يجمع الموريتانيون على أهمية إطلاق حوار سياسي جاد وسريع بين نظام الرئيس محمد ولد عبدالعزيز ومعارضته الراديكالية المنضوية بأطيافها الحزبية والنقابية وشخصياتها المستقلة تحت لواء منتدى الديموقراطية والوحدة.
ومنذ أن حدثت الاتصالات الأولى بين طرفي المشهد السياسي قبل ثلاثة أشهر من الآن والرأي العام الموريتاني ينتظر بصبر فارغ، أن يتفق الطرفان على أجندة الحوار مع الدخول الفعلي في خضمه.
غير أن الملاحظ في هذا الشأن هو أن التمهيد للحوار يسير ببطء شديد وكرة هذا البطء ضائعة بين مرمى النظام ومرمى المعارضة؛ ذلك أن صقور الطرفين تكبح ما تقوم به حمائم النظام والمعارضة من جهود للاندفاع نحو الحوار.
فالنظام حريص على إظهار حرصه على الحوار مع المعارضة أمام الرأي العام الدولي بالأساس، لكنه ليس مستعدا لتنازلات كبيرة تظهر أن البلد يعاني بالفعل من أزمة حكم بينما مؤسسات الحكم فيه قائمة ومنتخبة، والمعارضة تحرص هي الأخرى على إظهار استعدادها للحوار أمام الرأيين العامين الدولي والوطني، لكنها تعاني في داخلها من خلاف شديد حول الحوار نفسه حيث أنها تضم صقورا لا يتحملون نظام الرئيس عزيز ويعتقدون أنه يجب التأسيس لنظام تعددي جديد.
ومما لاحظه المراقبون أنه منذ أن استجابت المعارضة الموريتانية للدعوة التي وجهها الرئيس محمد ولد عبدالعزيز للتحاور في خطابه الذي ألقاه أواخر السنة الماضية، في مدينة شنقيط، والحماس يتناقص والخطى تبدو وئيدة نحو الدخول في معمعان حوار دعا إليه الرئيس بمحض إرادته، حيث لا شيء يدفعه إليه لكونه فاز في الانتخابات التي نظمت في حزيران/يونيو 2014 وإن قاطعتها المعارضة، بنسبة نجاح مريحة تجاوزت الثمانين في المئة، ولكونه يتمتع بدعم أغلبية كبيرة في الجمعية الوطنية.
ويستغرب مراقبو هذا الملف أن الرئيس محمد ولد عبدالعزيز لم يتطرق لمسألة الحوار بالتفصيل المنتظر في مؤتمريه الصحافيين الأخيرين مع أنه هو الذي دعا إليه كيما يجد الموريتانيون حلولا لمشاكلهم.
ويتساءل الكثيرون عن الهدف الحقيقي الذي يتوخاه الرئيس الموريتاني من الحوار: هل هو مجرد مادة مقدمة للاستهلاك أم هو رضوخ لضغوط دولية أوروبية بالأساس لعودة المعارضة للبرلمان وللمجالس البلدية؟.
يقول دالاي لام المحلل السياسي في أسبوعية «لوكلام» الموريتانية المستقلة «ان الرئيس الموريتاني يسعى من وراء الحوار لتحقيق هدفين اثنين أولهما التحضير لانتقال سلمي للسلطة بعد انتهاء مأموريات الرئيس في انتخابات 2019 والثانية محاولة الحصول على مأمورية ثالثة».
وهويرى أن الرئيس عزيز يريد من وراء الحوار أن تتفاوض الطبقة السياسية الموريتانية حول التهيئة لانتخابات رئاسية حقيقية تنظم تحت إشراف هيئات الرقابة المحلية والدولية، بعيدا عن تأثير المؤسسة العسكرية ومع حياد تام للإدارة، ومن شأن هذه الخطوة إذا أتقنها الرئيس أن تجعل منه رجل دولة حقيقي وأن تمحو عن موريتانيا ما لحق بتجربتها الديموقراطية من دنس بعد انقلاب آب/أغسطس 2008 الذي أطاح برئيس منتخب».
وقد يكون الرئيس ولد عبدالعزيز حريصا على التنحي عن الرئاسة بعد انتهاء مأموريته الحالية وهو ما ينص عليه الدستور، لكن على طريقة ساركوزي التي تقوم على العودة المجددة لكرسي الحكم في استحقاقات 2024.
وبخصوص المأمورية الثالثة فإن المحلل السياسي دالاي لام يرى «أنها مخاطرة كبيرة حيث سينضم الرئيس عزيز إذا حاولها لقائمة تضم عبدالله واد من السنغال ورئيس بوروندي انكورونزيزا والرئيس النيجري مامادو تانديا ورئيس بوركينا السابق ابليز كامباووري».
«فقد ظن هؤلاء الرؤساء، يضيف دالاي لام، أن إزاحتهم عن السلطة مسألة غير ممكنة فقادهم ذلك لمزبلة التاريخ باستثناء رئيس بوروندي الذي يوجد مركزه مهددا منذ أسابيع».
القدس العربي