إعلانات

ديمقراطية القرن الحادي والعشرين في أزمة

اثنين, 17/01/2022 - 11:11

قد يكون كتاب "ديمقراطية القرن الحادي والعشرين" الصادر عن دار الثقافة الجديدة في القاهرة للمفكر المصري الدكتور وحيد عبد المجيد، من أهم الكتب التي صدرت في عام 2021، مصرياً وعربياً، من حيث عمق المعالجة، والنزعة النقدية، والتحليل الموضوعي، والمقاربة المنهجية، والانضباط الاصطلاحي.

وقد سبق وصدرت مراجعات عربية نوعية عن الديمقراطية، كندوة "أزمة الديمقراطية في الوطن العربي" التي عقدها مركز دراسات الوحدة العربية في عام 1983 في قبرص،  وكتاب "الانتقال إلى الديموقراطية: ماذا يستفيد العرب من تجارب الاَخرين؟" للمفكر المصري علي الدين هلال. وقد جاء هذا الكتاب في ذات السياق ليقدم مساهمة عميقة حول: "ديمقراطية القرن الحادى والعشرين". 

يؤكد عبد المجيد في كتابه أن الديمقراطية، لا تعني الليبرالية، وهو الخلط الشائع في أوساط عديدة من الكُتاب، فالأولى عملية إجرائية تضمن دورية الإنتخابات، وعدالة القوانين التي تنظمها، والمشاركة الشعبية بها التي تمكن المواطنين من اختيار السياسات التي تدافع عن مصالحهم وتحقق الصالح العام، وتتيح  للمعارضين المنافسة الحرة  للوصول إلى السلطة، فإن الثانية هي ثقافات وأفكار وفلسفات بينها مشتركات عدة، بما يعني إمكانية وجود نظام ديمقراطي دون أن يكون ليبرالياً كما هو الحال فى اليابان ودول شرق آسيا. وقد سبق لعبد المجيد أن أوضح فكرة الليبرالية من خلال كتابه المهم: "الليبرالية: نشأتها وتحولاتها وأزمتها" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2015. 

في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات، اعتبرت الأحداث الدامية، في كل من بولندا وأوروبا الشرقية والتي انتهت بتفكيك الاتحاد السوفياتي، بأنها انتصار نهائي للمعسكر الغربي بنظامه السياسي. وتتابعت الأطروحات الأميركية التى تدلل على هذا الإنتصار بقيادة أسماء معتبرة مثل: صموئيل هانتيغتون الذى اعتبر في كتابه "صدام الحضارات" أن التسعينيات هي زمن الموجة الثالثة من الديمقراطية والذي عاد وأشبع شرحه في كتابه "الموجة الثالثة: التحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين".

المفكر الأميركي فرنسيس فوكوياما صور في كتابه الشهير "نهاية التاريخ" أن النموذج الأميركي هو أروع أنموذج وأنه أعطى إجابات نهائية لكل ما يتعلق بحياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والذي اعتبر الديمقراطية الليبرالية: منتهى التطور الأيديولوجي للإنسانية ونهاية التاريخ.  

لكن بعد أن دخلنا القرن الحادي والعشرين تأكد للكثير من الساسة والمفكرين أن هناك عطباً أصاب العملية الديمقراطية فى بلاد المنشأ، وهناك الكثير مما لم تتم الإجابة عنه سياسياً واقتصادياً وفكرياً واجتماعياً. فكان العقدان الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين، عقدي المراجعات والتحولات.  

وقد قام عدد من المفكرين من دعاة النموذج المنتصر بمراجعة نموذجهم مثل: الباحث الأكاديمي والإعلامي الأميركي (من أصل هندي) فريد زكريا الذي أصدر كتابا بعنوان: "مستقبل الحرية: الديمقراطية غير الليبرالية فى الوطن والخارج".

