في منتصف الثمانينات كنت أنا والوالدة عائشة مع الجد التاه (المختار بن حامدن) في المدينة المنورة، ومعنا أيضا خالتي توتو وأبناؤها الثلاثة، كانوا صغارا حينها، وكان محمدن هو أكبرهم، يليه المصطفي، ثم أحمد الذي كان رضيعا في ذلك الوقت..
أمضينا مع التاه فترة عذبة، تركت لديه انطباعات مختلفة عنا: عائشة المداومة على أشرطة الشيخ عبد الحميد كشك وغيره من الوعاظ، أو على أذكار طويلة وكثيرة..
أنا الذي أعرض على التاه كل يوم بعض شعري، وأحيانا أساجله..
توتو التي تحاول الضغط على ولدها الأكبر محمدن والسيطرة عليه..
ولدها الأوسط المصطفى الذي كان في صغره ألثغ يعاني من صعوبة في نطق الراء فكان ينطقها غينا، وكان كثيرا ما يأتي إلى التاه على عادة الصغار قائلا: "التاه أعطني غيالا" بدل "أعطني ريالا" فيقول له التاه: "لا حتى تنطق الراء نطقا صحيحا"، فيحاول مرات عديدة نطق الراء عبثا، حتى إذا مل أعطاه التاه ما يريد..
أحمد الرضيع الذي كان كثير البكاء كل ما خرجت أمه توتو إلى الصلاة..
فلما حزمنا حقائبنا للعودة إلى موريتانيا، وتحركت بنا السيارة باتجاه المطار، قال التاه الذي كان يراقب كل ذلك وهو يودعنا:
((حاولت كبت دموعي عندما ركبت
أم الحسين وأم المصطفى فأبت
وددت لو ثبتت سيارة مضتا
فيها فماثبتت وإنما وثبت
فقمت أتبعها طرفي ويحجبها
عني تباعدها حتى إذا احتجبت
فثبت للبيت علي إن ثبت به
يمحى عن القلب بث كان فيه ثبت
لكن عاطفة الآباء آبية
بت العزاء إذا ما فيه قرر بت
أقامتا مع أحفاد لنا معنا
جزاهما الله خيرا فترة عذبت
إذ كنت أسمع من تسجيل عائشة
وعظا يخيل أن الساعة اقتربت
وكنت أسمع منها كل آونة
ذكرا عليه بحمد الله قد دأبت
ومن قريض حسين كل قافية
بحسنها بيننا الأمثال قد ضربت
وضغط َ توت على محمد ومدى
تطبيق ما فيه أو ماعنه قد رغبت
كذاك أسمع روم المصطفى عبثا
كشف النقاب عن الراء التي انتقبت
وصوتَ أحمد يبكي كلما خرجت
إلى صلاة على الإنسان قد كتبت
قد لاقت النفس من هذا النوى أسفا
إن لم تكن فيه قد ذابت فقد كربت)).
....
استشعر ابن أخي التاه عبد الله بن امين بن حامدن ما لاقت نفس التاه من هذا الفراق فكتب تحت هذه القطعة:
((عسى الإله بجمع الشمل يرأب ما
ثآ فتسكن أفكار قد اضطربت)).
نقلا عن صفحة الشاعر المبدع العميد / الحسين بن محنض .