إعلانات

المنظومة القضائية الموريتانية وآفاق الإصلاح من خلال منتديات تشخيص العدالة

خميس, 27/04/2023 - 03:04
الأستاذ الدكتور المحام / محمد أحمد عبيد

يتطلب البحث في الموضوع الرجوع إلى الاسباب الجوهرية لإخفاق العدالة في تحقيق اهدافها النبيلة في نشر العدل وقيم المواطنة بين الناس تنفيذا للعقد الاجتماعي القائم علي الخضوع للسطلة العامة (دستور الجمهورية ) وعلاقة الفرد بالمجتمع كحاضنة جمعوية لتحقيق الرفاه، من هنا فان المنتديات العامة خلصت إلى بعض الافكار الإصلاحية المهمة ولكنها مثالية لدرجة كبيرة في مجتمع قبلي وجهوي متخلف غير مشبع بالقيم المدنية وظل إلى فترة قريبة يعيش فيبلاد يطلق عليها  ( بلاد السيبة ) أي الارض التي لاتعرف تنظيما سياسيا و لاسلطة مركزية حقيقية بسبب عدم ارتباط الإنسان بالأرض وإن كانت هناك استثناءات قليلة في فترات زمنية متفاوتة وفي أماكن ضيقة متباعدة لانعدام الاقتصاد الزراعي واعتماد السكان على الإقتصاد الرعوي المتنقل  .

كما أن عدم خضوع الإنسان في هذه الربوع للتطور الزمني الاجتماعي الذي خضعت له الشعوب الأخرى ( التحول من مجتمع الاسرة إلى  القبيلة إلى  القرية ثم المدينة ) حيث انتقل من مجتمع بداة الرحل إلى مجتمع المدينة بعد دخول الاستعمار أوائل القرن العشرين وموجة الجفاف بداية السبعينيات من القرن المنصرم . لذلك يمكن وصف المجتمع في تكوينه القانوني بمجتمع ماقبل القبيلة وهي المرحلة التي خضع فيها المواطن الموريتاني لقواعد العرف الاجتماعي الغير ملزم فقط ، دون أن تكون هناك قواعد قانونية آمرة يخضع لها الجميع .

لهذه الأسباب فان البحث في إصلاح العدالة يتطلب مناقشة ثلاثة محاور اساسية:

أولا: المنظومة القانونية    

يجب أن تخضع المنظومة القانونية لمراجعة شاملة في الشكل وفي الأصل

فمن حيث الشكل : يجب عدم التوسع في القوانين الخاصة ذلك أن تعدد القوانين يجعل من عملية التكيف القانوني للوقائع المجرمة بالغ الصعوبة لتشابه الافعال في النصوص المختلفة ( قوانين مكافحة العبودية ، الإتجار بالبشر)

 وبذلك يكون الحل الأمثل  يكون في دمج النصوص الخاصة في قانون العقوبات مع تكرار ارقام المواد أو التوسع في فقراتها كلما دعت الضرورة إلى  ذلك على أن تتم مراجعة جميع النصوص التشريعية سواء ذات الطابع العقابي أو تلك المتعلقة بالالتزامات والعقود المدنية ودمجها في كتاب واحد يكون متوفرا بيد القاضي مع التأكيد على عدم الخروج على نصوصه لان ذلك انكار للعدالة و يستوجب مايترتب على ذلك من عقوبات وعدم تحميل النص أكثر مما يطيق من التفسيرو الحد من النصوص المبهمة .

