لقد أثار (( قانون النوع )) أو ما سمي ب (( قانون العنف ضد المرأة )) ضجة لم يثرها قانون قبله فكتب بشأنه كثير من المقالات ونوقش عبر وسائل عديدة من أبرزها وسائل التواصل الاجتماعي طبعا ،وبحث من جوانب مختلفة خاصة فيما ييتعلق بعدم مواءمته لأحكام الشريعة الاسلامية التى هي مصدر التشريع فى الجمهورية الاسلامية الموريتانية . لقد نوقش هذا القانون وانتقد حتى تعرى وغدا مكشوفا مما جعل الجمعية الوطنية ترجئ الموافقة عليه حتى يعدل ل (( يتماشى )) مع أحكام الشريعة الاسلامية ـ بعد موافقة مجلس الشيوخ ومجلس الوزراء ( وافقا بالفعل ) ، وهوفى الحقيقة غير قابل للتعديل ولا الترقيع فالاولى إلغاؤه برمته ودفنه غير مأسوف عليه ولا بواكي له . وأنا هنا من خلال هذا العرض لا أسعى الى مناقشة هذا القانون المثير للجدل بقدر ما أسعى الى (( انتقاء )) بعض المواد الاكثر إثارة ـ وكله مثير ـ ثم التعليق على هذه المواد أو على بعضها بشكل موجز لأنها أشبعت بحثا ونقاشا كما أسلفت حتى لا تكون معالجتى تكرارا واجترارا . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى كون الاسهاب فى التعليق يؤدى إلى الاطالة التى لا يميل إليها القراء
عناصر المشروع :
يتشكل شروع (( قانون العنف ضد النوع )) من 74 مادة موزعة على خمسة فصول هي :
الفصل الاول : أحكام عامة
الفصل الثانى : العقوبة المطبقة على الجنح والجرائم الجنسية ضد النساء
الفصل الثالث : يركز على الاجراءات المتعلقة بالاعتداءات ضد النساء
أما الفصل الرابع فقد تمحض للرقابة بشأن الاعتداءات الجنسية ضد النساء
وأما الفصل الحامس والاخير فقد تناول التكفل بالنساء ضحايا الاعتداءات الجنسية
معنى النوع:
مصطلح النوع ـ باختصار يا سادتي ـ هو مصطلح غريب على شرعنا وعرفنا وعلى مجتمعنا المسلم الاصيل ، فمصطلح النوع فى الغرب لا يقتصر على المرأة بل هو عام وينطبق على الجنسين كليهما ، وينطوى على مفهوم (( الجندر )) الذى يعنى العلاقة (( الزوجية )) بين الجنس الواحد أي ما يعرف بزواج المثليين ، وللمتحولين جنسيا نصيب .. فصدقوا أو لا تصدقوا !
لقد صيغ القانون ـ أو ترجم على الاصح ـ صياغة ركيكة ومتهافتة تجعل الكثير من مواده غير مفهوم ولا مستساغ من ذلك مثلا :
المادة 4 : الظروف المشددة : ))
يعتبرشذوذمرتكب العنف القائم على النوع ووضعيته وعلاقته بالضحية وارتكاب الفعل جماعيا وهشاشة الضحية وظروف الجريمة وتوط الشخصيات المعنوية ظروفا مشددة عند نطق العقوبة من طرف القاضي )) أليس هذا الاسلوب ثقيلا وعصيا على الفهم ؟
المادة 6 : عدم التبليغ : ))
يعاقب بالحبس من 6 ستة أشهر إلى 3 ثلاث سنوات وبغرامة من ... مائة ألف أوقية الى ... مائتي ألف أوقية أو إحدى هاتين العقوبتين كل من علم بعنف قائم على النوع تمت محاولته أو القيام به ولم يبلغ عنه ))
( لقد استعضت عن أرقام المبالغ الضخمة بالنقاط )
هذه المادة مفهومة وواضحة ولكنها عصية التحقق فهل يتأتى أويقبل تتبع الجميع لإحضار من علم بأن عنفا ما قد مورس ضد النوع حتى ولو تعلق الأمر بالمحاولة ؟
(( المادة 7 :الأغتصاب :
كل فعل أدى إلى اختراق للفرج أو المخرج أو الفم مهما كانت طبيعته مرتكب كل شخص دون رضاه بعنف أو إكراه أو تهديد أو مفاجأة ))
( لقد ورد خطأ التركيب فى الاصل )
المادة مفهومة ومن الواضح أنها مترجمة لورود بعض المصطلحات الغريبة على منظومتنا
(( يعاقب بالاشغال الشاقة المؤقتة كل من يرتكب جريمة اغتصاب على امرأة دون المساس عند الاقتضاء بعقوبة الحد والجلد إذا كان المرتكب أعزب وإذا كان محصنا يتم الحكم بالاعدام وحده ))
وبعد أن نلاحظ الجملة الاعتراضية : (( عند الاقتضاء )) سنلاحظ أيضا أن هذا الاسلو ب جاف و(( متهاون )) إن صح التعبير
ومن الجدير بالتنبيه أن عقوبة المحصن فى الشريعة الاسلامية هي الرجم سواء فى ذلك الاغتصاب والتراضى بعد ثبوت الادلة طبعا ...
