم التالي ذهبت المجموعة إلى المطار لكن إدارة الهجرة احتجزتهم بتهمة دخول الأراضي المكسيكية من دون تأشيرات مسبقة، وبعد 12 ساعة في سجن المطار، أرسل إليهم المهرب سعيد محاميا مكسيكيا أخرجهم بعدما أقنع شرطة الهجرة أنهم سياح، وأخذ من كل شخص 230 دولارا مقابل السفر برا إلى الحدود الأميركية.

وبعد نحو 30 ساعة، وصلت المجموعة إلى مدينة تيخوانا الحدودية، وأرسل إليهم سعيد المهرب موقع الفندق، ليقضوا ليلتهم هناك، بانتظار الخطوات الأخيرة نحو الحلم.

هل تحقق الحلم؟

في الثانية بعد منتصف الليل، تحرك المهاجرون نحو الحدود الأميركية سيرا على الاقدام لمدة 20 دقيقة، إلى أن وصلت إلى مدخل شبكة للصرف الصحي حيث كان هناك مئات الأشخاص، بينهم نساء وأطفال ورجال وشيوخ من شتى بقاع الأرض ينتظرون الأمر بالتحرك شمالا.

بعد حوالي ساعة طُلب منهم السير في طابور طويل وسط مياه غير نظيفة تصل إلى مستوى الصدر، وبعد ربع ساعة تقريبا خرجوا في الجانب الأميركي من الحدود وهناك كانت الشرطة الأميركية في انتظارهم، وبدا وكأنهم على علم بخطة وتوقيت التحرك.

جمعت الشرطة الأميركية جوازات السفر، ونقلتهم إلى مراكز احتجاز ضخمة، وأخذت بصمات اليد والعين، وعينات من الحمض النووي، قبل أن توزع كل 200 منهم على عنابر كبيرة.

قامت الشرطة بعدها بإعطاء كل مهاجر أوراقا ووثائق تثبت تقديم طلبات لجوء إلى الولايات المتحدة، وأبلغوهم أن من لديه قريب أو صديق في أميركا سيخرج بصورة أسرع من مراكز الاحتجاز.

"بعد يومين تم نقلنا إلى فندق في مدينة سان دييغو تشرف عليه وتديره منظمة غير حكومية تساعد اللاجئين. وأخبرونا أنه يمكن المكوث في الفندق مجانا لمدة 3 أيام، وعلى كل طالب لجوء أن يتصل بأقاربه وأصدقائه لإرسال تذكرة طيران".

"بالفعل أرسل إلي صديقي الموريتاني على الفور تذكرة طيران"، ليبدأ فصل جديد في حياة المهاجر واللاجئ الموريتاني الشاب عادل عبد الرحمن داخل الأراضي الأميركية.

يقول عادل للجزيرة نت إنه رغم قصر الفترة التي قضاها في الولايات المتحدة، فإن هذه البلاد لا تبدو كما توقعها.

وتابع "بعد معاناة شهر في الطريق والانتقال من يد عصابة تهريب بشر إلى عصابة أخرى، بدأ الندم يتسرب إلى داخلي. ربما أعود لبلادي، وربما أتحرك شمالا باتجاه كندا، وربما أبقى في الولايات المتحدة. لا أعرف بعد ما تخبئه الأيام القادمة لي".