إعلانات

لماذا تأخرت دولة تركيا في رحلة دخولها لــــــــ "النادي النووي" ؟

جمعة, 28/04/2023 - 23:09

تعد تركيا من الدول الأوائل في المنطقة بحثا، عن استغلال الطاقة النووية، لأغراض سلمية، بالتوازي مع بدء هذه المشاريع في دول أوروبية، لكن نظرا للكثير من الظروف السياسية والاقتصادية، تعثر المشروع النووي التركي، حتى أبصر النور بصورة حقيقية  الخميس 27 نيسان/أبريل 2023، مع افتتاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان محطة أق كويو النووية في مرسين.
ونرصد في التقرير التالي تاريخ المشروع النووي في تركيا منذ البدايات والعثرات التي مر بها: 
انطلقت الدراسات الأولى من أجل المشروع النووي التركي، عام 1955، بعد انعقاد المؤتمر الأول في جنيف، للاستخدامات السلمية للطاقة النووية، في الوقت الذي بدأت فيه دول أوروبية بمشاريعها الخاصة، لبناء مفاعلات نووية.
ونجحت تركيا في تشغيل أول مفاعل تجريبي، بقدرة 1 ميغا واط، في مركز تشيكميجي للأبحاث النووية، في عام 1961، لكن دراسات الجدوى استغرقت وقتا، من أجل إنشاء المفاعل الأولى للبلاد، بغرض توليد الكهرباء بشكل تجاري.

 

وكانت الخطط تقوم على بناء موقع مفاعل حول سد ساري ير، مع دفع كبير بالمشروع من قبل رئيس الوزراء الراحل عدنان مندريس، لكن الانقلاب الذي نفذه العسكر، ضد حكومته، دفن الفكرة، بعد مضي 4 أشهر على العمل فيها، ومرت تركيا بصعوبات سياسية واقتصادية، جعلت من إعادة إحيائه أمرا مستحيلا، حتى العام 1977.
لكن في العام ذاته، بدأت مفاوضات مع شركتي، "آسيا أتوم" و"ستال لافال"، واستمرت حتى العام 1979، لكن المفاوضات توقفت لأسباب عديدة، منها معاناة البلاد من ظروف الانقلاب الذي مرت به والديون الكبيرة عليها.

عثرات الثمانينيات

لكن في حقبة الثمانينيات، عادت الحركة مجددا، من أجل إنشاء مفاعل نووي سلمي بتركيا، وجرى طرح عطاءات من خلال رئاسة وكالة الطاقة الذرية التركية، بدون مناقصة، وتقدمت كل من "أتوميك إنيجري كندا ليميتد"، و"سيمنز كرافت ويرك يونيون" و"جنرال إليكتريك الأمريكية" عام 1982.
وشهد المشروع تعثرا متواصلا، بسب الانقلاب الذي قام به الجيش، بقيادة كنان إيفرين، وسيطرته على السلطة في البلاد.

إلا أن المفاوضات استمرت قرابة عامين حتى 30 آب/أغسطس 1984، حين أعلنت الحكومة التركية آنذاك، تغير الشروط الأساسية لمناقصة بناء المفاعل، ما دفع شركتي "جنرال إلكتريك"و"كرافت ويرك يونيون" إلى الانسحاب، من المشروع، بعد أن عرض عليهما إقامة مفاعل في سينوب بدلا من أق كويو في مرسين.

وأعلن إيفرين خلال حكمه، أنه سيتم إنشاء 3 أنواع مختلفة من محطات الطاقة النووية في تركيا، لكن مرسوم ما يعرف بنيلساك لم ينفذ، وجرت مفاوضات مع شركات أخرى، لإنشاء مفاعل، وفي عام 1985، جرى توقيع بروتوكول أولي، لكن المفاوضات توقفت بعد عام واحد، بعد رفض الحكومة الكندية ضمان شروط مذكرة الإنشاء وتمويل 60 بالمئة من المشروع مقابل تحمل الوكالة التركية 40 بالمئة من التكاليف. 

