قال مفتي تنظيم القاعدة السابق، محفوظ ولد الوالد، المعرف بـ"أبي حفص الموريتاني" إن "معالجة ظاهرة الغلو والفكر المتطرف سواء لدى الجماعات، أو الأفراد بشكل عام أمر في غاية الأهمية، وينبغي أن يهتم به المسلمون قبل غيرهم، لأن المسلمين هم المتضرر الأكبر من هذه الظاهرة أولا، ومن مضاعفات الحلول المستوردة والمفروضة لمواجهتها ثانيا".
وأشار- في مقابلة خاصة مع "عربي21" - إلى أن "ظاهرة الغلو قديمة وموجودة في تاريخ المسلمين، والإسلام له رؤية واضحة في حلها وعلاجها، ولهذا يجب حينما نتصدى لهذه الظاهرة أن ننطلق من ديننا، وعقيدتنا وشريعتنا، وقيمنا، وأخلاقنا، وتاريخنا، وليس من حلول مستوردة معلبة وجاهزة".
ورأى "أبو حفص" أن "أول خطوة في هذا الصدد هي تحديد ما هو غلو وما ليس كذلك، فكثير من الغربيين وأتباعهم الليبراليين والعلمانيين في بلادنا يصنفون أشياء كثيرة على أنها إرهاب وغلو وتشدد، وهي ليست كذلك على الإطلاق."
وتابع: "المسلمون عندما يطالبون بتحكيم الشريعة الإسلامية في بلادهم، فهذا ليس غلوا، بل هذا واجبهم، وعندما يحرّضون الأمة على مقاومة الاحتلال والغزو والظلم ، فهذا ليس غلوا، وعندما يطالبون بإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الفساد، فهذا ليس غلوا أو تشدّدا، وإن كانت بعض جماعات الغلو تقول به، وبالتالي فنحن أولا بحاجة ماسة لتحديد ما هو غلو وما ليس كذلك".
وشدّد على أن "أهم خطوة في علاج ظاهرة الغلو والتطرف هي القضاء على الأسباب التي أدت إليه، والتي يأتي على رأسها غزو الغزاة لبلاد المسلمين، فما تتعرض له الأمة من احتلال وغزو وانتهاك للمقدسات والحرمات، وسلب للثروات ونهب للخيرات، من أهم العوامل التي تُحرك الشباب وتدفعهم لمقاومة الاحتلال والغزو، وأثناء هذا التحرك والمقاومة وردود الأفعال على هذا الواقع تتشكل بعض أسباب الغلو، وتتجلى بعض مظاهره، فما دام هنالك احتلال ستكون هنالك مقاومة، وسيكون هنالك غلو في بعض الحالات".
وأردف: "ثاني هذه الأسباب، هو طغيان الطغاة، ونقصد به الاستبداد والفساد الذي تمارسه معظم الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي على تفاوت بينها في ذلك، لأن الشباب عندما يرى هذه الأنظمة تحارب الإسلام وداعاته، وتعطل الشريعة الإسلامية، وتُحكم القوانين الوضعية، وتوالي القوى الكُفرية، والأحلاف الدولية التي تحارب الإسلام والمسلمين بحُجج مختلفة. عندما يرون هذا الواقع تتولد لديهم ردة فعل عكسية ساخطة وناقمة، ليس على هذه الأنظمة فقط، بل على كل من ارتبط بها من قريب أو بعيد، فهذا عامل من أهم العوامل التي تُغذي فكر الغلاة".
وقال: "القضاء على هذا السبب يكون بإصلاح الأوضاع السياسية، والاستجابة لرغبات وتطلعات الشعوب الإسلامية، وتحكيم الشريعة الإسلامية، وتحقيق العدل والمساواة، وفتح أبواب الحريات المنضبطة، وهذا إن تم سيكون من الخطوات الهامة في سبيل القضاء على ظاهرة الغلو".
