اليوم بعد أن انتهى كل شيء لا بأس أن نضع النقاط على الحروف في قضية تعامل السفير الموريتاني لدى الجمهورية التونسية السيد الدمان ولد همر مع جاليتنا وطلابنا قبل وخلال جائحة كوفيد19 وذلك من أجل الإنصاف وعرض الصورة بشكل صحيح، وإن كان فيما سأقوله عنه كذبا فبينوا ذلك ووضحوه، وإن كان صادقا فلا تكتموا الشهادة وأنتم تعلمون.
الدمان إنسان له كاريزما وروح مباردة قوية جامحة، زينتها أخلاقه الكريمة وتواضعه للناس وهو رفيعُ.. شهد بذلك أهل جدة في بلاد الحرمين الشريفين حين كان قنصلا بها، وشهد بها زوار البيت العتيق وأهل المدينة المنورة...
نعم فهو يملك حصافة وحس الديبلوماسي الناجح المتقن لفن الديبلوماسية في ثوبها الراقي، وحذاقة العارف الفطن لمسالك العلاقات الدولية ودوربها بتفاصيل تفاصيلها؛ لذلك تجد دائما بصمته واضحة على كل عمل تولى إنجازه وتحمل مسؤوليته..
وليس بعيدا منا ما حصل مؤخرا في قضية الجالية الموريتانية في تونس حيث ظل يواسيها ويعالج قضيتها بروح تفاعلية عالية مكنته من جبر خواطرهم وتضميد جراحهم؛ فكان يساعد هذا ويتكفل بذاك ويصرف من ماله الخاص عليهم دون منّ أو أذى ولو لا أن حدثنا بعضهم بنفسه بما كان لكان هذا في خبر كان.
وحين بدأت أزمة الفيروس تلقي بظلالها الثقيلة على الطلاب والمرضى والمقيمين؛ بدأ الرجل يتحرك في قضيتهم سبيلا إلى حلها بطريقة ترضي الجميع؛ فنادى على جميع طواقم السفارة وجعلهم في حالة تأهب قصوى لتلبية نداء الواجب الوطني، وبدأت ترتيبات الإجلاء الأول تأخذ مجراها بصورة ديناميكية تناسب حالة الطوارئ التي يعيشها البلدان؛ ضمانا لسلامة المواطنين الراغبين في العودة من جهة وترتيبا لنقلهم من مختلف الولايات التونسية وتحضير ملفاتهم وتذاكر سفرهم بالتنسيق مع الوكالة الموريتانية للطيران خلال فترة قياسية لا مجال للأخطاء والثغرات فيها من جهة ثانية.
تم إعلام الجميع عن طريق صفحة السفارة على الفيسبوك؛ فسارع المعنييون إلى إكمال ترتيباتهم بمساعدة من طواقم السفارة التي كانت تعمل 24\24 حتى لا يكون هناك أي تأخير أو تعطيل في الموضوع.. كان المشهد يوحي حقا بالجدية والصرامة في أداء العمل بصورة استثنائية نادرة، لم ينتهي الأمر هنا بل تواصل العمل الدؤوب حتى غادر آخر مواطن يرغب في العودة إلى موريتانيا، وبقي نداء السفارة متواصلا لكل من يرغب في العودة قبل أن تغلق الدولتان مجاليهما الجوي.
طبعا لم يغادر الجميع ساعتها لأن أغلب المرضى لم يكتمل علاجه فآثر البقاء إلى حين اكتماله، وكذلك الحال بالنسبة لأغلبية الطلاب؛ فقد فضلوا البقاء أملا منهم في اختفاء الوباء خلال فترة قصيرة فلا يضيع جهدهم هباءً منثورا.. ولكن بعد أيام قررت تونس فرض الحجر الصحي الشامل 24\24 على كافة التراب التونسي؛ فكان لذلك أثرا سلبيا على نفسيات الجالية التي لم تتعود على ظروف مشابهة، فبدأ التذمر من هنا وهناك وبدأت المطالبة من جديد بضرورة الإجلاء إلى أرض الوطن، فكان السفير الموريتاني مرة أخرى في الموعد، فرغم ظروف انتشار المرض وخطر التجول في ذلك الوقت والاحتكاك بالناس وما قد يجلب من ضرر؛ إلا أنه أصر أن يتفقد أحوال الجالية بنفسه في جميع الأحياء التي يوجد فيها الموريتانييون واطمئن على أحوالهم ووقف على مشاكلهم، وأعد تقريرا وافيا عن حالتهم التي يعيشون فيها في ظل الاغلاق التام ( ولدي مقاطع تثبت ذلك ) وتحمل عن بعضهم مصاريف الإيجار على نفقته الخاصة وترك معهم أشخاصا لديهم سيارات مرخص لها في التجول على طول؛ وذلك حرصا منه على توفير النقل للمرضى من وإلى المستشفيات.