أما من حيث الأصل :  يجب مراجعة القانون  وبشكل جذري لتحدد الأفعال المعاقبة وبشكل واضح , يلغي المواد ذات الطابع العام والتي تحتمل التفسير الواسع كما هو منصوص عليه في المادة 306 من القانون الجنائي التي تنص على انتهاك حرمات الله دون تحديدها بشكل واضح وجلي مما يجعل المشتغل بها يفسر الأفعال التى تتنافي وما يعتقد القاضي انها تدخل تحت طائلتها ويقوم بتفسيرها على هواه ،وكذلك المادة 1179 من قانون الالتزامات والعقود والتي تقول (يرجع إلى  مذهب الامام مالك فيما لم ينص عليه في هذا الأمرالقانوني ) وهوالشبئ الذي يجعل العقود والالتزامات محل تفسير يختلف حسب المزاج أو حسب الزاوية التي ينظر منها الناطق بالحكم بسب التفسير المرتبط بالمدرسة التقليدية المحظرية القادم منها أو حسب مركز الاطراف الاجتماعي وهو ما نلاحظه في احكام قانون الأحوال الشخصية وهي نظرة غير محايدة بين المتقاضين طرفي النزاع .

ثانيا : شخوص العدالة :

1 - القضاة  يتقدم القضاة العاملون أهم الاشخاص في المنظومة القضائية تطبيقا وفهما للنصوص اإلا أن المتابع لعمل القضاة في موريتانيا يدرك دون عناء أن القاضي لايخضع في حكمه أو قراره للقواعد العامة لتطبيق النصوص والمحاكمة العادلة ، فقد نجد في جلسة واحدة مع توحد الوقائع اختلافا بينا بين الاحكام والقرارات وحتي التمييز بين الاشخاص عن  نفس الوقائع التي اشتركوا فيها في ملف واحد مع علمهم المسبق بما يترتب علي تلك الأفعال من عقاب واكتمال أهليتهم القانونية بما يعطي تفسيرا لخضوع القاضي للتأثير الإجتماعي والضغوط التي تمارس عليه بموجب عمله ،ولذلك فإن تحويلات  القضاة سيف مسلط على رقاب الاحكام كما هو بالضبط  حال الضغط الاجتماعي والتأثير القبلي ينضاف إلى  ذلك الامور الأخرى كالوساطة والرشوة بجميع اشكالها المادية والمعنوية .ومع ذلك فان القاضي يتأثرايضا بشكل أكبر بالعاملين في المجال خاصة كتاب الضبط الذين يشكلون الحلقة الأولي بين القاضي والمتقاضين .

2 - كتاب الضبط  وهم قلم المحكمة والمنفذ الاول للولوج إلى التقاضي وبذلك يمارسون وصاية من نوع ما على المنظومة القضائية وعلى المرفق بصفة خاصة حسب الظروف من خلال تأخير الإجراءات وسحب الوثائق وعمل المعاينات المأمور بها والتبليغات وتحرير الأوامر ومسك السجلات وغيرها مما يتطلب الأمانة والإستقامة وهي نادرة للأسف بسبب دور الوساطة ومحاولة القيام بدور المحامي واستغلال المركز الوظيفي .

أما بقية شخوص العدالة فرغم خطورة دورهم إلا انهم لايتحملون المسؤولية المباشرة بما يعطيهم حصانة عن الوقوع تحت طائلة العقوبات الجنائية ، لطبيعة المجتمع المتسامحة رغم ما يتسم به عملهم من خرق سافر للمساطر القانونية .

3 - الخبراء القضائيون  هم أساس البلاء الذي يعاني منه القضاء ووسيلة تكسب غير مشروع والحصول على منافع غير مستحقة مع التناقض الواضح والبين حسب ماهو مقدم لهم من رشاوي والتى يتلقونها من الاطراف وبذلك عملهم لايخضع لمعاير فنية حقيقية , ولذلك تجد تناقضا صارخا بين الخبرة والخبرة المضادة كما أن مصاريف الخبراء تدخل في اختصاص القاضي المعني بالملف الذي يقوم بتحديد مبلغها دون اللجوءإلى  معاير محددة سلفا , إنما لمزاج المقرر وهي باب واسع للرشاوى وابتزاز المتقاضين.

4 - العدول المنفذون  : مهنة من لا مهنة له و أكثر من يشتغل بها أميون قانونيون ليس لديهم علم بأساسيات ولا بمبادئ القانون واغلبهم يمارس اعمال الابتزاز غير المشروع ضد كل من المنفذ لصالحه والمنفذ ضده ومحاولة الحصول على أكبر قدر من المنافع المادية ولم تستطع الدولة أن تحدد مصاريف ثابتة للأعمال التي يقومون بها ونشرها حتي لايتم استغلال المتقاضين دون وجه حق .

