ظل التعايش قائما بين البظان والزنوج إلا أن عنصر البولار ظل يعمل بأجندة أحادية تجنح حسب البعض إلى الانفصال.
في سنة 1957 دعت جماعات من البولار إلى الوحدة بين ضفتي نهر السنيغال فيما يعرف بوحدة فوتا، وأسس انجاور صار وبا مامادو صامبولى وصال ما مادو كليدور التكتل الديمقراطي في غورغول بعد الانشقاق عن حزب الاتحاد التقدمي.
حين أسس الزعيم أحمدو ولد حرمه حزب الوفاق 1957 رفض البولار الالتحاق به و أسس انجاور صار في مدينة داكار سنة 1957 اتحاد " المنحدرون من ضفة النهر".
وفي سنة 1963 انسحب الطلاب الزنوج من الاتحاد الوطني لطلاب الجمهورية الإسلامية الموريتانية الذي تأسس 1960 وأسسوا رابطة الطلاب والمتدربين الموريتانيين.
في سنة 1964 اجتمع المثقفون البولار من السنغال و موريتانيا في مدينة امبان بموريتانيا ليقرروا اختيار كتابة البولارية بالحرف اللاتيني بدل الحرف العربي.
فى 4 يناير 1965 بدأ جميع التلاميذ الزنوج فى نواكشوط وروصو إضرابا ضد إلزام تعليم اللغة العربية فى التعليم الثانوي وفى يوم 6 يناير، وزع منشور مطول تحت عنوان "بيان التسعة عشر" أعلن فيه 19 موظفا ساميا كلهم من منطقة النهر أنهم يساندون إضراب التلاميذ الزنوج من أجل سد الطريق أمام التعريب القسري ومن أجل فرض تعديل قوانين 30 يناير 1965 لأن الازدواجية ليست سوى خدعة لإقصاء المواطنين السود حسب قولهم.
وفى اليوم نفسه امتد إضراب التلاميذ السود إلى كيهيدى، وحدثت صدامات عرقية كادت تعصف بالوحدة الوطنية.
تركت محاولة فرض التعريب انعكاسات خطيرة في الجانب الآخر، إذ دفعت التيارات الزنجية للإحساس بأن ثمة خطرا اسمه التعريب يتهددها لأنه وبفرض هذا التعريب القسري سيهدد الثقافة الغربية التي يقوم عليها المجتمع الزنجي وهي الأطروحة التي شجعتها فرنسا.
في 16 مارس 1983 انعقد المؤتمر التأسيسي لقوات التحرير الإفريقية في موريتانيا "افلام"، بعد اندماج أربع حركات تدافع عن قومية الزنوج هي "اتحاد الديمقراطييين الموريتانيين" (UDM) و"الحركة الشعبية الإفريقية لموريتانيا" (MPAM) و"منظمة الدفاع عن مصالح الزنوج الأفارقة في موريتانيا (ODINAM) إضافة إلى "حركة الطلاب والتلاميذ الزنوج" (MEEN)، وهي منظمات زنجية تخرج أغلب قادتها من رابطات ثقافية ظلت تنشط منذ بداية السبعينات.
جبهة تحرير الأفارقة في موريتانيا التي يشار لها عادة بالأحرف اللاتينية الأولى من اسمها بالفرنسية FLAM، أعلن عنها في اجتماع تأسيسي في منزل أبو بكر خاليدو با في نواكشوط، والكائن بحي " لـ - Ilot L "
انعقد الاجتماع التأسيسي بحضور عشرين شخصا منهم الأكاديمي الراحل صيدو كان و صار إبراهيما مختار وصمبا اتيام وجبريل حمت لي، وتم خلال هذا الاجتماع انتخاب مكتب من عشرة أشخاص، هم جبريل حمت لي الذي انتخب يومها رئيسا للحركة، إضافة إلى أمين عام ومكلف بالتنظيم ومسؤول للمالية ومسؤول سياسي ومسؤول للدعاية وآخرين. وقد بقي حمت لي رئيسا إلى أن أعيد انتخابه في المؤتمر الثاني عام 1985 قبل أن تبدأ الاعتقالات عام 1986.
وطبقا للمنشور الذي أعلن ولادة الجبهة، والذي جرى توزيعه في نواكشوط، فإن هنالك عدة ظروف تدعو الى قيام هذه الجبهة منها زعمهم أن السلطات تمارس اضطهادا للزنوج، وتحرمهم من حقوقهم الأساسية، وأن هنالك توزيعا غير عادل في الوظائف، حيث يحتكر العرب النسبة الأكبر والأهم منها، وأن الحكومة الحالية –أي حكومة ولد الطايع- وهي حكومة عربية خالصة وليس هناك أي تمثيل مهم للزنوج فيها. وفي الجانب الاقتصادي فإن وضعية الزنوج سيئة وأن التجار العرب يحتكرون كل شيء: القروض المصرفية، الاستثمارات المهمة، والأخطر من كل ذلك يزعم المنشور الذي تجاوزت صفحاته الأربعين، انتقال العرب الى الأراضي الزراعية على ضفة النهر وسلب الزنوج لأراضيهم.
