إعلانات

"بيكاسو هذا الغريب": كيف عاملت فرنسا الفنان "الدخيل" و"الأجنبي"؟

جمعة, 12/11/2021 - 10:27

يبدو الأمر وكأن كلّ شيء قد قيل حول بيكاسو، فنان القرن العشرين الأسطوري.  إذ لا يوجد أي عمل أثار الكثير من الحماس والنقاش والجدل مثلما أثارته عمله. ولكن من الذي يدرك اليوم الصّعوبات التي مهّدت الطريق للفنان الشاب المقتنع بعبقريته؟ والذي وصل إلى باريس عام 1900 من دون أن تكون له أية معرفة باللغة الفرنسية؟ كيف شقّ بيكاسو طريقه في هذه المدينة الحديثة والتي كانت تهتز على وقع قضية دريفوس؟ كيف كان بيكاسو ينظّم صداقاته ونجاحاته الأولى؟ ولماذا عند الاحتفال به في جميع أنحاء العالم عام 1940، وقّع رفض طلبه للحصول على الجنسية الفرنسية؟ ولماذا بقيت أعماله مغمورة في متاحف البلد المضيف حتى العام 1947؟

عند الخروج من معرض "بيكاسو هذا الغريب"، الفكرة التي تتبادر إلى الذهن ليست: "لماذا هذه الطريقة في النظر إلى أشهر فنان القرن العشرين؟ بل "لماذا الآن فقط، بعد نصف قرن من وفاته؟". هل سيظل من الخطأ اليوم أن نقول إلى أي مدى تعرض بابلو بيكاسو (1881 - 1973) لسوء المعاملة لفترة طويلة من قبل الدولة الفرنسية وإداراتها؟

ومع ذلك، فإن الحقائق بسيطة: ولد في إسبانيا وأنجز جميع أعماله تقريباً في فرنسا، ومع ذلك ظل بيكاسو حتى وفاته مهاجراً لم يحصل على الجنسية الفرنسية. تم رفضه حتى الحرب العالمية الثانية. بعد ذلك، لم يعد مفيداً له. شهرته وثروته وحتى صلاته بالشيوعية تجعله نجماً الآن.

هذه بعض الأسئلة التي أثارها معرض "بيكاسو هذا الغريب" في متحف" تاريج الهجرة" في باريس. وهذه هي الزاوية غير المسبوقة التي تبنتها مفوضة المعرض المؤرّخة آني كوهين سولال. فهي تتمسك بالقول إن الوضع الوجودي لبيكاسو الغريب في فرنسا هو الذي كان حافزاً لمسيرته الابداعية في فرنسا.

وكشفت 6 سنوات من البحث في صناديق أرشيفيّة غير مستغلّة عن الشذوذ والتناقضات بل والفضائح التي كانت تنتظر بيكاسو في بلد كانت تقوده مؤسسات متقادمة، وكان عرضة لموجات من كراهية الأجانب حتى العام 1945.

كان ذلك في وقت مبكّر من العام 1945. ففي شهر تموز/يوليو عام 1901 عندما نظم بيكاسو معرضه الأول في "غاليري فولارد"، قامت الشرطة برفع قضية ضده واصفة إياه بالفوضوي. وعلى مدى 40 عاماً، كان يُنظر إلى بيكاسو في الإدارات الفرنسية على أنه دخيل وأجنبي  وعلى أنه يساري متطرّف وفنان طليعي – الكثير من علامات الوصم التي لم يتحدث عنها أبداً مع أي شخص، لكنها كانت بلا شك تؤثّر على حياته اليوميّة.ـ

في الحقيقة سيكشف بيكاسو، بالإضافة إلى إنتاجه الفني الكبير، عن مواهب سياسية لا مثيل لها  متحوّلاً بذلك إلى فاعل قويّ في مسار تحديث فرنسا. ففي عام 1955 وبشخصيّته الفنية العالمية والأجنبية الشهيرة، سيستقرّ بيكاسو بشكل دائم في الجنوب الفرنسي مفضلاً بذلك الجنوب على الشمال، والحرفيين ضد الفنون الجميلة، ومنطقة الجنوب على العاصمة.

ألا تتطابق تجربته في الإقصاء اليوم مع تجربة كلّ من واجه الرفض من الآخر؟ أليست مهارة ردود أفعاله نموذجاً للتفكير بل وحتى لاتخاذه مثالاً يحتذى؟

من خلال استعارات استثنائية من "المتحف الوطني بيكاسو بباريس" و"متحف بيكاسو" في برشلونة و"متحف بيكاسو" في أنتيب، بالإضافة إلى مؤسسات أخرى مثل "مركز بومبيدو"، بالإضافة إلى المتاحف الأجنبية والمجموعات الخاصة، يقيم معرض "بيكاسو هذا الغريب" رابطاً جديداً بين أرشيف الرجل (الوثائق والصور والأفلام) وبين أعماله.

ويرافق المعرض مصنّفاً يضمّ لجنة غير مسبوقة تتكوّن من 25 كاتباً ومفكّراً من جميع التخصّصات، ومن جميع البلدان التي تنكبّ هي الأخرى على دراسة مسألة الأجنبي والآخر.ـ