كنت في المرحلة الحانوتية من حياتي (وبراءة الاختراع محفوظة للدكتور الشيخ ابن حرمه) وكان موسى الخبز قد ضل ضلالا قريبا، فعمدت – بانتظار العثور عليه- إلى آخر جديد من مواسي 108 مزخرف الجانبين كان قد أتحف به عمي صديق له فوضعه هذا في حقيبته إلى أن احتجت إليه فانتضيته وحمدت غناءه في تقطيع الخبز وتبديد الزبد في أرجائه وتثقيب العلب.
وفي إحدى الليالي كان معي بعض أصدقائي ثم انصرفوا وبقيت بمفردي، وكان لدى الجيران عرس فامتلأت ساحة عمومية تجاورني وإياهم بالفضوليين المتفرجين، وفجأة دخل شخص على عجل فانحنى ناظرا في حضن الميزان واختطف شيئا تبين لي بالتأمل أنه الموسى المذكور!
خرجت مستوضحا فإذا الشخص يصول ويجول بين الناس مسلحا بموساي، وكلما اتجه إلى ناحية فر مَن بها وربما أدرك أحدهم فطعنه، ودون تردد قصدته فاشتبكت معه محاولا انتزاع الموسى من يده واستمات في سبيل الاحتفاظ به إلى إن انحنى نصله إلى نصابه وفق مساره المرسوم فأحدث قطعا في إصبعيه سهل مهمتي فخلصت موساي وعدت به داميا فأتقنت غسله ووضعته ليجف وجلست أتصبب عرقا.
بعد ما استرحت وجف عرقي بقي سيلان في جنبي الأيسر استبعدت أن يكون عرقا فلمسته ثم نظرت يدي فوجدته الدم! دعوت جارة لي فخفت وابنتيها إلي وخلعن دراعتي وقميصي كما يفعل بالصبي فوجدن جرحا في أسفل الكتف بادرن بكفكفته بالوسائل المتاحة حتى رقأ فنظفن مجراه وانصرفن فاستبدلت ثيابي وبدأت أستجلي ما حدث.
شاب مغاربي سكران مر بالمتجمهرين فلاحظوا عدم توازنه فاستفزوه فاستخفه الشيطان (وناصيته بيده) وكان على يقين من وجود المواسي في جوار موازين المتاجر، ويبدو أنه أثناء اشتباكي معه طعنني - دون أن أشعر- طعنة مخلوجة (مائلة) لله الحمد.
وصلت الشرطة التي لا أدري كيف علمت، وحرص الآمر على حشر جميع المتشاجرين فلم يغادر منهم أحدا (ولله المثل الأعلى) وزاد عليهم فاصطحبني دون أن يشفع لي اتفاق الجميع على أني منقذ لا مشاجر، وبتنا في مخفر الشرطة، ولخفة جرمي سمح لي بالبقاء في المكتب والتجول في الفناء بينما أوصد الباب على الباقين.
في الصباح سمح لنا بمعالجة جراحنا (من جيوبنا) بمرافقة الشرطة وتحت حراستها، وكان اليوم الثاني الجمعة (عطلة) وفي الثالث لم ينجز الملف وفي الرابع أحلنا إلى وكيل الجمهورية الذي ودعني معتذرا عن المكافأة المقلوبة التي تلقيتها من الشرطة.
أتاحت لي هذه الحادثة الاطلاع على ليالي الشرطة الصاخبة لما تستضيفه مخافرها من منحرفين وسكارى مختلفي الجنسيات يقضون مضجعي بضجيجهم الأرعن، وفي البداية حسبتهم معتقلين وسرعان ما تبين لي أن الهدف لا يعدو تأمينهم حتى يستفيقوا؛ لذا يخلى سبيلهم في الصباح على أمل تجدد اللقاء بهم قريبا لإيقافهم ثم الإفراج عنهم.
تدور بين الشرطة دعابات من أسمج ما سمعت؛ من قبيل قول أحدهم لزميله: أنا تزوجت أمك! فيرد عليه: لا.. بل أنا من تزوج أمك! والاحترام بينهم حسب الرتبة لا السن، والأدنى منهم يبدأ خطاب الأعلى بحضرات واحترامات بصيغتي الجمع؛ ربما تعويضا عن نظرة الشارع إليهم، التي تخلو من الاحترام أصلا!
نقلا عن صفحة العميد / محمد سالم ابن جد .