لقد كانت اعتقالات 94 هي البداية الفعلية لانفصال التيار السلفي عن التيار الإخواني، حيث بدأ هذا التيار في التشكل بتدرج، وقد اعتمد في ذلك على ما يعرف بالليالي التربوية والدروس العلمية والمحاضرات والندوات، وكانت اهتماماته في الغالب منصبة حول العقيدة الإسلامية واتباع النبي صلى الله عليه وسلم ونبذ التقليد والتحذير من البدع والخرافات ومحدثات الأمور، لذلك أصبح خصمه الرئيسي ممثلا في الطرق الصوفية والفقهاء المقلدين الذين يقتصرون على تدريس الفروع المالكية دون ربطها بالكتاب والسنة، وقد حدثت صولات وجولات بين الطرفين وأيام مشهودة من أشهرها محاضرة التيجانية والإيمان التي ألقاها الأستاذ أحمد الكوري في جامع السبخة واقتصر على ذكر كلام التيجانية ونسبته إلى كتبهم بالصفحة والمجلد، مما جعل بعض الحضور منهم يضيق ذرعا بذلك ويهاجم المحاضر بالقوة ليتدخل بعض الشباب السلفي ويحسم الموقف الميداني لصالحه بسرعة، ثم جاءت الشرطة واعتقلت المحاضر ليتم إطلاق سراحه بعد ذلك. ونظرا لحساسية المواضيع التي يتطرق لها التيار السلفي واحتياج من يطرقها لثقافة شرعية لا بأس بها، فقد ظهر ما يسمى بالتكفير بين صفوف بعض الشباب السلفي، الذين أصبح بعضهم يتبنى مواقف متشددة من المجتمع ولم يستمع لمشايخ التيار الذين وقفوا للتكفير بالمرصاد ونصحوا الشباب بالابتعاد عنه، لكن دون جدوى. وقد كانت الفتنة الداخلية التي حدثت داخل صفوف التيار السلفي عام 2000 م - وسميت بفتنة العذر بالجهل - بداية لانشطار التيار السلفي إلى قسمين: قسم يعذر بالجهل ويفرق بين التكفير العام وتكفير المعين ويعتبر أن التكفير حكم قضائي لا بد فيه من تحقق الشروط وانتفاء الموانع وقسم آخر لا يرى العذر بالجهل، وقد كفّر قادة القسم الثاني القسمَ الأول وهجروهم وأصبحوا يعتبرونهم أخطر من الكفار الأصليين... ولم يخرج التيار السلفي سالما من تلك الفتنة حتى جاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر لتنقل الاهتمامات إلى مجالات أخرى ستكون موضوعا للحلقات القادمة بحول الله. وأختم هذه الحلقة بقصة طريفة سمعتها من بعضهم وهي أن رجلا دخل حظيرة للغنم يريد حلب النعاج فبدأ بحلب الكباش أولا! فقيل له لم تفعل ذلك؟! فقال أريد أن تعلم النعاج أني قادم! وإلى الحلقة القادمة بحول الله .
نقلا عن صفحة المهندس / طارق سيدي محمد آب .