خطاب رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني الليلة بمناسبة عيد الاستقلال الوطني كان خطابا مشبعا بقيم الدولة التي تعتبر المواطن غايتها ووسيلتها؛ في "مناسبة مشبعة بمعاني العزة والشموخ، تخلد ذكرى لحظة تحول حاسم في المسار التاريخي لشعبنا الأبي: لحظة جلاء المستعمر، ونشوء الجمهورية الإسلامية الموريتانية، كدولة بالمفهوم الحديث" كما قال فخامة الرئيس. رسائل الخطاب المشبع أيضا بمضامين أخلاقية وسياسية وتنموية، وصلت الجميع مستعرضة المنجز في الفترة القصيرة الماضية ومبشرة بالقادم في الغد القريب بحول الله.. حضر بعد العرفان بالجميل لأبطال المقاومة الوطنية، بشقيها، المسلح والثقافي، الذين واجهوا المحتل، بالبندقية والسيف، والفكر و القلم، حتي انكسر غزوه العسكري انكسار غزوه الفكري الثقافي. ولم يغب التفريق الواعي بين معاني وسياقات الاستقلال: سياسية، بالموقف والقرار، وثقافية، بحفظ الهوية واللسان، واقتصادية، بالتطوير والإنماء. وركز رئيس الجمهورية على أن بيت القصيد وحجر الزاوية لتكريس كل هذه السياقات هو "توطيد الوحدة الوطنية بالعمل على تكاتف جهود كل أبناء الوطن، خدمة لازدهاره، في ظل شعور قوي بالمساواة، ووحدة الهوية والمصير، ترعاه الدولة بالعدل، والإنصاف، والتنمية الشاملة". بعد الوحدة الوطنية ونشر قيم الثقة والحوار والتلاقي كما حضر في الخطاب كان معطى كرسه الرئيس منذ تسلمه للسلطة، حيث أصبح التشاور واقعا معيشا بين الحكومة والمعارضة، وصار زعماء المعارضة الموريتانية يحضرون مثل قادة الموالاة مختلف الفعاليات الوطنية، وتخليد الاستقلال غدا في أكجوجت شاهد على ذلك. تهدئة المناخ السياسي العام، وخلق جو من الثقة بالانفتاح على الجميع و التشاور مع كل الفرقاء السياسيين على اختلاف توجهاتهم، أمر ضروري لانطلاق الجميع للعب أدوارهم كاملة في مسيرة البناء التي تتطلب مشاركة الجميع. هي رؤية حصيفة يدعمها عقل رزين وخبرة في مكانيزمات ومواطن الخلل، تأتت من الإمساك لفترات طويلة بملفات وطنية غاية في الأهمية والتعقيد. وإذا وجدت الرؤية الثاقبة والعزم الهادئ والحزم الوقور الذي يترفع عن حضحاض الطيش والنزق، ورفدت ذلك تربية أخلاقية وثقافة رصينة فإن زمام البلد قد أعطي ليد امينة سوف تسافر به إلى سماء الإنجاز والفعل وتحقيق الأماني، وهي أمور كلها تتضافر لتشكل ملامح شخصية رئيس الجمهورية. تنفيذ مقتضيات العقد الانتخابي الذي على أساسه نال الرئيس ثقة الشعب؛ تلك المبسوطة في برنامج "تعهداتي"، ذلك التنفيذ نال نصيبه من خطاب لم تخذل اللغة والبيان والفصاحة صاحبه، حيث كانت أبعاد "ترسيخ العدالة وتقوية عوامل اللحمة الاجتماعية بمكافحة الفقر والتهميش والغبن" جزء اصيلا من خطاب الرئيس ومن عمل الحكومة ايضا على الأرض. مائتا مليار لمحو غبرة التهميش والغبن عن سحنات مواطنين خلفتهم التراكمات والوقائع الاقتصادية والسياسيوية والاجتماعية عن إخوتهم.. ترسانة قانونية مكتملة تؤسس لعمل مندوبية عامة، تتبع رئاسة الجمهورية مباشرة، يعهد إليها بتسيير كل البرامج و المشاريع المتعلقة بمكافحة الفقر و الهشاشة. ومجلس رئاسي لمتابعة السياسات الاجتماعية، سيتكفل بالمتابعة الدقيقة و المنتظمة لمستوى نجاعة وفاعلية تنفيذ هذه السياسات في محاربتها للفقر و الغبن والهشاشة وفى تحسينها لجودة الخدمات الأساسية. وبما أن العدالة هي قلب الدولة وشريانها المؤثر فقد تم الشروع في تقريب الخدمة القضائية من المواطنين بتفعيل مبدأ المساعدة القضائية. وفتحت لهذا الغرض مكاتب في كل الولايات بحيث يتاح لكل متقاض، في أي ولاية كان، إن ثبت عجزه الكلي عن التكفل بأعباء محام، أن يعين له،محام، مجانا، يعينه على استيفاء حقوقه بالدفاع عنه أمام المحكمة. أضف إلى ذلك العمل الدؤوب في قطاعات التعليم والصحة والصيد والاقتصاد والتنمية الريفية وسائر قطاعات الدولة. هذه ملامح من سرد لمنجزات مائة يوم مكتنزة بالعمل الصامت والنظر إلى الأمام. ولعل الكلمة الغصل في تقييم المنجز والمأمول هي الفقرة التي ختم بها الرئيس خطابه: "وإجمالا، فإن قاطرة تنفيذ برنامجنا الانتخابي قد انطلقت. وسأصر على أن تظل في تسارع مستمر، لأنني على أتم الإدراك بحجم تطلعاتكم، وآمالكم، ولأنني مصمم على الوفاء بما تعهدت به".