رن جرس المنبه. الساعة السابعة صباحا. جهزت نفسي. لدي أربعة بذلات وربطتا عنق. بذلة لكل يوم ما عدا الجمعة ألبس الدراعة. أما ربطتا العنق فيوم ألبس الزرقاء ويوم المزركشة... وهكذا دواليك. الساعة الثامنة تماما دلفت من بوابة القصر الرئاسي.
حييت الحارس فرد ببرود. ما علينا. في المرة المقبلة سأترجل لكي أحييه باحترام.. الحرس الرئاسي مهم، يمكنه أن يمنعني من دخول منصة أو يجلسني في مؤخرة الصفوف في حفلة تدشين مثلا، وأجد نفسي بعيدا عن الرئيس والكاميرات.
دخلت مباشرة إلى مكتبي وهو عبارة عن غرفة صغيرة يوجد بها أثاث يبدو أنه كان موجها لمكتب أكبر، وهو ما يجعل التنقل صعبا. هناك طبعا المكتب، وهو عبارة عن طاولة ومقعد بالكاد تفصله سنتيمترات قليلة عن الحائط، وفي المقابل طاولة أخرى تحيط بها اربع مقاعد وثيرة، وفي الجانب الآخر دولاب ضخم به أعداد قديمة من جريدة الشعب.
الثامنة والربع. ضغطت على زر في الهاتف فأجابني محمد عالي* مسؤول المطبخ. ومحمد عالي هذا هو الموظف الوحيد الذي أتكلم معه عدة مرات يوميا، ليس لأنني أحب الطعام بشكل مفرط وإنما لأنه لا شيئ لدي أقوم به ما عدا الأكل. طلبت منه فطوري كالعادة : كرواساه وجبنة وقهوة سوداء من دون سكر. بعدها بدأت أتصفح الانترنيت : واتساب وفيسبوك ثم المواقع المحلية ثم الأجنبية المهتمة بالشأن الموريتاني.
الساعة الحادية عشر. موعدي اليومي الثاني مع عزيزي محمد عالي. ككل يوم طلبت منه شايا مع خبز وعسل وزيتون. حاولت الاتصال بالأربعة فرن هاتف ثلاثة من غير جواب وأجابني الرابع، قلت له إذا كان يريد أن نشرب الشاي معا فأجابني أنه مشغول جدا. هاتفت مستشارا خامسا فقبل على الفور ولم أتفاجأ لأنه ينتمي إلى مجموعتي. الأربعة والعشرون.
لكي تفهمو، يوجد في القصر ثمانية وعشرون مستشارا أربعة منهم فقط هم الذين يعملون. أما الآخرون فهم مثلي تماما. شربت الشاي مع زميلي وكانت لديه تقريبا نفس الأخبار التي سبق وأن قرأت على فيسبوك. بعد الشاي حان وقت الغداء. اليوم سلطة ثم رز بالدجاج وأخيرا فواكه تم تقطيعها بعناية. لله درك يا محمد عالي، لا عدمناك. تصفحت الانترنيت للمرة الأخيرة. طبعا قمت بطباعة مقال أو اثنين وهي تقنية معروفة لدينا نحن مستشارو الدرجة الثانية. الهدف هو أن تخرج من القصر وأنت تحمل ملفا، لكي يقول الآخرون "فلان شقال، يمشي بالملفات شور الدار ياك يشتغل عليهم ف الليل".
الساعة الثالثة، آخر مكالمة مع محمد عالي. طلبت منه كأس عصير "وإذا كانت هنالك قطعة جاتوه". فجاءني بما طلبت. الرابعة إلا ربعا، تفقدت ربطة العنق، ثم خرجت وتوجهت إلى القصر القديم حيث تركت سيارتي مركونة. في الطريق إلى البوابة وعند مروري أمام الحرس الرئاسي نظرت نحو الساعة. كانت تشير إلى الثالثة وتسع وخمسين دقيقة. ما شاء الله على هذا المستوى من احترام الدوام الرسمي.
تذكرت أن غدا هو نهاية الشهر، وهو ما يعني دخول ما يقارب المليون ونصف أوقية في حسابي البنكي. وهو راتب معقول مقارنة بالعمل الذي أقوم به.
منذ عام أو يزيد وأيامي تتشابه... أظن أنهم نسوني.. هل عرفتموني ؟ أنا مستشار برئاسة الجمهورية.
نقلا عن صفحة / Hacen Lebatt .