نشطت الحركة في نواكشوط بين تفرغ زينه و"مدينه 3" و"سوكوجيم بي أس" والميناء والسبخة ولكصر، و ركزت الحركة خلال السنوات الأولى على إرساء قواعدها وإصدار وثائقها والتوسع في اكتتاب العناصر وتشكيل الخلايا على مستوى نواكشوط والمدن الداخلية خاصة كيهيدي وبوغي وسيلبابي ونواذيبو وتجكجه، وركزت في اكتتاب عناصرها على الزنوج فقط "لأسباب أمنية".
وقد أصدرت الحركة عند إنشائها وثيقة أسمتها وثيقة "البرنامج" وهي وثيقة داخلية تحدد ملامح المشروع السياسي للحركة، وفي عام 1986 وفي الذكرى العشرين لصدور رسالة الـ19 التي نددت في فيراير سنة 1966 بما سمته مظاهر التمييز الصارخ الذي كان يتعرض له الأطر الموريتانيون الزنوج، وزعت حركة أفلام في إبريل سنة 1986 منشور "إعلان الزنجي الموريتاني المضطهد"، وهومنشور استغرق إعداده ستة أشهر وقد كلفت به لجنة تولت جمع المعلومات فيما تولى تحريره إبراهيما آبو صال، وهو أستاذ جامعي لمادة التاريخ ويعيش في فرنسا، وتولى صحفي عضو في الحركة توزيع المنشور في مؤتمر هراري بزيمبابموى، وكان للمنشور صدى واسعا في الساحة السياسية الموريتانية.
بدأت حملة اعتقالات واسعة في صفوف الزنوج بعد إصدار المنشور، وحين اقترح وزير الداخلية الضابط الزنجي العقيد آن آمادو بابا لي أن تحل القضية بالحوار بدل القمع أقاله ولد الطايع في الحادي والثلاثين من أغسطس 1986 وكلف المقدم جبريل ولد عبد الله بالداخلية ولم يتأخر المقدم ولد عبد الله في مباشرة مهمته الجديدة، حيث بدأ في الرابع من سبتمبر أي بعد أربعة أيام من تعيينه حملة اعتقالات طالت العشرات من قيادات "ثورة المثقفين الزنوج" بتهم عقد اجتماعات غير مرخصة وتوزيع منشورات تمس الوحدة الوطنية والتمالئ مع الخارج.
استهدفت الاعتقالات حوالي ثلاثين من قيادات افلام، بينما قامت القيادات التي نجت من الاعتقال بمحاولة تنظيم ردة فعل لإعطاء النظام فكرة عن مدى قوتها. ومن بين أبرز المعتقلين المؤرخ واللغوي با عمر، والوزيرين السابقين ديغو تبسيرو ولي مامادو، والنائب السابق با عبد العزيز، والكاتب تن يوسف كي، والصحفي آمادو مختار صار، والأستاذين صال إبراهيما وصار آبدولاي، والباحث صيدو كان.
وستعرف مدن مثل نواكشوط وانواذيبو وكيهيدي خلال شهر سبتمبر وبداية أكتوبر، احتجاجات مكثفة تميزت أحيانا بالعنف الموجه ليس ضد المصالح العمومية فحسب، بل ضد المواطنين المدنيين وممتلكاتهم. وستؤدي تلك الاحتجاجات الأولى من نوعها في البلاد–والتي وصفتها السلطة بالإرهابية- إلى إحراق عدد من سيارات الموظفين ومحطة للتزود بالمحروقات وسوق ومصنع، قبل أن يعلن مدير الأمن النقيب اعل ولد محمد فال يوم 13 أكتوبر عن "السيطرة على المنظمة السرية" وعن رفض السلطات "السماح للإرهاب بالوجود في موريتانيا سواء كان مصدره داخليا أو خارجيا".
واعتبر الرئيس ولد الطايع في مقابلة له مع مجلة "جون آفريك" بتاريخ 14 سبتمبر 1986 أن الأمر يتعلق "بعناصر هدامة تسعى لجر البلاد إلى حرب أهلية.. عناصر حاولوا إغراق البلاد في الدماء معرضين وحدة الشعب للخطر".