كما يجدر التنبيه الى أن مصطلح الاحصان وحكمه ينطبقان على من هو متزوج فى الحال أم سبق له أن تزوج فليس كل أعزب غير محصن
المادة 8 : جنحة التحرش الجنسي :))
هي كل لفظ أو فعل أو معاكسة أو إيحاء أو إشارة أو تصرف له معنى جنسي أو مبني على الجنس مع الاخذ بعين الاعتبار النشاط الجنسي الحقيقي والمزعوم لامرأة بهدف انتهاك حقوقها وكرامتها أو خلق محيط مخيف ومعاد ومهين أو فاضح ))
عبارات فضفاضة تنضح بالاتهام المطلق والمسبق للجميع ، وبسوء النية خاصة وأن الامر يتعلق بمجتمعنا ...
(( يعاقب بالحبس من 1 سنة إلى3 ثلاث سنوات وبغرامة من ... مائة ألف أوقية الى ... مائتي ألف أوقية كل من يتحرش جنشيا بامرأة فى وضعية عمل منزلي ))
والسؤال المطروح هنا : هل الامر يتعلق بالزوجة أيضا ؟ !
(( يعاقب التحرش الجنسي بالحبس من 1 سنة الى 3 سنوات وغرامة من ... خمسمائة ألف أوقية إذا كان الشخص الذى يمارس التحرش فى وضعية السلطة على المرأة المتحرش بها ))
(الاخطاء التى نلاحظ من حين لآخر وردت فى النص الاصلي الذى يبدو أنه مترجم ترجمة فورية رديئة كما أسلفت ).
والسؤال المطروح هنا : هل يتعلق الامر بالزوجة أيضا أم يتعلق بالمرأة العاملة فقط ؟
المادة 9 : علاقات جنسية خارج الزواج : الزنا :))
هذه المادة هي الاقرب للشريعة ولكن تنقصها
إضافة الاغتصاب باعتباره أسوأ وأنكى أنواع الزنا وعدم الاقتصار على الطوع والرضا
((المادة 10 : زنا المحارم :
يعرف القانون فى هذه المادة المحارم ويختم هذه الفقرة ب : (( يعاقب بالاعدام كل من ارتكب جريمة زنا المحارم ))
والحقيقة والواقع أن زنا المحارم فى بلادنا يعتبر نادرا ونادرا جدا إن لم يكن منعدما ولله الحمد ولا داعي للتشريع بشأنه فى الوقت الراهن على الاقل
أما عقوبة الاعدام هذه فلم توضح المادة وسيلتها
(( المادة 11 يعاقب من شهرين الى 5 سنوات سجنا كل زوج سبب بإرادته ضربا وجروحا أو مارس العنف ضد قرينه سواء كان بدنيا أو معنويا أو نفسيا ))
ما شاء الله عاشت العدالة ، ولكننا نلاحظ هنا التداخل بين المعنوي والنفسي . أما عبارة (( القرين )) فهي بعيدة كل البعد وغريبة كل الغرابة عن منظومتنا التشريعية والاجتماعية ، وهي تحمل فى طياتها شحنة غربية وافدة
المادة 12 : الاحتجاز : ))
يعاقب من شهرين الى سنتين كل من احتجز زوجه او زوجته
إذا أطلق سراحه طوعا تكون مدة الحبس بين شهرين إلى سنة وغرامة ... خمسمائة ألف أوقية ترفع العٌقوبة إلى خمس سنوات سجنا في حالة ظروف مشددة ))
والسؤال هنا : هل يعني القانون ب (( زوجه )) الرجل ؟
كما تثير عبارة " في حالة ظروف مشددة " وغيرها تساؤلا هو : كم يحتاج هذا القانون إى شرح ؟
المادة 13 : ممارسات غير إنسانية
يعاقب من شهرين الى خمس سنوات سجنا ب ... خمس مائة الف اوقية الى ... ثمان مائة الف اوقية كل زوج عرض زوجته للمارسات غير انسانية ))
ترى ما نوع هذه الممارسات ؟
لقد تغيرت المفاهيم واختلط الحابل بالنابل
"المادة 14 : الشتم:
يعاقب من عشرة أيام الى سنتين حبسا كل من شتم زوجته بعبارة مهينة يمكن أن تمس من كرامتها أو شرفها "
