في بداية التسعينيات في إيطاليا أعلن قاض أربعيني اسمه أنطونيو دي بييترو الحرب على الفساد.. بدأ الأمر حين اكتشف دي بييترو أثناء إحدى التحقيقات تورط بعض السياسيين في قضايا رشوة.. و بعد توسيع التحقيق وجد أنها شبكة ضخمة على المستوى الوطني متورط فيها شخصيات من كل الوظائف والمستويات، وزراء و مدراء شرطة، مدنيون و عسكريون، ديبلوماسيون، رجال أعمال و زوجاتهم. اتخذ دي بييترو قرارا أعتبر حينها "انتحاريا" بتوقيف كل المتورطين مهما كان منصبهم، شملت الاعتقالات 5000 شخص بينهم أكثر من 1000 من رجال الدولة و السياسة، بينهم وزراء في الحكومة ثم رئيس الوزراء نفسه الذي هرب بعدها لتونس حيث قضى بقية حياته. كان دي بييترو يعي أنه يحارب دولة بأكملها بكل ما يحمله المعنى، أضاف لقائمة أعدائه عصابات المافيا و الجماعات الماسونية، أطلق على العملية "الأيادي النظيفة" وصدم الايطاليون لحجم الفساد و خرجوا في مظاهرات تدعم دي بييترو و تعتبره بطلا قوميا و أصبح اسمه يغنى في ملاعب الكرة مع شعار "دي بييترو جعلتنا نحلم".. أصبح القاضي أسطورة حية و لم يفهم المحللون كيف تجرأ و فعلها، حين سئل بعدها كيف قام بتلك "المعجزة" و ذلك "الجنون" أجاب أنه اتخذ القرار و هو يعلم أنه قد يدفع حياته ثمنا لذلك و أنه اجتمع بمجموعة شباب من نخبة الشرطة و أفهمهم أن مصير البلد بأيديهم و أنه لا مجال للخوف و بدؤوا عمليات اختراق واسعة لشبكات الفساد، فكرته أن الفساد يدمر الدولة من الداخل لذلك يجب تدميره من داخله. قال مرة مازحا :"الفساد كزواج المصلحة، إذا أفسدنا المصلحة يبطل الزواج و يصبح الأحبة أعداء يدمر بعضهم بعضا". دي بييترو دخل تاريخ إيطاليا بتسببه بإلغاء منظومة عمرها أربعون سنة و تسبب أيضا في فناء أحزاب تاريخية، على يديه انتهت الجمهورية الإيطالية الأولى التي قامت بعد الحرب العالمية و أعلنت بداية الجمهورية الثانية. خلاصة الأمر أن الفساد تتسبب فيه اللوبيات و يحميه الساسة و يصلحه العدل إن وجد..