مؤسسة الموريتاني للنشر والتوزيع تصدر الطبعة الثالثة من كتاب "المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي" للمفكر الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي صدرت عن مؤسسة الموريتاني للنشر والتوزيع الطبعة الثالثة من كتاب "المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي"؛ لمؤلفه المفكر الإماراتي الكبير على محمد الشرفاء الحمادي. وتندرج الطبعة الجديدة في إطار جهود المؤسسة التي تتبنى نشر الدعوة للعودة للخطاب الإلهي والفكر الوسطي الذي يجسد رسالة الإسلام السمحة الناصعة. وشدد الأستاذ حي معاوية حسن المدير العام للمؤسسة في مقدمة الكتاب على ضرورة العودة للإسلام النقي الذي يقدم الكتاب صورته الحقة في أبهى تجلياته. يبسط الكتاب الحديث عللى الواقع العربي والإسلامي الأليم وخطورة الصراعات الدموية التي تهدد كيان المنطقة بسبب الخطأ في فهم الخطاب الإلهي الموجه للبشر بصفة عامة، وللمسلمين عبر القرآن بصفة خاصة. وجاءت صرخة المؤلف لتحذر الجميع من سفك شلالات الدماء باسم الدين. خاصة أن الصراعات المسلحة في العالم العربي والإسلامي باتت تهدد سلامة ووحدة بعض الأقطار العربية، علاوة على الصراع السني الشيعي بوصفه قضية تؤرق الجميع، وتلقي بظلالها على الواقع الرهن مما يهدد وحدة ومستقبل العالم الإسلامي بأسره. ودعا المؤلف والمفكر الكبير إلى ضروة رأب الصدع الناجم عن الخروج عن تعاليم القرآن وصحيح السنة النبوية المطهرة التي تتطابق مع النص القرآني، وذلك عبر طرح بعض المفاهيم المهمة حتى يتجه الدعاة نحو بث خطاب ديني يتفق مع المنهج الإلهي الذي يحثنا على الوحدة والتعايش السلمي، والأخوة في الله. وقد صنف المفكر الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي الخطاب الدعوي إلى قسمين؛ الأول أسماه الخطاب الديني ويُقصد به كل النصوص التي أضيفت للسرديات المقدسة الأصلية أو التراث الديني المتراكم منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى اليوم، وخاصة أن هذه الإضافات من المحتمل أن يحتوي بعضها على خلفيات خاطئة، أو الدس عبر مغرضين. ومن ثم ظهرت فتاوى التعصب والعنف بعيدًا عن فقه الواقع، وبالتالي يحتاج الأمر إلى فتح حوار متخصص للوصول إلى جادة الصواب؛ شريطة إبعاد كل المغرضين أو أعداء الدين عن هذا الحوار، لضمان نتائج محايدة. أما الخطاب الآخر، وهو الخطاب الإلهي فيقصد به ما ورد في القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن ثم تتطلب الضرورة اعتماد الخطاب الإلهي لأنه الفيصل في تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة التي تهدد المسلمين بالفناء نتيجة الفرقة والتناحر بين بعضهم البعض. وبين المفكر الكبير أن خطاب الكراهية يهدد السلم في ربوع الأمة؛ وتكمن الخطورة في قيام البعض بالتأثير على قناعات بعض المسلمين مما تسبب في تمزيقهم إلى فرق، وأشياع، وأحزاب بعضهم يكفر بعض، أو يسفك دم البعض، حيث يحذر المؤلف من خطورة دس بعض الإسرائيليات، أو بعض الأحاديث الموضوعة، وهذا يتطلب مراجعة دقيقة للتراث الإسلامي الموضوع من قبل البشر. وفي هذا السياق يقول المفكر الكبير "لقد استطاع بعض من تصدى للدعوة الإسلامية ومعهم من يسمون رواة الحديث إغراق العقول بروايات تستنزف طاقة المسلمين في صراع سياسي ومذهبي خلق حواجز نفسية داخل المجتمع الواحد، وأدى إلى إنشطار خطاب الكراهية؛ مما يهدد السلم الاجتماعي". ويتجلى الواقع العملي في الإنقسام داخل المعسكر السني نفسه إلى فرق كثيرة. ويستطرد المؤلف متحدثا عن الفرق قائلا: "لقد ظهر اسم السنة في منتصف العصر العباسي، حيث نشأت المذاهب السنية المتعددة منها الأشاعرة، الحنفية، والمالكية، والحنابلة، والشافعية، وغيرها، وتقرر تثبيت المذاهب الأربعة في عصر الظاهر بيبرس أثناء حكمه لمصر للتعبد بها رسميا، واتباعها كأساس للنظام الاجتماعي في العبادات، والمعاملات، والتقاضي، وتعددت المدارس المنبثقة عن هذه المذاهب، بيد أن المشكلة تكمن في أن بعض المدارس اتخذت التكفير