ومعلوم أن شتم وإهانة المرأة عموما والزوجة خصوصا في بلادنا , وفي مجتمعنا مذمومة وغير مقبولة
أما في حالة ما إذا تعذر استمرار الزوجية واستحال فقد قال تعالى : (( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان )) البقرة الاية 229
المادة 15 : اختطاف وتخويف الاطفال :
يعاقب ب6 ستة أشهر إلى سنة حبسا وبغرامة ... مائة وخمسين الف اوقية إلى
كل زوج هدد قرينه باختطاف طفل لكي يخضع لإرادته ))
( لاحظ الى الزائدة )
في هذه المادة تكرر مصطلح " القرين " والعقوبة هنا تتعلق بالتهديد
ترى ماهي عقوبة تنفيذ هذا الاختطاف أهي الاعدام أم ماذا ؟
المادة 16 : فرض سلوك :
يعاقب كل من فرض سلوكا أو تصرفا على زوجه أوزوجته من ستة اشهر إلى سنة واحدة حبسا وبغرامة من ... مائة وخمسين الف اوقية الى ... ثلاثمائة ألف اوقية ))
والسؤال هنا : أي نوع من السلوك تعنى هذه المادة ؟
وهل السلوك القويم يندرج ضمن هذا المفهوم أم أن الامر يتعلق بالسلوك المعوج وحسب ؟
"المادة 17 : الابتزاز :
يعاقب من سنة ‘لى سنتين حبسا وبغرامة ... خمسمائة الف أوقية إلى ثمانمائة ألف أوقية كل زوج يهدد
زوجه بترويج معلومات تمس من شرفه للحصول على منفعة غير مستحقة "
معلوم أن مصطلح الزوج والزوجة فى اللغة العربية يطلقان كلاهما على المرأة ولكننا نلاحظ فى بعض المواد ورود عبارتي " زوجه أو زوجته " فما ذا يعنى وجود المصطلحين فى آن واحد ؟
" المادة 18 : الولوج الى الميراث :
يعاقب أي زوج منع زوجته من الميراث من سنة إلى 2 سنتين وبغرامة من ... مائتي ألف أوقية إلى خمسمائة ألف أوقية "
أما أنا فلم افهم أي ميراث تقصده هذه المادة ؟
" المادة 19 : منع ممارسة الحريات العامة :
يعاقب من سنة إلى سنتين حبسا كل زوج يمنع أو يقيد شريكه عن ممارسة الحريات العامة "
وقد تكرر هذا المعنى فى أكثر من مادة ولكن أي حريات عامة يعنى ؟
"المادة 20 : عدم احترام قرار السلطات :
يعاقب بغرامة من ... مائة وخمسين ألف أوقية إلى ثلاثمائة الف أوقية كل من لا يحترم قرارا اتخذ طبقا لهذا القانون والذى أبلغ اليه من طرف السلطات أو موظف مخول
أفى هذه الحالة يضاعف العقاب إذن أم ما ذا؟
المادة 21 : زواج فاقد الاهلية : "
إذا زوج الولي فاقد الاهلية دون احترام القانون اعتبر الزواج شرعيا غير أن الولي يتعرض للسجن من 6 ستة أشهرإلى 5 خمس سنوات ولغرامة من ... مائة وخمسين ألف أوقية إلى ثلاثمائة ألف أوقية إذا كان قد تصرف لمصلحته " ؟
لا تعليق ( عفوا ، فى مادة أخرى تم تحديد السن القانونية لزواج المرأة ب 18 سنة لا أقل )
هنا أكتفى بهذا القدر من المواد ، فقد حاولت استقصاء ثلث قانون النوع تقريبا والثلث كثير ، وربما أتناول بقية المواد فى وقت لاحق ان شاء الله
وليعذرنى القانونيون لأننى لا أفهم القانون الوضعي كثيرا خاصة ما يتعلق منه بالاحوال الشخصية وبالاخص إذا كان الامر متعلقا بالنوع وليعذرنى النوع أيضا . ومما يشفع لى أن هذا المصطلح يطلق على الجنسين كليهما لأنه مصطلح غربي بامتياز ، ولكن لا عبرة بالالفاظ إذا فهمت المقاصد . والله من وراء القصد .
مولاى ولد عبد الدايم
[email protected]