وبسبب الكارثة التي وقعت في مفاعل تشيرنوبيل بأوكرانيا إبان حكم الاتحاد السوفيتي، عام 1986، تم تعليق الدراسات في تركيا، خوفا من وقوع كارثة مماثلة لا تحتملها البلاد، في ظل رزوحها تحت حكم انقلابي، ومعاناتها من آثاره الاقتصادية والسياسية، ليُتخذ قرار بإغلاق إدارة محطات الطاقة النووية في البلاد، وطي المشروع في الأدراج عام 1988.

محاولات فاشلة في التسعينيات

ومع نهاية العام 1989، جرى تجربة مشروع مشترك مع الأرجنتين بقدرة 25 ميغا واط، لكن بسبب مشاكل فنية، تم التخلي عنه، وجرت مخاطبات من وكالة الطاقة الذرية التركية، للعديد من دول العالم، التي خاضت تجارب بإنشاء مفاعل طاقة نووية للكهرباء.

وفي 17 تشرين أول/أكتوبر 1996، أعلنت الحكومة التركية في الجريدة الرسمية، عن مناقصة لإنشاء محطة أق كويو، للطاقة النووية، وتحدقت 3 شركات أجنبية للفوز بها، لكن المشروع تعثر لاحقا، بسبب الاضطرابات التي وقعت بها البلاد، نتيجة تدخل الجيش مجددا في العملية السياسية، بعد إصدارهم قرارا بحل الحكومة الائتلافية، وإجبار رئيس الوزراء آنذاك نجم الدين أربكان على الاستقالة من الحكومة عام 1997.

وبقيت المناقصة مجمدة حتى عام 2000 حين أعلنت الحكومة تخليها عن المشروع، ووقف بناء مفاعلات نووية في البلاد.

الخطوة الجدية

لكن في عام 2004، أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية حلمي غولر، عن لقاء مع الدول المنتجة للطاقة بواسطة المفاعلات النووية، وكان إعلانا عن جدية الحكومة في فتح هذا الملف مجددا، وأعلن عن دخول مرحلة مناقشة المواصفات الخاصة بالإنشاء والترتيب لمفاوضات.

وأحيت الحكومة في حينه مشروع مفاعل أق كويو مجددا، رغم معارضة جماعات البيئة، وتنفيذهم فعاليات لعرقلة المشروع، ورصدت ميزانية تقدر بنحو 7ملايين ليرة تركية، لوكالة الطاقة الذرية.

وسنت تركيا قانون الطاقة النووي، بهدف إنشاء 3 محطات نووية، بطاقة تقدر بـ 5 آلاف ميغا واط، حتى العام 2020، وجرت معارضة المشروع من قبل أحمد نجدت سيزر رئيس الوزراء التركي، بسبب خلافات دستورية، والكلفة الاقتصادية للمشروع.

وفي عام 2010، وقعت تركيا اتفاقا مع روسيا، لبناء محطة أق كويو، بكلفة 20 مليار دولار أمريكي، لينتج كهرباء بقدرة 4800 ميغا واط بعد اكتمال وحدات الإنتاج.

وأجري افتتاح رسمي للأعمال في 2018، وقامت تركيا باستقطاب 6 آلاف شخص للعمل في إنشاء المحطة، 90 بالمئة منهم من المواطنين الأتراك، إضافة إلى خبراء روس، وخبراء من دول تمتلك مفاعلات.

ووفقا للدراسات، من المقرر أن يوفر المفاعل بعد إكماله 10 بالمئة من حاجة تركيا من الكهرباء.

وقامت تركيا بابتعاث 600 طالب تركي إلى روسيا، من أجل العمل في محطات توليد كهرباء بالطاقة النووية، لاكتساب الخبرات، فضلا عن مواصلة التعليم الجامعي في هذا القطاع هناك؛ للاستفادة منهم حين يعمل المفاعل التركي.

الوصول للهدف

ويوم الخميس، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دخول بلاده نادي دول الطاقة النووية، بعد تشغيل محطة أق كويو رسميا، في ولاية مرسين، في حفل شارك فيه عبر الفيديو المباشر، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وقال أردوغان في الافتتاح؛ إن المحطة اكتسبت هويتها بوصفها منشأة نووية، مشيرا إلى أن جميع وحدات المحطة، ستدخل الخدمة تباعا حتى عام 2028، وستوفر 10% من احتياجات تركيا من الكهرباء.