حدث ذاتَ مرة في صيفٍ مَخُوفٍ تخلف فيه المطر طويلا ، أن العلامة امحمد بن أحمد يوره أعلن للمصلين في حيه الواقع في مكان ما من إكيدي ، بعد الفراغ من صلاة أحد العشاءيْن ، عن إنشائه قطعةً في الاستسقاء ثم بادر فشنّف بها آذانهم قبل انصرافهم من المسجد.
و بعد حينٍ ،طلب منه بعض الحضور إعادتها على أسماعهم من جديد، و يبدو أن امحمد لم يرضَ عن مستوى التفاعل مع قطعته البديعة تلك ابّان حكايته لها ، فما كان منه إلا أن غادر المكان بانفعال شديد و هو يقول:
ما أنا بمعيدِها عليكم بعد الليلة إذْ لم تكتثروا بحكايتها أول مرّةٍ !
عندئذٍ أسف الجمع أسفاً مضاعفاً لسببين : أولهما ما وقع في نفس ذلك العالم الشاعر مرهفِ الحس من
شعور بعدم استحسان شعره العجيب و ثانيهما ضياع قطعة جيدة المبنى رائقةِ المعنى تحوي تضرعا إلى الله من أحد أوليائه المخلصين لرحمة منزلةٍ هم أحوج الناس إليها ساعتئذ !
و بينما الناس مشدوهين يتساءلون في ما بينهم كيف يُسترضى الشاعر و تُستعاد القطعة ، إذ انبرى من بين الصفوف شاب لا يعرفه منهم أحد فقال لهم بنبرة الواثق من نفسه : لعلي حفظت النص ، ثم بدأ يسترجع من ذاكرته بانسياب تلك القطعة البديعة :
إلهي قد تغيَّبت البروق
وقد يبست من الشجر العُروق
إلهي المحل دام فلا صَبوح
يرجِّيه الوليد و لا غَبوق
و في عين الجَزوع لذا دموع
و في قلب الصَّبور له خُفوق
إلهي من غيوثك جُدْ علينا
بما سدَّ التجبُّر و الفسوق
بغيث يجعل الأزمات يسرا
و يُبدل ما يروع بما يروق
نَشيم بروقه و نراه عينا
و يخبرنا به الثقة الصَّدوق
إلهي قد دعاك لذا عُبيد
ضعيف لا يقود و لا يسوق
على الهادي و عِترته سلام
له أبدا غُدوٌّ أو طروق
و باكتمال القصيدة اكتملت فرحة القوم و لكن درجة انبهارهم بحافظة هذا الفتى الغريب لم يكن يضاهيها سوى تعطشهم الكبير لمعرفة هويته..و سرعان ما زال العجب عندما علم الناس أن ذلك الفتى هو محمد عالِ بن عدُّود خرِّيج محظرة يحظيه بن عبد الودود ، و قد نزل ضيفا على المخيم و هو في طريقه إلى المذرذرة في مهمة معينة..
هذه القصة المتداولة في حينا رويتها أكثر من مرة عن شيخنا الشيخ محمد سالم بن عدُّود حاكيا عن والده آخرُها سنة 2003 في مدينة شنقيط على هامش ملتقى منظم حول تبسيط الإجراءات القضائية في موريتانيا!
رحم الله السلف و بارك في الخلف.
نقلا عن صفحة العميد/ بدن .