عقيدة، والقتل قضاءً، والحقد شعارًا، وخطاب الكراهية سلوكًا". وقد جاء من الفرس من نشر على لسان بعض الصحابة ما يفرق المسلمين، ولذا ترتب على الإسرائيليات وغيرها مشاكل طائفية، ولذا برزت طوائف متعددة في كافة الفرق الإسلامية، وقد اعتمد علماء المجوس على الظلم الذي لحق بالحسين في كربلاء لبناء طائفة جديدة، وظهر الشيعة كتيار على الطرف المقابل للسنة. وأدى الخلاف السياسي منذ استشهاد الحسين نوعًا من العداء بين طرفي الأمة الإسلامية، لدرجة أن من الطائفتين بعد ذلك اعتمدوا في عقائدهم على روايات ضالة، وآمنوا بمرجعيات متناقضة، وتبنوا أراءهم دون تمحيص وتدقيق، فانفجر الصراع السني الشيعي، ونجم عن هذا الصراع خسائر هائلة عبر التاريخ الإسلامي وحتى اليوم. وتسببت الحركات المتطرفة في تشويه صورة الإسلام في الخارج وهذا يقودنا إلى القول بأن مناهج التطرف منحت اليمين المتعصب في الغرب الفرصة لإقناع شرائح كثيرة بالإنضمام إليه في مواجهة المسلمين في صراع قائم على الهوية، وسواء كان ذلك بدون قصد، أو بجهل فإن النتائج واحدة، وهي حجب الوجه الحضاري للدين الإسلامي وتصدير مفاهيم عكسية عن صورة الفرد المسلم، فكما قام بعض الخبثاء في الماضي بدس الكثير من النصوص المغلوطة، يسهم المتطرفون اليوم في نشر نفس الأفكار التي ولدت من رحم المكيدة بالأمس البعيد. ويتحدث المؤلف عن القصور في فهم الخطاب الديني: حيث يعتبر الخطاب الديني عند الفقهاء التقليديين مقصورًا على أركان الإسلام الخمسة، والمتمثلة في النطق بالشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وعندما نسي معظم الدعاة شق المعاملات في التجارة، والصناعة، والزراعة، والعلم وغيرها؛ تخلفت الأمة الإسلامية، ومن ثِّم أصاب الوهن بلادنا. ويضيف المفكر الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي: لقد أهمل الدعاة البرامج الاجتماعية والتربوية، وكل ما يتعلق ببناء وصناعة الإنسان؛ فبرز في أحايين كثيرة الفرد المسلم الذي يعاني من انفصام في الشخصية، وتصدعت قيم العدل، والرحمة، والتعاون، وأهملت معظم الفرق المتناحرة تعليمات القرآن التي تحث على التفكير والتعلم، والبناء والتنمية، لصالح خطاب الطائفية والصراع. وعلى مستوى الأسرة رغم أن الإسلام كرم الزوجة لأنها عماد المجتمع، وأقر حقوقها المادية والمعنوية، والاجتماعية، ولكن الواقع يشير إلى نتائج عكسية؛ حيث تم الجور على حقها في الميراث، واختيار الزوج، وغيرها، وكل ذلك يتعارض مع النص القرآني، والسنة النبوية الصحيحة المطهرة، وفي مجال الطفولة يدلنا الواقع المؤلم على أن انتهاك حق اليتيم أصبح سلوكًا منتشرا. وعلى المستوى الاجتماعي غاب مفهوم الإحسان عن سلوكات المسلم كمفهوم يتسع ليشمل صلة الرحم، وحقوق الجار، والأمانة، وانتشرت التصرفات السلبية كالظلم، والكذب، وشهادة الزور، والتجسس، والغيبة والنميمة، وغيرها، ومن اللافت للنظر أن النص القرآني قد نهى عن كل الصفات الذميمة، وحثنا على كل الصفات الحميدة، ولذلك أرجع الكاتب مشاكل العالم الإسلامي إلى قيام المسلمين بهجر القرآن سلوكًا وعملاً، فقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قرآنا يمشي على الأرض. ويرى المفكر الشرفاء أن مشكلة المسلمين تتطلب تصحيح النص المنقول عن البشر، بيد أن المشكلة في أن هناك من يفهم لفظ تجديد الخطاب الديني على غير المراد منه، فالبعض يفسر الجملة السابقة على أن هناك من يريد تغيير تعليمات القرآن، وقد نشأ هذا الظن لأن أعداء الدين من اللادينيين يتصدرون المشهد لأهداف غير نبيلة، ولذا يجب تصدير مفهوم التصحيح للمفاهيم الخاطئة عبر المتخصصين في المؤسسات الدينية الرصينة. ويدعو المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي في الكتاب إلى سيادة الخطاب الإلهي، وتنقية الثرات من الشوائب التي وضعها البشر، وإعلاء الوعي لدى المسلمين من متطلبات التدين الصحيح. ويخلص للقول إن ذلك أهم عوامل النهضة الشاملة، وهو بوابة القضاء على التطرف الذي يهدد وجود العرب والمسلمين على خريطة العالم.