5 - الموثقين  : يقوم هؤلاء بالأعمال التحضيرية لعمل الشهر العقاري وهم مركز للتزوير ووسيلة الاستيلاء على ممتلكات الغير، يستوي في ذلك التوثيق الرسمي والعرفي الذي تسبب في كوارث حقيقية يحكم بها القضاء خاصة فيما يتعلق بالملكية العقارية وهو من الاسباب الرئيسة لفساد المنظومة القضائية وتعطله وشغله.

6 – المحامين عادة يستغل أغلب المحامون علاقتهم الإجتماعية بالقضاة وبالمتقاضين لذلك لاغرابة إذا لاحظنا أن الملف الواحد يوجد فيه أكثر من محام يمثل اغلبهم العلاقة الاجتماعية بمن ينظرون الملف من القضاة ويمكن الإستغناء عن خدماتهم في المرحلة اللاحقة من التقاضي، كما أن وسائل التعهد في الملفات لا تخضع لمعايير محددة مع عدم الاختصاص بالنسبة للمحامين وإنما في الغالب تخضع لعوامل السمسرة والعلاقات العامة الغير نزيهة مع ضعف بين من طرف الهيئة الوطنية للمحامين وعجزها وعدم قدرتها على تطبيق النصوص القانونية المسيرة لأعضائها لعوامل اجتماعية ولتدخل القضاء والأمن في تسير شؤونها بشكل مباشر  .

ثالثا :آليات تطبيق منتج العدالة:

تخضع الأحكام القضائية المنتج النهائي للمنظومة القضائية والتي يفترض في تطبيقها حصول (دولة القانون).

إلى اتجاه قهري تمثله إدارة السجون في جانبه الجزائي والعدول المنفذون في اتجاهه المدني مستعينين بالقوة العمومية عن طريق مد يد المساعدة من لدن وكيل الجمهورية الذي هو المرجعية الوحيدة في استخدام القوة العمومية .

وهنا تثور ملاحظات عدة على تنفيذ الاحكام القضائية حيث تكون المحكمة الأعلى رتبة منهية لحالة القهر التي يتعرض لها الشخص المنفذ ضده . بحيث يؤمر بتوقيف حالة القهر وتعليقها في شكل أوامر استعجالية تتيح للمنفذ ضده الفرار من العدالة أو إخفاء الادلة أو تبديد واخفاء الممتلكات المنفذ عليها .وبالنسبة للأحكام المدنية فإن أوامر التنفيذ الجبري تظل خاضعة لمزاج مصدرها دون أن تكون هناك سلطة رقابة عليه وكذلك مد يد المساعدة يخضع هو الآخر لترتيبات آخري وليست ثابتة حيث يمكن منعها لدواع أمنية كما أن الدولة لايمكن التنفيذ عليها كما أن حالة صعوبة تفيذ الاحكام تعود إلى ردأة  صيغتها النهائية مما يتطلب تفسيرا للحكم أو القرار .

وتبقي صيغة الأحكام والقرارات القضائية التى تحمل في طياتها من التناقض وعدم التسبيب الكثير بالإضافة إلى  عدم انتهاء الخصومات بسبب الوباء المعروف ( بالطعن لصالح القانون ) الذي يظهر بعد نفاذ الاحكام لمصلحة ترتبط بالقائم عليه مع المنفذ ضده والأمثلة كثيرة على ذلك .

بهذا ارجوا أن تكون هذه الورقة قد لامست بعض الإختلالات التى تعاني منها المنظومة القضائية وذلك بمراجعة النصوص وطريقة إصدارها أولا وغربلة شخوص القطاع وإخضاعهم لدورات مكثفة علمية و بدنية و نفسية لصد الشحنات القبيلة والجهوية والمصالح الضيقة،

والله من وراء القصد.

الاستاذ الدكتور المحام / محمد أحمد عبيد .