فرانسيس فوكوياما صاحب مؤلف "نهاية التاريخ"، راجع نفسه فى دراسة "نهاية الريجانية" منتقداً بشدة سياسات الليبرالية الجديدة داعياً إلى إقامة نظام اجتماعي أكثر عدلاً.  وقد أصدر مرجعاً معتبراً في مطلع العقد الثاني من الألفية الجديدة عنوانه: "النظام السياسي والتحلل السياسي" حيث يستعرض جذور النظام السياسي من قبل الإنسانية، مروراً بالثورة الصناعية والفرنسية، إلى ما أطلق عليه عولمة الديمقراطية (1400 صفحة). وعبر صفحات هذا المرجع نجده يعيد النظر في الكثير من المسلمات السياسية. 

وقد حرر عالم الاجتماع السياسي لاري دايموند  مجلداً بعنوان: "الديمقراطية: أبحاث مختارة بأقلام 25 مفكراً وباحثاً، عن أسباب تراجع الديمقراطية"، ليس فقط فى الدول حديثة العهد بها أو دول الموجة الثالثة ــ وإنما فى كل العالم بما فيه دول المعسكر الرأسمالي ذات التاريخ الديمقراطي العريق. ويعد المجلد نموذجاً مثاليا لتنوع الدراسات وعمق تشخيص ما لحق بالديمقراطية من وهن ولماذا؟.

يتميز  كتاب "ديمقراطية القرن الحادي والعشرين"  بمناقشة أزمة الديمقراطيات في هذا القرن، وقد تعرض المؤلف  لأهم الكتب الغربية التي تحدثت عن الديمقراطية وعيوبها منها:

كتاب "كيف تموت الديمقراطيات"، لعالمي السياسة ستيفن ليفتسكي ودانييل زيبلات – والذي لا يعتبره دراسة منهجية -  إذ ينتقل المؤلفان من محطة تاريخية إلى أخرى بشكل انتقائي. وقد تأثر مؤلفاه بقلقهما من تداعيات وجود الرئيس دونالد ترامب فى البيت الأبيض. فقد كانا مهجوسين، خلال عملهما على الكتاب المذكور، بخطر ترامب على نحو دفعهما إلى تجاوز حدود المبالغة، عندما وجدا أن فوزه يشبه استيلاء بنيتو موسوليني على السلطة فى إيطاليا عام 1922 ،وصعود أدولف هتلر فى ألمانيا عام 1933.

ويعتبر كتاب "كيف تموت الديمقراطيات" أن الخطر الأكبر على الديمقراطية كان فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة فى انتخابات 2016 ،إذ يحسبانه مؤشراً على تآكل المعايير الديمقراطية، ولم تعد نموذجاً ديمقراطياً سواء في الداخل أو الخارج وأخذت تمضي في اتجاه تيار التراجع العالمي للديمقراطية.

ويذكر الدكتور عبد المجيد لنا مصدرا مهمً ، هو كتاب "كيف تنتهي الديمقراطية" لمؤلفه دافيد رونسيمان الذي يعتبر أن الديمقراطية التمثيلية لا تُبلي بلاء حسناً، ويطرح رونسيمان سؤالاً مهماً مفاده: إذا كان كل ما يحمي الديمقراطية ويحافظ عليها، فى الدول التي صارت راسخة فيها هو أن البدائل عنها أسوأ منها، فماذا يحدث عندما يصل قطاع معتبر من المواطنين في هذا البلد الديمقراطي أو ذاك إلى اقتناع بأن من هذه البدائل ما قد يكون أفضل منها؟

ويكمل عبد المجيد مطالعته الديمقراطية فيذكر تحذير الباحث الألماني ياشا مونك في كتابه ذي العنوان المثير "الشعب مقابل الديمقراطية" من تفكك النظام الديمقراطي بسبب بطء النمو الاقتصادي وازدياد التفاوت الاجتماعي وعدم المساواة، والثورة الرقمية، وتقنيات الاتصالات الجديدة، والهجرة المستمرة إلى الديمقراطيات الغربية، وضعف الآليات المؤسسية التي تحوّل المطالب الشعبية إلى ساسات عامة، وخضوع هذه الآليات لمصالح نخب اقتصادية واجتماعية، وتراجع تأثير الناخبين على المؤسسات المنتخبة، ومن ثم ازدياد الفجوة بين الناخب والمشرع.

