إعلانات

العاصمة انواكشوط و الخطر الداهم ... بقلم سيدي امحمد ولد باب

أحد, 18/06/2023 - 16:00

على عكس رغبة المواطنين في الداخل، يحل موسم الأمطار ضيفا غير مرغوب فيه على ساكنة العاصمة انواكشوط، ليس كُرها منهم لموسم الغيث والرحمات وإنما لما يسببه من أزمات تغض مضجع قاطن المدينة البسيط و تأرقه حيث تزاحمه برك المياه الملوثة في الشوارع والأزقة وتحكم إغلاق بعضها أحيانا في مشهد ادرامي اتراجيدي يخيل إلى ناظره أنه حصار مدبر من لدن عدو لدود، يوحي بمدى براعة كاتب السيناريو، فتتأثر انسيابية الحركة اليومية الاعتيادية للمارة والسيارات على حد سواء وتنشطر العاصمة إلى شبه جزر منفصلة عن بعضها البعض وتتعطل جل النشاطات الاقتصادية المدرة للدخل وأحيانا تشهد الأسعار ارتفاعا جنونيا يثقل كاهل المواطن ويزيد الطين بلة، كل هذا وذاك بسبب انعدام شبكة للصرف الصحي أو على الأقل لصرف مياه الأمطار، فماذا أعدت الجهات المختصة من خطط للحيلولة دون طمر العاصمة بمياه الأمطار؟
........................

أنشأت الدولة شبكة صرف صحي لمدينة انواكشوط انتهت الأشغال فيها سنة 2019 وهي ثاني شبكة تتوفر عليها مدينة انواكشوط بعد الخطوط القديمة المنجزة في فترة السبعينيات من القرن الماضي، قبل توسع العاصمة، وتتكون الشبكة الجديدة التي تولت إنجازها شركة "شينا رلواي" الصينية من 30 كلم من الأنابيب المصنعة من الإسمنت المسلح و11 كلم من أنابيب الألياف الزجاجية، إضافة إلى ثلاث محطات فرعية في كل من تفرغ زينه وتيارت والميناء مخصصة لضخ مياه الأمطار والمياه السطحية ومياه الصرف الصحي في محطة رئيسية تقوم بمعالجتها وتفريغها في المحيط الأطلسي.
وقد اعتمدت الحكومة الموريتانية مؤخرا استراتيجية وطنية للنفاذ المستدام إلى المياه والصرف الصحي بحلول 2030. 
وبالرغم من هذا كله يبقى الوضع الكارثي الذي تعيشه العاصمة يراوح مكانه، فالموسم الخريفي الماضي كان الأسوأ على الإطلاق حيث أبان مدى ضعف الوسائل المتوفرة لدى الجهات المعنية، ونقص الطواقم البشرية وربما الخبرة، وهشاشة وضعف الشبكة القائمة وعدم قدرتها على احتواء الموقف الأمر الذي فاقم المعاناة و أدى إلى محاصرة مقاطعات بأكملها كمقاطعة دار النعيم والميناء والسبخة وتضرر المساكن وتشريد السكان الذين لجؤوا إلى مباني المدارس العمومية وأصبحوا لاجئين توزع عليهم الهيئات الخيرية الخيم والمواد الغذائية وتفاوتت الخسائر بين الكبيرة والمتوسطة وأضحت بعض المنازل غير صالحة للسكن على المدى القريب وتأثرت الطرق الحضرية وشهدت شبكة الكهرباء انقطاعات متكررة، حدث هذا رغم التنسيق بين جميع قطاعات الدولة وتدخلها مجتمعة من أجل الحيلولة دون الأسوأ.

إن ضمان النفاذ إلى المياه والصرف الصحي، ليست مسألة صحة عمومية، فقط وإنما حق إنساني أساسي وشرط لتحقيق التنمية ولذلك يحتل قطاع المياه والصرف الصحي مكانة ضمن برنامج الاستراتيجية الوطنية للنمو المتسارع والرفاه المشترك، الذي يندرج في إطار برنامج فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، إلا أن معضلة تمويل المشاريع الأساسية والضخمة والتي كان من المفترض أن يوازي تنفيذها إنشاء الدولة، حال دون إقامتها ومن ثم صعوبة سد تلك الثغرات على الحكومات المتعاقبة، غير أن القطاع المعني شرع منذ فترة في تحديث الاستراتيجية الوطنية للولوج المستدام لمياه الشرب، وخدمات الصرف الصحي سبيلا لتلبية المتطلبات الجديدة ويبذل جهودا متواصلة لتعبئة المجموعة الدولية من أجل ضمان بلوغ الأهداف التنموية في هذا المجال، إلا أن التحديات لا تزال كبيرة بالنظر إلى حجم الاستثمارات المطلوبة في مجال الصرف الصحي، حيث سيكون من الضروري تعبئة 450 مليون دولار لتنفيذ خطة الصرف الصحي للعاصمة نواكشوط وحدها والتي أصبحت ضرورة ملحة وغاية قصوى يجب تحقيقها، فهل تنجح الحكومة في انتشال العاصمة من واقعها المزري وتحييد الخطر الداهم؟. 

سيدي امحمد ولد باب