أسفرت نتائج إستفتاء 5 أغسطس التي تم الاعلان عنها قبل أيام من طرف اللجنة المستقلة للانتخابات عن عدة مفاجئات، بحسب المراقبين من أهمها إنخفاض نسبة مشاركة التصويت في العاصمة انواكشوط مقارنة بالإنتخابات الرئاسية الأخيرة في 2014 ، وإنخفاض نسبة التصويت لصالح خيارات الرئيس محمد ولد عبد العزيز في العاصمة السياسية للبلد، حيث يرتفع منسوب الوعي وتتراكم الإنجازات التي يستعرض النظام ويؤكد في كل مرة نجاعة مشروعه السياسي وخياراته التنموية من خلالها .
في العاصمة انواكشوط وفي العام 2014 تجاوزت نسبة المشاركة حاجز الـ55%، وكانت نسبة التصويت للرئيس محمد ولد عبد العزيز مرتفعة عكس ماحصل مع إستفتاء 2017، رغم أن الرئيس ولد عبد العزيز أطلق الحملة من العاصمة ونزل بثقله في المهرجان الختامي لتوجيه الناخبين، ، ورغم أن الرئيس عهد بإدارة حملة الإستفتاء في العاصمة انواكشوط لوزير إقتصاده وماليته تماما مثل ما حصل في 2014 مع وزير الإقتصاد الأسبق سيدي ولد التاه، إلا أن النتائج جائت متباينة وعكسها في الرئاسيات الأخيرة، فهل يتعلق الأمر بموقف شعبي من خيارات الرئيس محمد ولد عبد العزيز في العاصمة السياسية للجمهورية..؟ أم أن الأمر يتعلق بنجاعة تسيير وزير المالية الأسبق ولد التاه للحملة وعجز الوزير المختار ولد أجاي عن إدارة الحملة بالكفاءة التي تضمن تحقيق نتيجة مرتفعة.
إن المطلوب الآن هو البحث في مكامن الخلل ولماذا غابت المقارنة بين النتيجتين رغم أن الفارق الزمني لايسمح بحدوث هذا التراجع الكبير على مستوى شعبية الرئيس ولد عبد العزيز، والمقارنة وحدها قادرة على وضع النظام على بينة مما حصل في العاصمة انواكشوط وكيف سارت الامور إلى هذه النتيجة الهزيلة ؟
المقارنة :
جدول يظهر نسبة المشاركة والنتائج التي حصل عليها الرئيس ولد عبد العزيز في رئاسيات 2014، ويظهر نسبة المشاركة والنتائج التي حصل عليها إستفتاء 2017 بالنسبة للعاصمة انواكشوط
المقاطعة
النتائج ونسبة المشاركة في 2014
النتائج ونسبة المشاركة في 2017
تيارت
56.76%
9486 صوت
37.79
5866 صوت
تفرغ زينة
52.78%
9266 صوت
38.70%
6954 صوت
دار النعيم
52.63%
8787 صوت
31.98%
5246 صوت
لكصر
55.39%
9118 صوت
43.01%
6390 صوت
عرفات
55.73%
16340صوت
33.85%
8977 صوت
الميناء
57.85%
6861 صوت
34.55%
4502 صوت
السبخة
55.52%
3989 صوت
29.58%
2524 صوت
توجنين
53.34%
14689 صوت
38.25%
9780 صوت
الرياض
60.24%
11034 صوت
38.55%
5474 صوت
نسبة المشاركة
55.58%
36.02%
الفرق الشاسع الذي يظهر من خلال المقارنة بين الرئاسيات في 2014 وإستفتاء 5 أغسطس2017 في العاصمة انواكشوط، لايمكن فهمه إلا من خلال سياقين لاثالث لهما:
السياق الأول هو أن الناخب في العاصمة انواكشوط تعمد تأديب النظام على إختياره لرؤساء الحملة من وزراء تكنوقراط لاسوابق لمعظمهم في ممارسة العمل السياسي والإحتكاك بالشارع ولايوجد لهم وزن إنتخابي مهم .
والسياق الثاني أن الناخب في انواكشوط لايتقاطع مع خيارات النظام المتعلقة بالإصلاحات الدستورية وهو الأمر المستبعد بسبب قوة خطاب الرئيس ولد عبد العزيز وقدرته الشخصية على الحشد وعلى التأثير في الشارع.
