استوقفني رد وزير المالية على ما يبدو أنه سؤال بخصوص بيع منزل السفير الموريتاني في واشنطن. و الحقيقة أن رد الوزير عكس جهله، أو جهل البعثة التي استند على تقريرها، بواقع سوق العقارات في الولايات المتحدة.
كما أنه بدا واضحا من رد الوزير أنه لا يعي أن الدولة الموريتانية الآن هي بصدد خسارة ما لا يقل عن مليار من الأوقية إن هي قررت بيع المنزل على حالته التي هو فيها. لذلك قررت و في عجالة إبداء التوضيحات التالية:
- الوزير بدأ رده على السؤال بالقول أنه لا يتذكر المبلغ المطلوب من أجل ترميم المنزل، و هو أمر أستغربه، خصوصا في ظل الزخم الكبير الذي سببته موجة الاحتجاجات الآخذة في التصاعد من طرف أبناء الجالية الموريتانية في الولايات المتحدة على بيع المنزل، و الذين أجمعوا على رفض قرار البيع.
كيف لمعالي الوزير الموقر ألا يتذكر المبلغ المطلوب من أجل ترميم المنزل؟ أليس هذا صلب اختصاصه؟ خاصة أنه هو من أثار في نفس الجلسة جدوائية البيع من الناحية الإقتصادية.
- عدم صيانة المبنى و إهماله لسنوات لا يرفع المسؤولية عن عاتق الحكومة الحالية في القيام بمسؤوليتها تجاه المبنى، خصوصا أن وضعيته تزداد سوء بسبب الإهمال، أي أن الحكومة الحالية هي أيضا مقصرة في صيانة المبنى، و ربما بشكل أكبر بسبب أنه الآن مهجور، لذلك فهو معرض و بشكل أكبر لتردي حالته.
- الوزير تكلم عن قضية الصيانة في إطار الغلاء و وجوب ترشيد النفقات، لكن ما لم يذكره معالي الوزير هو أن سعر شهر واحد من الإيجار للسفير الموريتاني حاليا يكفي لصيانة المنزل المذكور لمدة سنة كاملة، و الأدهى من ذلك أنه يُفهم من كلامه أنه لا يخطط لصيانة مقر السفير الحالي الآن. أم أننا لم نتعلم من درس المنزل الحالي؟ و الحقيقة هي أن صيانة منزل مؤجر تزيد أضعافا على صيانة منزل مملوك، كما أن المحاكم الأمريكية تعج بالآلاف من ملفات الإيجار، و التي يطالب فيها المؤجرون (Landlords) من المستأجرين (Tenants) تعويضات عن مستلزمات الترميم بسبب الإهمال أو التلكؤ في صيانة المكان المؤجر. فواتير المرافعات القضائية وحدها قد تصل إلى مئات آلاف أو ملايين الدولارات، ناهيك عن الغرائم التي قد يطالب بها القضاء كتعويضات للمدعي إن هو فاز في المحكمة.
طبعا، شهية المؤجرين في اللجوء إلى المحاكم تزيد أكثر عندما يكون الطرف المؤجِّر هيئة اعتبارية كدولة أو مؤسسة أو منظمة.
حصول هذا السيناريو الإفتراضي قد لا يكون مطروحا الآن، لكنه ممكن الحصول، و إن حصل فقد يكلف موريتانيا أموالا طائلة، ناهيك عما قد يلحقه من أضرار معنوية بسمعة البلد.
- الوزير أثار نقطة أتفق معه فيها تماما، و هو أن دولة فقيرة كموريتانيا يجب أن تحرص على ترشيد النفقات و الصرف حسب طاقتها ( La politique de ses moyens)، لكن إذا كان الأمر كذلك فإنه يجب على موريتانيا عدم بيع المنزل في حالته التي هو فيها، لأنها بذلك ستخسر مئات الملايين من الأوقية. ما قد لا يدركه الوزير هو أن بيع المنزل قبل ترميمه هو خسارة كبرى لبلد فقير مثل موريتانيا. بيع المنزل بشكله الحالي - وهو أمر نرفضه - قد يُدِرُّ على موريتانيا 2،5 مليون دولار، أي قرابة 850 مليون أوقية، لكن بيعه بعد الترميم - و هو أمر نرفضه - سيدر على الدولة قرابة 5.5 مليون دولار، أي حدود مليارين من الأوقية، و على احتساب أن الترميم قد يكلف 600 ألف دولار، فإن الربح الصافي سيكون في حدود 1،75 مليار من الأوقية. أي أن الوزير الذي يشتكي من غلاء ميزانية الصيانة و التي لا تكلف أكثر من ثلاثة ملايين أوقية سنويا، هو الآن بصدد خسارة مبلغ لا يقل عن المليار أوقية دفعة واحدة، إن تم بيع المنزل على حاله التي هو فيها.
مع ذلك فنحن بالطبع ضد بيع المنزل أصلا، جملة وتفصيلا. نرفض بيع المنزل رفضا باتا!
- بخصوص ما حصل مع السفارات الأخرى و التي يتم بناؤها أو ترميمها، فهذا أمر لا يخص الجالية الموريتانية في الولايات المتحدة، و هو موضوع لا تتوفر لدينا عنه معلومات من أجل المقارنة، لكن حلقة أخرى من مسلسل بيع منازل السفراء كانت قد حصلت هنا في نيويورك، و كانت نتيجتها سيئة بإجماع كل موريتانيي نيويورك. لا نريد تكرار تلك التجربة في واشنطن.
- معالي الوزير كان انتقائيا جدا، إذ أنه من بين كثير من العوامل التي سقناها من أجل إطلاعه و إطلاع الرأي العام على ضرورة ترميم المنزل بدل بيعه، لم يذكر سوى ما قلناه عن قربه من البيت الأبيض أو إستراتيجية مكانه. و لئن كان هو هنا رد على نفسه، فإننا سقنا عدة عوامل أخرى تتعلق بقربه من السفارة (3 دقائق مشيا)، و قربه من المركز الإسلامي (5 دقائق مشيا)، و وقوعه قبالة منزل الرئيس الأمريكي Woodrow Wilson، و الذي أصبح متحفا يزوره الآلاف، و وقوعه قرب مقر البنك الدولي و صندوق النقد الدولي، إلخ...و لكن، أليس تواجد المنزل في الحي الديبلوماسي دليلا على جودة مكانه؟ هل يعقل أن نعثر على مكان آخر أحسن من هذا المكان بثمن أقل من ثمن منزلنا الحالي؟ قد لا يدرك الوزير أن بيع المنزل سيكلف الدولة الموريتانية قرابة 7 بالمائة (Listing Fees)، بغض النظر عن سعر البيع، كما أن شراء منزل جديد سيكلف قرابة 7 بالمائة (Closing Costs) بغض النظر عن سعر الشراء. أي أن قربه من البيت الأبيض و إن كان في حد ذاته أمرا مهما، إلا أن بيعه و شراء آخر مكانه سيكلفان الدولة الموريتانية أموالا باهظة، ناهيك عن خسارة تقدر بمليار أوقية على الأقل إن هو تم بيعه في حاله التي هو عليها الآن.