ظلت أرقام السفير متاحة لجميع أفراد الجالية بدون استثناء، وظلت كذلك أبواب سفارتنا مفتوحة في الوقت الذي كانت فيه جميع سفارات العالم في تونس موصدة الأبواب بسبب حالة الطوارئ التي تمر بها البلاد. لم يكن الأمر بتلك السهولة التي يعتقد البعض، لكن بفضل حنكة الرجل ورحابة صدره استطاع بكل جدارة أن يكون على قدر التحدي؛ فتم التكفل بكل الأسر الموريتانية التي تتعالج في تونس على نحو منظم ومضبوط بحيث وصل كل أسرة نصيبها دون أن تكلف نفسها عناء القدوم إلى السفارة ( 700 دينار لكل أسرة أي 100,000 أوقية + الخضروات والأرز والمعكرونة والزيت ولحم الإبل والدجاج والماء واللبن ..الخ ) هذا طبعا بالإضافة إلى تأجير عمارة كبيرة مجهزة بكل ما يلزم وسائل الراحة، مخصصة للمرضى العاجزين عن تحمل المصاريف اليومية ودفع الايجار والمواصلات، وهذا كله تحت إشراف طاقم السفارة الساهر على أداء مهمته بكل مهنية وإتقان.
لم ينتهي الأمر عند هذا الحد؛ فقد تم توزيع 8000 ألاف دينار ( اي أكثر من 1000.000 أوقية ) على الطلاب الغير ممنوحين من طرف الدولة ولدي ( بيانات اتحادات الطلبة الموريتانيين في تونس توثق ذلك ). ولكي تسهل السفارة لرؤوساء الطلبة مهمة توزيع المساعدات والمنح وإيصالها إلى الطلاب في الداخل التونسي في ظل الحجر الصحي الشامل 24\24؛ وفرت تصاريح تخول لهم التجول في كل شبر من التراب التونسي وفي أي وقت، مما سهل على كثير من الطلبة العالقين، التنقل بين الولايات بسهولة وانسيابية تامة في ظل الاغلاق وحظر التجوال.
واليوم وبعد أن قررت الوكالة الموريتانية للطيران فتح رحلاتها التجارية، لإعادة بقية العالقين ( الإجلاء الثاني ) إلى أرض الوطن اصطدم البعض بعقبة أخرى وهي أن التونسية للطيران ليست مستعدة للتعامل مع نظيرتها الموريتانية في حل أزمة زبنائها فتدخل السفير في الموضوع، وتمت تسويته على النحو الذي يرضي أفراد الجالية الذين كانت ستضيع تذاكر عودتهم مقابل لا شيء في ظل هذه الأزمة الخانقة.
ولأنه لابد من فحص جميع الناس قبل أن يغادروا إلى موريتانيا، ونظرا إلى تكاليف الفحوص الباهظة؛ قامت السفارة ممثلة في السفير بالتعاقد مع أكبر مخبر في تونس ( معهد باستور ) ليجري التحاليل الخاصة بالكوفيد19 لكل المسافرين وكل ذلك على حساب السفارة الموريتانية بتونس.
هذا قليل من كثير...
ولعل صورته اليوم في مطار قرطاج، وهو يشرف على توديع الجالية تختزل المشهد برمته....
فشكرا لمن ظل يعمل في صمت غير مكترث بالذئاب البشرية التي ظلت تنهش عرضه في هذا الفضاء الأزرق دون أن تكلف نفسها عناء البحث عن الحقيقة.
شكرا نيابة عن الجالية سعادة السفير الدمان ولد همر .