تمت محاكمة المتهمين في قضية منشور "صرخة الزنجي المضطهد" وصدرت أحكام بالسجن على 27 منهم تراوحت بين 6 أشهر وخمس سنوات، وأطلق الأمن الموريتاني سراح خلية أفلام بعد عدة تحقيقات، لكنه اكتتب أحد قادتها عميلا سريا للأمن بين خلايا الانقلابيين المفترضين، ويتهم بعض الانقلابيين ضابطا من الدرك يعمل خارج نواكشوط، ويتهم آخرون ضابطا من البحرية بالوشاية بهم من خلال مكتب الدراسات والتوثيق (المخابرات العامة) أو وزارة الداخلية. لكن الفرضية الأكثر منطقية تتمثل في اتهام ضابط صف من الدرك يعمل بسرية الأمن الرئاسي، بالوشاية بالمعنيين عن طريق الرائد مدير الديوان العسكري الذي قيل إنه قدم المعني مباشرة لرئيس اللجنة العسكرية للخلاص الوطني من أجل إحباط المخطط عبر الشروع في اعتقال المدبرين.
توزعت مراقبة الخلية بين المخابرات العسكرية، وجهاز أمن الدولة التابع لإدارة الأمن الوطني، وكان مركز المعلومات هو ولد الطائع نفسه.
قام العسكريون الزنوج بتنظيم أنفسهم داخل الجيش، وخرجوا عن الصمت وبدأوا يتحدثون عن الوضعية التي تعيشها قوميتهم، وعن حملة الاعتقالات وعما يعيشونه هم أنفسهم من تهميش داخل الجيش، فمن النادر أن يتجاوز الزنجي رتبة نقيب، وأصبح اكتتاب الزنوج يتم بنسب ضئيلة وتضاعفت العراقيل أمام ترقيتهم ومنعوا من الحصول على التدريبات. كما تم إدخال العربية سنة 1987 كمادة إجبارية في امتحان الحصول على رتبة نقيب وهو ما اعتبروه استهدافا لهم، وبدأ الجناح العسكري كما يسمى بالتخطيط للانقلاب لإعادة التوازنات العرقية المفقودة حسب رأيه، تعود البداية إلى سنة 1985حيث قام 6 ضباط هم: صار أمادو، وبا سيدي، وسي سايدو، و با عبد القدوس، ودياكو عبد الكريم، وبوي ألاسان هارونا بتأسيس منظمة عسكرية سرية.
في نهاية 1986 وبداية 1987 بدأ الضباط الستة في طرح التصورات وجمع العناصر، وكان الملازم صار أمادو هو الزعيم، والمنعش والمنسق، لتضم التشكيلة مفوضي شرطة ونقيبين، و11 ملازما، اثنان منهم من الدرك الوطني، و21 ضابط صف يضمون خمسة دركيين و2 من الحرس الوطني.
وصلت ولد الطائع معلومات من المخابرات العسكرية صباح الأربعاء 21 أكتوبر 1987، أن المخطط الانقلابي قيد التنفيذ، خلال يومين وبالتحديد فى عطلة الاسبوع التي هي السبت والأحد، أعلنت السلطات عن اكتشاف واحدة من أخطر المحاولات الانقلابية التي عرفتها البلاد، وتم اعتقال مجموعة من الضباط الزنوج الذين كانوا يخططون لانقلاب دموي يتم فيه التخلص من الرئيس معاوية ولد سيدي احمد الطايع وأعضاء اللجنة العسكرية وحتى الزعماء السياسيين ورجال الأعمال من العرب (البيضان) في خطة دقيقة يشارك فيها مجموعة من الضباط الذين يحتلون مواقع حساسة في الحرس الرئاسي وقيادة الجيش، وكانت خطتهم تقضي بإطلاق النار على الرئيس ولد الطايع ومودعيه بالمطار، إذ كان من المتوقع أن يسافر في اليوم نفسه، ولو قدر لذلك الانقلاب أن ينجح لدخلت البلاد في دوامة لن تعرف لها نهاية.
كان الانقلاب أبرز محطة في الصراع، وقد كشف عن الأوراق التي تسلح بها الانفصاليون الزنوج وكان ميدان عرض كل ذلك في المحاكمة الشهيرة لمدبري المحاولة الانقلابية.