وأكمل: "ومن أسباب الغلو أيضا التي ينبغي علاجها، ظاهرة الانحراف العام في الأمة الإسلامية عن التمسك بالإسلام، وأحكامه، وآدابه وشرائعه، وقيمه، وأخلاقه، وهذا أمر ظهر في القرون المتأخرة لأسباب مختلفة، فالأمة عرفت بُعدا عن الإسلام لم تعرفه من قبل، خاصة بعد ظهور وسائل الإعلام، وانتشار التعليم الغربي ومناهجه المستوردة، ومن خلال التدمير الممنهج للإسلام وثقافته وفكره وقيمّه من قبل القوى الاستعمارية، الأمر الذي أدى لنشأة أجيال من أبناء المسلمين بعيدة عن التمسك بالإسلام وعقيدته وأخلاقه".
وتابع: "هذا الواقع أثار ردود أفعال كانت من مظاهر الغلو عند بعض الجماعات الإسلامية، وإصلاح هذا الواقع من أهم ما يجب الاهتمام به إذا ما أردنا علاج ظاهرة الغلو من جذورها".
وذكر أن "رابع هذه الأسباب (أسباب الغلو) التي يجب القضاء عليها، هي جفاء الجفاة، أو الغلو المضاد ونقصد به موجة الإلحاد والردة، والطعن في الإسلام التي ظهرت بين بعض المثقفين الليبراليين، والشيوعيين، والعلمانيين بصورة عامة من المنتسبين للإسلام والمسلمين، والذين لاقت أفكارهم تلك حفاوة كبيرة، وتشجيعا بالغا في الدول الغربية شجعتهم على نشر إلحادهم، والمجاهرة بأفكارهم، فوجدوا طريقا سهلا للشهرة والتكريم في الغرب من خلال الطعن في الإسلام والقرآن والرسول وأمهات المؤمنين، فالغلو في هذا الاتجاه يولد الغلو في الاتجاه المضاد".
وأردف: "كذلك، قضية الجهل عند الشباب يجب معالجتها، فعامة الشباب الذين تأثروا بالغلو ليسوا ممن نالوا حظا كافيا من العلم الشرعي، فهناك خللا تربويا لدى بعض الجماعات الإسلامية، حيث تشحن الشباب ببعض الأفكار وتربيهم تربية معينة دون أن تعطيهم القسط الكافي من التربية الإيمانية وتهذيب الأخلاق وإصلاح النفوس والعلم الشرعي الذي يوازن تلك الأفكار".
واستطرد قائلا: "يجب القضاء على الخلل الموجود في المناهج التربوية، فكثير من الدول الإسلامية مناهجها التربوية والتعليمية خالية من مادة التربية الإسلامية، والموجود فيها من هذه المادة لا يشفي عليلا ولا يروي غليلا، فتخرجت أجيال جاهلة بدينها، وبالتالي أصبحت عرضة للتأثر بأفكار الغلو في حال الالتزام بالدين، لأنه ليس لديه حصانة علمية كافية".
وأضاف: "من أسباب الغلو كذلك، تقصير العلماء بالقيام بالواجب في التربية، والتوجيه، وإرشاد الشباب، والقرب منهم ومحاولة استيعابهم وتفهمهم، فكثير من هؤلاء الشباب يتحركون بدوافع طيبة ونيات سليمة وتحركهم الغيرة للدين والحمية للعقيدة، لكن بعضهم تصرف بشكل خاطىء في علاج هذه الأوضاع المشار لها سابقا، فقد كان يجب على العلماء أن يكونوا أقرب إليهم، وأكثر استماعا لهم، صبرا على تصرفاتهم وأفكارهم حتى يرشدوهم ويأخذوهم للصواب".