نقص الخبرة :
يجمع المراقبون أن الجهد الذي بذل على مستوى حملة انواكشوط لم يكن على المستوى المطلوب، حيث يمتلك الرئيس ولد عبد العزيز قبولا كبيرا في احياء انواكشوط البسيطة وهي الخزان الإنتخابي الأهم في العاصمة، وهو الأمر الذي تظهره بجلاء المقارنة بين نتائج رئاسيات 2014 الأخيرة، ونتائج إستفتاء 5 أغسطس، وتظهر العجز الكبير للوزير المسؤول عن الحملة في العاصمة انواكشوط المختار ولد اجاي عن إستغلال هذا الزخم وهذا الخزان الإنتخابي، ويتحمل وحده وزير المالية مسؤولية ماحصل، حيث يعتبر مراقبون أن ضعف تكوينه السياسي وإنشغاله بالمقابلات الصحفية والخطب الحماسية والتي أوقعته في إستحضار الرئيس معاوية رغم أنه لم يكن من رجاله ولم يعمل في زمنه، هي التي قادت لهذه النتيجة وأفقدت النظام أكثر من 30.000 ألف صوت، هي الفرق بين إدارة الوزير الصامت سيدي ولد التاه ونجاحه في حشد مختلف قوى النظام وفاعليه وأنصاره في العاصمة انواكشوط وتوجيهها نحو التصويت لصالح خيارات النظام، وبين إدارة الوزير المخطار ولد اجاي والذي عجز عن إستغلال نجاحات النظام السياسية والإقتصادية والظرفية التي تمر بها المعارضة، وقاد الرئيس ولد عبد العزيز لما يشبه النكسة في العاصمة السياسية للبلد، وفي إستفتاء بالغ الأهمية وتتربص به الكثير من القوى المحلية والإقليمية .
إن النتيجة التي تحصل عليها النظام في العاصمة انواكشوط تظهر بجلاء الفرق بين رجل صامت يعمل في هدوء وبين رجل ثرثار يتكلم في كل شيئ ..تظهر الفرق بين منهجين دقيق وإرتجالي بين رجل دولة قوي وبين هاوي مبتدأ وتؤكد على ضرورة البحث والتساؤل في من يتحمل المسؤولية.
من يتحمل المسؤولية ..؟
لم تكن حملة إستفتاء 5أغسطس مجرد حملة لعرض حزمة من التعديلات الدستورية على الشعب لتمريرها عبر الاستفتاء، بل كانت حملة للرئيس محمد ولد عبد العزيز وظهر في مختلف ولايات البلاد عارضا المقترحات الدستورية مدافعا عنها ومتبنيا لها بقوة ومطالبا بالتصويت لها، وفي انواكشوط نظم مهرجانين وكان الواجهة الفعلية للحملة، وهنا يكون من غير المنطقي فهم النتائج التي حصل عليها الرئيس ولد عبد العزيز في العاصمة حيث أحياء البؤس التي تم تخطيطها وحيث ألاف القطع الأرضية التي تم إستصلاحها ومنحها للفقراء الذين مكثوا تحت أعرشة "الكزرات" عشرات السنين، وحيث مئات دكاكين أمل ومشاريع التضامن وفرص توظيف الشباب، ولايمكن فهم أن نظاما سياسيا يسير البلاد ويتحكم في مختلف الميكانيزمات التي توجه الشارع والناخب يتراجع في أقل من ثلاث سنوات بنسبة تتجاوز 30.000 صوت، إلا إذا تعلق الأمر بهجرة جماعية من النظام لطرف آخر وهو الأمر الذي لم يحدث، وتبقى أكثر القراءات قدرة على تفسير ماحصل هي القراءة التي ترجع الأمر لنوعية إختيار النظام لرئيس الحملة على مستوى العاصمة انواكشوط حيث لم يكن الرجل المناسب في المكان المناسب، ولم تنجح فنياته المالية وخبرته في التحصيل الضريبي في تحصيل نسبة مشاركة يحسن عليها الصمت، ولم ينجح حتى في المحافظة للنظام على النسبة التي حققها في آخر إستحقاقات في 2014 حيث كان سلفه الوزير سيدي ولد التاه يتولى تسيير الحملة على مستوى انواكشوط .