أمرت إدارة الأمن بمراقبة الوضع، وتم رصد العناصر المتهمة واحدا تلو الأخر، كان أول المعتقلين هو العسكري "سي بوباكر" وهو ضابط في البحرية الموريتانية ، يعمل داخل الرئاسة الموريتانية ،اعتقل ضحوة الأربعاء كانت إدارة الأمن الموريتاني نفس اليوم، تراقب عن بعد أحد المنازل في تفرغ زينه، وهو المنزل الكائن قرب الملعب الأولمبي، أكثر من مئة وعشرين من العسكريين الزنوج سيكونون هناك خلال دقائق أي منصف يوم الأربعاء، لوضع للمسات الأخيرة علي المخطط الانقلابي، كانت الأوامر قد صدرت للشرطة باعتقال من يدخل المنزل كائنا من كان، توجه مفوض الشرطة "لي مامادو" العائد نفس اليوم من الحوض الغربي الي المنزل لحضور الاجتماع كما كان مقررا، وعند باب المنزل ،تم اعتقاله ، ليكون ثاني الأشخاص المعتقلين ذالك اليوم، وهنا تأكد الأمن الموريتاني ، من تلك المعلومات ، وبعدها مباشرة بدأ الجيش في اعتقال أفراده واحدا تلو الأخر أسفرت الاعتقالات، بين الأربعاء، والجمعة عن اعتقال حوالي أربعين عسكريا، كان أخر من اعتقل هو جوب جبريل أحد المفوضين الرئيسيين في إدارة الأمن الموريتاني، اعتقل في مطار انواكشوط قادما من السنغال وغامبيا ، حيث أقر في التحقيقات أنه كان في مهمة لجمع التمويل اللازم للانقلاب.
ذهل العاملون في إدارة الأمن، من وجود اسم" جوب" داخل الانقلابين المفترضين ، وهو أحد الأمنين الأكفاء ممن يحظون باحترام كبير داخل المؤسسة الأمنية، رفض الكثيرون استجوابه مباشرة، وطلب منه كتابة المعلومات، والرد علي التهم، رفض بادئ الأمر وطلب مقابلة مدير أمن الدولة دادهي ولد عبد الله وهو ما رفضه الأخير، اكتملت الاعتقالات فجر الجمعة ليبدأ التحقيق مع الجميع في أماكن مختلفة، فالمدنيون والشرطة استجوبتهم إدارة الأمن، أما الضباط فاستجوبتهم قوة من الجيش. وستتواصل الاعتقالات لعدة أيام لتطال وزير الداخلية الأسبق العقيد آن آمادو بابا لي، بعد الحصول على اعترافات تشير إلى أن الانقلابيين متفقون على تعيينه رئيسا للدولة.
وبعد بحث وتحقيق وجد مخطط الانقلاب لدي عسكري مساعد أول في الجيش يدعى سي، اقتضت خطة الانقلاب ان يتم تغيير الحراسات في الليلة المقررة للانقلاب بعناصر من التكرور موالين للانقلاب اعتقل جميع المتهمين وعددهم حوالي الأربعين باستثناء العسكري با عبد القدوس العقل المدبر لتغير الحراسات في جميع الثكنات ، والذي كان قد غادر الي الجزائر في دورة تدريبية قبل أن يعاد أثناء المحكمة الي موريتانيا.
وفي 22 أكتوبر 1987 أعلنت السلطات عن احباط مؤامرة تورط فيها عسكريون من الزنوج الأفارقة، تم استدعاء المتهمين إلى قياداتهم وإرسالهم إلى قيادة الأركان للمثول أمام لجنة تحقيق. وبعد اعتقال حوالي خمسين عسكريا، سيعلن المقدم جبريل ولد عبد الله، وزير الداخلية، مساء 28 أكتوبر 1987 عبر وسائل الإعلام الرسمية، اعتقال مجموعة من العسكريين كانت تخطط للانقلاب على السلطة.
لجنة التحقيق على مستوى قيادة الأركان قادها النقيبان محمد ولد الهادي ومحمد ولد مكت، وفي قاعدة اجريدة قاد التحقيق الرائد انجاغا دينغ والنقيب احمد ولد امبارك. ولم تدم التحقيقات أكثر من أسبوعين حصل خلالهما المحققون على ما يبحثون عنه من اعترافات، وفي 18 نوفمبر انطلقت المحاكمة في قاعدة اجريده برئاسة العقيد الشيخ ولد بيده الذي كان على معرفة تامة بالموقوفين، قبائلهم وتجمعاتهم السكنية، وحتى قرابتهم فيما بينهم، وكانت بعضوية النقيبين العربي ولد محمد محمود وبابي حسينو، وتمثلت التهم في "المساس بأمن الدولة وتخريب الممتلكات وتقتيل المواطنين"، وطالب النائب العام النقيب أحمد ولد بكرن بإعدام 11 متهما، مركزا مرافعته على البرهنة على وجود الانقلاب وعلى طابعه العنصري وعلى أن من خططوا له هم جناح عسكري لحركة "افلام".
يتواصل....
كامل الود.
نقلا عن صفحة الأستاذ / Sidi Mohamed .