كيف تعهد بلاغات "منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال مكافحة الفساد " النيابة العامة في قضية المتهم فيها، بحسب ما نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، رئيس الجمهورية !
بل بحسب رئيس الجمهورية نفسه، حين نفى نفيا قاطعا صحة تلك الاتهامات في تصريحه للصحافة إثر زيارته لمقر حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بتاريخ : 7 مارس 2019، معتبرا أن :" ...الزمن كفيل بإثبات زيفها..."؛
وبحسب النيابة أيضا؛ لأنه ورغم ورود أسماء شخصيات أخرى في القضية، اكتفت النيابة بالاستماع للموقوفين، وبالتعاون القضائي، تقديرا منها أن الأمر متعلق بشخص الرئيس تحديدا.
هل هي النيابة التي حفظت، بحجة عدم الاختصاص، شكاية مضارين من استخدام تصريحات علنية لوزير اعتبروها خطابا للكراهية موجها ضدهم أو ضد فئتهم؟
كيف كان سيكون موقف النيابة العامة لو جاءت نتيجة التعاون القضائي ايجابية؟
وما الخطوات اللاحقة التي كانت ستباشرها في تلك الحالة؟
هل كانت لتتهم رئيس الجمهورية كما فعلت ذات زمان مع وزير أول، اتهمت عن أعمال أداها حين ممارسته لمهامه، وهي التي حفظت مؤخرا الشكاية ضد وزير يستمد حصانته من عمله ضمن حكومة وزير أول رئيس الجمهورية هو من عينه.
عموما رئيس الجمهورية لا يتهم إلا : "... من طرف الجمعية الوطنية التي تبت بتصويت متطابق عن طريق الاقتراع العلني وبالأغلبية المطلقة لأعضائها." (المادة 93/ د20 يوليو، المعدل،)
و"...تحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية"
وما يعرض من تهم على هذه المحكمة يمتنع على النيابة أي دور في التحقيق فيه إذ :" تقوم بأعمال التحقيق لجنة تتكون من ثلاثة قضاة وقاضيين خلفين تختارهم كل سنة الجمعية العامة للمحكمة العليا من بين قضاتها الجالسين في اجتماع لا يحضره أعضاء النيابة العامة.
وبنفس الطريقة يختار رئيس لجنة التحقيق من بين القضاة..." (المادة 13 من القانون النظامي رقم 2008-021 الصادر بتاريخ 30 أبريل 2008، المتعلق بمحكمة العدل السامية).
أصل التهمة (رواية ونقل اتهام لرئيس الجمهورية بقضية فساد مالي) -ظهر بفضل التعاون القضائي الدولي أنه اتهام باطل –
قضايا مرتبة –لو صح الاتهام بها -لإثارة تهمة الخيانة العظمى؛ الأساس الوحيد الذي يحاكم عليه رئيس الجمهورية، والتي تتم محاكمته عليها بمعرفة الجهات المعنية التالية :
- الاتهام : الجمعية الوطنية
- التحقيق : اللجنة المحددة في المادة 13 آنفة الذكر
- المحاكمة : محكمة العدل السامية
- الادعاء : المدعي العام لدى المحكمة العليا يساعده نائبه الأول (م14/ق:2008-021)
- كتابة الضبط : رئيس كتابه الضبط بالمحكمة العليا (م/15/ق:2008-021)
والحالة هذه ليس لمنظمات المجتمع المدني ولا للنيابة العامة دور في الموضوع إذا.
قذف رئيس الجمهورية لم يعد معاقبا منذ الغي القانون رقم 200-054 الصادر بتاريخ 24 نوفمبر المعدل لبعض أحكام الأمر القانوني رقم 2006 -017 بتاريخ 12 يوليو 2006، المعدل، حول حرية الصحافة، المادة 35 التي كانت تعاقب عليه.
بخلاف القذف، يعاقب القانون السب والتجريح ضد الرئيس، لكن (المادة 52 من الأمر القانوني رقم 2006 -017 بتاريخ 12 يوليو2006، المعدل، حول حرية الصحافة) التي تنص على ذلك تشترط للمتابعة، أن يكون الرئيس من يقدم طلب متابعة القائمين بذلك، وأن يوجه طلبه ذلك لوزارة العدل، وليس للنيابة :" السب أو التجريح أو القذف ضد رئيس الدولة، أو رئيس الحكومة، تتم المتابعة، بطلب من المعني موجه لوزارة العدل".
وإذا ولأن الموضوع لا يخرج عن أحد الأمرين : اتهام رئيس الجمهورية أو تجريحه، فليس لجمعيات المجتمع المدني أن تمارس ما منحها قانون خاص بما يخالف النص الصريح والحصري للدستور. ونفس الشيء بالنسبة للنيابة العامة، اللهم إذا كان رئيس الجمهورية قد طلب عن طريق وزارة العدل متابعة "الموقوفين " على أساس أن الخبر الذي تم تناقله يمثل تجريحا بالنسبة لشخصه الكريم.
اتهام الرئيس ليس سهلا، ونادرا ما أتى بنتيجة، لكن لا أصعب منه ولا أقل نتيجة ترتجى إلا اتهام الذين يتهمونه على وسائل التواصل الاجتماعي أو ينقلون ما يتناقل عنه بذلك الخصوص.
لذلك وجب وقف التوقيف؛ ليس فقط لأنه توقيفي، وفى ذلك ما يجعل هذا التوقيف يمثل خرقا للقانون، لكنه أكثر من ذلك لن يعود بفائدة تذكر على أي كان، إضافة لضرره البالغ على المتاح من أمن قضائي لم يحتمل النقصان.
نقلا عن صفحة الاستاذ الدكتور المحام / يعقوب ولد السيف