اقترب انقضاء مهلة أهل السياسة التي يمنحها الرأي العام والمراقبون للسلطة الجديدة كي يتمكن الناس من قراءة توجهاتها وتحديد مؤشِّر أدائها.
وبما أنني كنت أسجل وأراقب بدقَّة التوجّهَ الجديد وقراراتِه خلال التسعين يومًا المنصرمة فإن علي من باب النصح وإسداء المشورة (المتاحة)إسداء ملاحظاتي
ولعلّ القراء الكرام يلمحون فيها نهجا مختلفا في التناول .
وإليكم الملاحظات التي سجّلتُها:
1 – لا يختلف اثنان على جو التفاؤل الذي استقبل به عموم الشعب والطبقة السياسية في البلد خبر ترشيح محمد ولد الغزواني، وقد أعطاه الجميع الفرصة وتمنّى له النجاحَ بعد نهاية الانتخابات، رغم الشوائب الملحوظة على العملية الانتخابية وما صاحبها من استعمال مفرط للدولة من رأسها إلى أخمص قدميها، ومع ذلك فإن جميع المشفقين على البلد يبحثون في الرئيس محمد ولد الغزواني عن تلك المميزات الأخلاقية والقيمية التي أعلن في أوّل خطاباته ممّا جعل البعض ينتظره فاتحةَ فرج مرجوّ بإلحاح لا يحتمل التأجيل.
2- ما لوحظ من الأداء حتى الساعة يشعرك بأنه رئيس جديد في بلد مستقرّ وديمقراطي فيه الحقوق محفوظة والفرص مصانة، والناس منصرفة بعد الانتخابات كل إلى شأنه الشخصي وللرئيس في سويسرا بعدها أن يعتكف على خططه التنموية وتحسين الأداء وعينه على الإعلام وسلطته الرابعة.
غير أن الأمر ليس كذلك فرئيسنا الجديد أعانه الله يستلم مجتمعًا منقسمًا ومفككًا عرقيًا وجهويا …فلم يذهب المنصرف إلا وقد أضاف إلى الشرخ الذي اتسع في أيامه انقساما آخر على الرموز الوطنية فهنالك من أهل هذه البلاد طوائف وأعلام كُثر لا يعترفون بالنشيد والعلم ويرون وهم محقون بأن تبديل تلك الرموز كان بطرق غير دستورية وكذلك شطب مجلس الشيوخ وتدمير مقره .
والطبقة المؤثرة تشعر بمرارة الظلم وحيف السلطان طيلة عقود من الزمن بل إن الشعور بالوطن عند الأحرار وأهل النضال يتآكل نظرًا لإحساسهم بالدونية في وطنهم والحرمان الممنهج من الفرص والتضييق في الكسب الذاتي والحصار المحكم على فئات من الشعب
كل ذلك جعلهم يقتربون من الشعور بنفسية الاسير المتفرج على وطن مغتصب من فئة تذل من يريد له الإصلاح .
3 – من هنا كان المصلحون في البلد والمشفقون على الوطن ينتظرون حوارا وطنيا حقيقيا يضع حدًا للإنقسام ويوجد مخارج للإشكاليات الوطنية العالقة على أن
يخرج الحوار بخطة نهوض وطنية مثل خطة مارشال التي وضعها رئيس أركان أمريكا ووزير خارجيتها لنهوض أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية أو خطة الرئيس القائد لسنغافورة أو مهاتير محمد في ماليزيا أو أردوغان في تركيا..
وهي خطط نهوض استثائية من سماتها نزع الألغام الاجتماعية والسياسة والقانونية التي قد تعرقل السير نحو هدف النهوض المنشود وإيجاد جو من التوافق يحمي الإنجاز ويجعل الجميع معنيًا به.
4 – اتسمت الفترة المنصرمة من أداء الحكومة ببرودة شديدة تجاه المظالم التي كانت موجودة قبلها والتي لا تحتاج إلى شق طريق مسفلت أو تشييد عمارة بل كل الذي تحتاجه هو قرار برفع تلك المظالم وإنصاف أهلها وهو ما فعل عمر ابن عبد العزيز لحظة مبايعته فقد طلب رئيس الحرس وكان إذ ذاك رمزًا لتنفيذ المظالم وطاعة سليمان بن عبد الملك في ما يريد، فقال ضع السيف وسأل الله ألا يرفعه إلى يوم القيامة.
كما أن بإمكان الحكومة أن تحيل تلك الأمور العالقة إلى القضاء بعد أن تفك القيد الذي كبّله به الرئيس السابق فجعله كالمعلقة.
إن من المحير حقا إضافة إلى ما سبق أن تنتهي 100 يوم ولم تحرك الحكومة ساكنًا في قضية بوعماتو وولد الشافعي ومركز تكوين العلماء وجامعة ابن ياسين وجمعية الخير وأيتامها (5000 يتيم) والمحلات التجارية التي أُفلس أصحابها بدعوى انتمائهم لحزب مرخص من الداخلية يسلم تمويلا من الدولة ويقود مؤسسة المعارضة ونيابة رئيس مجلس النواب.
5 – كما أن عدم تبديل الوظائف الحسّاسة التي يمسك شاغلوها فعليا بتلابيب الادارة والمجتمع فعليا لحد الساعة يُضعف من أمل التغيير الذي عوَّل المواطنون عليه والمتعلق بحسن ظنهم برئيس لن يكون له التأثير المنتظر مالم يتخيَّر خِيرةً يتسمون بالقدرة والكفاءة بعيدًا عن سنة سلفه الذي تخير من يضرب الودع للبحث عن رغباته .
6 – نعم لا تخطأ عين المتتبع رصد قرارات وتوجهات إيجابية دالة على حسن نية وإرادة لفعل جاد، وإن من أهم تلك المؤشرات الاهتمامَ بقطاعات حيوية تهمّ المجتمع مثل مخلفات الفقر والاسترزاق وسنة التشاور مع المعارضة ، إلا أن الذي تحتاجه موريتانيا هو ما يشبه الثورة الداخلية، ومن الأفضل أن تكون بيد خبير بالدولة ورسالتها عارف بحساسيتها وعبر المؤسسات
وأن تكون له القدرة على العبور الضروري إلى شاطىء النجاة قبل أن يتآكل الوقت الممنوح له وحسن الظن الذي عبر عنه الجميع وتضيع الفرص بمشورة أهل منطق الغلبة والوصاية على المجتمع
إن ثقة الناس فرصة مهمة يأكلها التسويف ويحرقها الانتظار
ومن ابتلي بهذه المسؤولية العظيمة فعليه أن يطوِيَ الوساد ..