ودعا "أبو حفص"، والذي كان سابقا أحد أهم الرجال المقربين من زعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، إلى ضرورة فتح باب الحوار مع الشباب، لافتا إلى أن الإسلام يدعو للحوار حتى مع غير المسلمين والاستماع لهم، والانطلاق من المشتركات معهم، وبالتالي فمن باب أولى التحاور مع شباب المسلمين حتى لو كانوا مخطئين.
وقال: "الخطوة الأولى في هذا الحوار، هي الإقرار بما مع هؤلاء من حق، فليس كل ما يقولون به يعد غلوا مرفوضا، وينبغي أن يُبيَّن لهم أن إصلاح الأمور ومعالجتها يحتاج إلى فقه خاص، وإلى مقومات وشروط، فالمسلمون لهم تاريخ في الحوار مع الخوارج الذين خرجوا على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقاموا بتكفيره وقتاله، ومع ذلك حاورهم، وناظرهم، وراجعهم، فرجع أكثرهم".
وأردف: "كما حدث ذلك مع الخليفة عمر بن عبد العزيز - رحمه الله- رغم أنهم (الخوارج) قاتلوا جيشه، إلا أنه حاورهم وناظرهم. ومن العجيب أن الغرب عندما تحدث لديه مشكلة حتى مع بعض الجماعات المسلحة الغربية يدعوهم للحوار والتفاهم، وخير مثال ذلك مشكلة الجيش الجمهوري الإيرلندي مع بريطانيا التي انتهت بالحوار رغم الحرب التي استمرت بينهم عقودا من الزمن، لكن الغرب الذي يحاور غلاته ومتطرفيه، يرفض السماح لنا بمثل هذا الحوار مع غلاتنا. الحوار أمر ضروري جدا ولابد منه".
وأكمل: "هذا الحوار لابد له من مقومات، والأمر الأول الذي يجب أن يتوفر فيه هو الإخلاص، فيجب أن يكون سعينا هو التوصل إلى ما يرضي الله، وليس هدفنا مجرد أن نُظهر بطلان ما عليه هؤلاء، وأنهم ليسوا على شيء، بل هدفنا هو الوصول للحق والقبول به، لأن أي عمل لا يكون فيه إخلاص هو عمل محكوم عليه بالفشل".
وشدّد على أنه "لابد أن يكون الهدف هو كسب قلوب وعقول الشباب، وأخذهم برفق إلى طريق الصواب، والصبر على جفائهم وأذاهم، لأنهم بمثابة المريض الذي يجب أن نترفق به حتى يقبل الدواء وننجح في علاجه، (إن كسب القلوب أولى من كسب المواقف)".
واستطرد قائلا: "هذا الحوار الجاد يجب أن يقوم به علماء مشهود لهم بالكفاءة العلمية والشرعية، والتمكن في فقه الواقع، ومعروفون بالنزاهة في مواقفهم، ليسوا علماء سلاطين أو حكام، ومشهود لهم بحرصهم وغيرتهم على دينهم واهتمامهم بقضايا أمتهم، حتى يكونوا محل ثقة ومصداقية".
وتابع: "أنا متأكد أننا نستطيع من خلال هذا الحوار أن نصل إلى نتائج مبهرة، فسوف يكون من ثماره تحقيق نجاح تاريخي في تحويل الجماعات الجهادية وجماعات الغلو -أو تحويل نسبة كبيرة جدا منهم على الأقل- إلى قوة تُدافع عن هذه الأمة وتحمي حماها، وتذب عن مقدساتها، وتكون قوة لها، بدلا مما نحن عليه اليوم من الاحتراب والاقتتال الداخلي".
وحمّل "أبو حفص" الذي يصفه البعض بأنه كان الرجل الثالث في تنظيم "القاعدة"، مسؤولية ما نحن فيه اليوم من صدام بين جماعات الغلو والأنظمة أو بعض مكونات الأمة الموجودة إلى الحكام بالدرجة الأولى، مشدّدا على أن الحوار هو الخطوة الأولى وأهم الخطوات في تحقيق المصالحة الذاتية ومعالجة ظاهرة الغلو.
