قبل قرن من الآن، منذ 100 سنة بالتمام والكمال، أي في سنة 1917، كان الشيخ سيديّ بابه يستقبل في مدينته أول أسقف كاتوليكي يزور هذه البلاد. في تلك السنة، بعث الشيخ سيديّ بابه أحد أبنائه وستة من تلامذته إلى الضفة اليمنى لاستقبال الأسقف الفرنسي ياسينت جوزيف جلابير Hyacinthe-Joseph Jalabert رئيس كنيسة السينيغامبيا. بعد رحلة دامت 8 أيام، وصل الضيف إلى مدينة بتلميت. كان في استقباله الشيخ سيديّ وقائد الدائرة النقيب سكريستان Segrestan. خصص الشيخ استقبالا حارا لضيفه المسيحي. عند الساعة العاشرة من صباح اليوم الموالي، كان الأسقف، محاطا بوفده، قد وصل خيمة الشيخ. سأله الشيخ عن صحة وحال البابا بنادكت الخامس عشر، وطلب منه أن يبلغه تحياته عندما يكتب إليه. سأله عن أشياء كثيرة من ضمنها الجهة التي يولون وجوههم شطرها عند الصلاة، ومدى إيمانهم بالنار واليوم الآخر، وما إذا كانت توجد في معتقداتهم كرامات وخوارق. في خضم الأسئلة والأجوبة المتبادلة، حدثه الشيخ سيديّ عن كتاب من العهد القديم يوجد في مكتبته، وعن فحوى إنجيل كان يتصفحه في تلك الأثناء (علما بأن الشيخ سيديّ يحوز إنجيلا اقتناه منذ عدة سنوات). دار النقاش بين الرجلين حول دواعي التقارب بين الإسلام والمسيحية، وأهمية السلام في العالم. طلب الشيخ سيديّ بابه من الأسقف أن يهديه نسخة جديدة من الإنجيل لأن أوراق كتابه بدأت تتمزق، فتعهد له أنه فور عودته إلى دكار سيبعث له بإنجيل جيد الطباعة. عندما انتهت الجلسة، أهداه الأسقف وسادة مرصعة كتب عليها: "من أسقف السينغال إلى الزعيم العظيم النبيل الشيخ سيديّ"، كما أهداه قلما وصورة منه في ثياب كنسية كتب في أسفلها: "أيها الزعيم العظيم النبيل، خادم الرب العلي القدير، تقبل هذه الهدية المتواضعة التي تشهد على عرفاني لكم بالجميل، ولنوحد دعواتنا من أجل السلام"، وفي المقابل أهداه الشيخ سيديّ محفظة تقليدية مزركشة (تاسوفره) وأدوات من الصناعة التقليدية ورسالة مكتوبة بخط يده بخصوص أهمية التلاقي الديني.
هكذا إذن تكشف وثائق الدولة الفرنسية أن حوار الأديان والحضارات، الذي يقوده اليوم علماء مسلمون وأساقفة مسيحيون، من أمثال العلامة الشيخ عبد الله ولد بيّه والأسقف دونالك ماكويد، كان العلامة الشيخ سيديّ بابه والأسقف جلابير قد وضعا أسسه واستوعبا أهميته قبل قرن من الآن.