 ثم ينتقل إلى كتاب "ضد الديمقراطية" لجيسون برينان الأستاذ في جامعة جورج تاون في واشنطن، والذي أحدث جدلاً واسعاً في أوساط فلاسفة السياسة وعلمائها ومفكريها في الغرب، والذي تعاقد معه لترجمته الألمان والبرتغاليون والإيطاليون والسويديون، ويبين برينان كيف أنه منذ عقد من الزمن اكتشف أن أغلب نظريات الديمقراطية إنما هي نظريات باعثة على الحيرة أشد ما تكون. 

ويؤكد "برينان"  أن الدراسات العلمية أثبتت أن ممارسة السياسة والحديث فيها يجعل عامة الناس أكثر عنفاً وغضباً ويبعدهم عن العقلانية. ويدعو إلى حتمية تقليص النفوذ السياسي لمن أسماهم بـ"اللاعقلانيين" و"الجهلة" و"غير الأكفاء" على غيرهم من المواطنين.  ويجادل برينان أن نظام الحكم المسمى (إبيستوكْراسي epistocracy) -وضع الحكم في يد من يملكون المعرفة- قد يكون أفضل من نظام الحكم الديمقراطي، ولقد حان الوقت الذي نجرب فيه هذا النوع من الحكم السياسي لنرى نتائجه بأنفسنا.

ويعتقد المؤرخ والباحث البلجيكي كريستون بوخين دي كوزال في كتابه كتابه "نهاية الديمقراطية"، أن الديمقراطية أينما وجدت في العالم  فهي  في حالة اضطراب كبير. ويعتبر عبد المجيد ان كوزال بحكم تخصصه في التاريخ لم يصل إلى إجابات معقولة في تحليله الذي يفتقر في كثير من جوانبه إلى الضوابط المنهجية.

وقد أصدر أستاذ العلوم السياسية في جامعه باريس وخبير القضايا السياسية ورئيس فريق تخطيط السياسية سابقاً في وزارة الخارجية الفرنسية جان ماري جيهينو كتاباً يحمل نفس العنوان "نهاية الديمقراطية" الذي ترجمه الى العربية حليم طوسون، وصدر عن مكتبة الشروق الدولية 1995.   

 وقد تنبا جيهينو في كتابه بأن الديمقراطية التاريخية إلى زوال في ظل الرأسمالية الاحتكارية المالية المعولمة التى سيفرض على العالم عبادتها ــ تجاوزا ــ باعتبارها العجل الذهبىي للإمبراطورية المالية.

ومن المهم أن نلفت عناية القارئ إلى 6 مجلدات مرجعية، صدرت وحررها عالم الاجتماع السياسي البريطاني الكبير بريان تيرنر، الثلاثة الأولى منها صدرت تحت عنوان: تحول المواطنة، والمجلدات الثلاثة الثانية حملت عنوان: شعبوية وديمقراطية في أزمة.

يتمحور كتاب "ديمقراطية القرن الحادي والعشرين" على فكرة الديمقراطية التمثيلية - الذي يعد إجراء الإنتخابات هى آلياتها الوحيدة - لم تعد مرضية لقطاعات هائلة من الشعوب، فضلاً عن عدم قدرتها على منح شرعية سياسية لأنظمة الحكم القائمة. ولذلك يدعو إلى مزج بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية المباشرة، بعقد الإستفتاءات الدورية على القرارات والقوانين والسياسات قبل تنفيذها، وتصويت الناخبين على أداء المسؤولين التنفيذيين والنواب من دون اجراء انتخابات جديدة، وفتح مجالات مستمرة للحوار المجتمعي، وتحقيق الشفافية الكاملة بشأن الإنفاق العام.