وقال: "هذه الجماعات عندما قامت لم تقم ضد هؤلاء الحكام، فتنظيم القاعدة قام ضد الاحتلال السوفيتي، وتنظيم الدولة قام في بدايته قام ضد الاحتلال الأمريكي للعراق، والجماعات الموجودة اليوم في سوريا قامت ضد طاغية الشام (بشار الأسد) عندما ثار شعبه ضده وطالب برحيله".
واستطرد قائلا:" لكن الحكام كانوا يتطوعون في كل مرة بالدخول في مواجهات مع هذه الجماعات نيابة عن الغزاة، وساعدهم على ذلك قابلية هذه الجماعات للاستدراج، والإيقاع بها في الفخاخ، والخروج بها عن أهدافها".
وأردف: "حقيقة اتعجب كثيرا: كيف نجحت إيران في لمّ شتات الشيعة على اختلاف طوائفهم وفرقهم وتوجهاتهم، وأصبحت أُمّا رؤوما لهم، وجعلت منهم أذرعا لها، تُحارب بهم وتُسالم بهم، وتحميهم من القرارات الدولية، ومن القوى المختلفة، وتُدخلهم في معادلة قوتها، وتُحقق بهم أهدافا سياسية وعسكرية وطائفية في اليمن، ولبنان، وسوريا، والعراق، وبلاد أخرى، في حين لم ينجح حكام أهل السنة إلا في تحويل جماعات أهل السنة إلى أعداء، ودخلوا معهم في قتال وصراع شرس".
وطالب "أبو حفص" بـ "فتح باب الحريات المنضبطة مع قيمنا ودينينا وأخلاقنا وثوابتنا، وليست الحريات الفوضوية، بل حريات العمل السياسي والدعوي والخيري والمدني، فهذه المجالات إذا ما وجد الشباب فرصة للعمل فيها وخدمة الدين من خلالها فلن يكون هناك ما يدعو للانخراط في تنظيمات سرية أو البحث عن وسائل عمل غير مسموح بها".
وذكر: "التجربة التي حدثت في بعض دول الربيع العربي وتحققت في ظروف محدودة زمانا ومكانا تؤكد هذا المعنى، فبعض الجماعات التي كانت تحمل السلاح حينما وجدت الفرصة للعمل المدني تحولت إلى أحزاب وجمعيات ونواد، ودخلت في العمل المدني العام، وهذا حقيقة يجب أن يُشجع".
واستدرك بقوله: "ولكن موقف الغرب من ثورات الربيع يؤكد أنهم لا يريدون القضاء على ظاهرة الغلو بالطرق الصحيحة، فالغرب لما رأى أن فتح باب الحريات نجح في التخفيف من هذه الظاهرة، دعموا الثورة المضادة والانقلاب في مصر مثلا، فكان من نتائج ذلك أن أشخاصا لم يحملوا سلاحا من قبل حملوا السلاح لأول مرة ضد الانقلابيين".
وتابع: "وهذا ما يريده الغرب الذي لا يريد القضاء على ظاهرة الغلو والتطرف بشكل تام، بل يريد لها أن تبقى مستمرة، ولكن تحت السيطرة، ولا يريد نصرا فيها ينهيها بالكلية، لأنه يحقق من استمرار وجودها مكاسب وأهدافا معروفة".
واختتم مفتي تنظيم القاعدة السابق، بقوله: "كون الغرب لا يريد القضاء على ظاهرة الغلو بشكل نهائي، لا يعني أنه في تنسيق مع الجماعات التي تحمل فكر الغلو، فهذه الجماعات وإن كنا نخالفها في أشياء كثيرة وكبيرة وصغيرة، إلا أنني لا اعتقد أنها عميلة للغرب أو لآخرين، وإن كانت تخدمهم أحيانا من حيث لا تشعر".