إعلانات

قصة حقيقية من واقع حياتنا اليومية المر المرير

اثنين, 18/04/2016 - 16:31

الزمان : يوم السبت 16/04/2016 
التوقيت : 17h 
المكان : انواكشوط 
تفقّد أوراق سيارته و شدّ حزام الأمان و انطلق .. فهو على موعد مهم ، لن يترك مكانا للصدف ، لتعطله عنه ..
فجأة .. ظهرت على الشارع وحدة من أمن الطرق ، أشار إليه أحد أفرادها بالتوقف ، ركن سيارته إلى يمين الشارع بكل هدوء ، و بالكاد تمكن من إخفاء ابتسامة اطمئنان و هو يتحسس حزام الأمان الذي كان مشدودا و نظر إلى رجل الأمن و هو يتفحص أوراق سيارته ، كمن يتهجّى الحروف لأول مرة .. رفع رأسه باتجاهه و خاطبه قائلا لوحة أرقام سيارتك غير واضحة تماما ! أجاب صاحبنا و هو ينظر إلى ساعته ، دون أدنى محاولة للنقاش ، رغم تهافت الدعوى ، مخافة تضييع الوقت : إذا كانت اللوحة كذلك ، فسأقوم بتبديلها في الحال و عند أقرب نقطة تتولّى ذلك ، فتح رجل الأمن البوابة الخلفية للسيارة و ركب خلف صاحبنا ، بالضبط كأحد الباشوات مع سائقه ، و طلب منه التوجه إلى مكانٍ لحجز السيارات ، خلف السفارة الأمريكية ، ريثما يأتي بلوحة ارقام جديدة ، في الطريق لاحظ صاحبنا محلا لسبك لوحات أرقام السيارات ، فاستأذن للتوقف عنده لتبديل الرقم المطلوب ، نهره رجل الأمن قائلا لا وقت لدي و ينبغي حجز السيارة أولا ، ثم عليك الذهاب في غيرها لإحضار اللوحة البديلة ..
بعد أن أدخل سيارته في حائط الحجز ، تبيّن لوحات أرقامها فإذا هي واضحة لا لبس فيها ، احتج أمام مجموعة من أفراد الأمن كانت في مكتب ملاصق لمكان الحجز ، فلم يعيروه من الإهتمام إلا تحرير محضر بمخالفة تستوجب دفع مبلغ 3000 أوقية !
ضغط على أعصابه ، ليلحق بموعده ، و استقل سيارة أجرة و ما هي إلا دقائق حتى عاد بلوحتين جديدتين ، دلف إلى المكتب و سأل عن المسؤول عن الصندوق لدفع الغرامة ، أجابه أحدهم ، بعد أن ألقى نظرة إلى ساعته : إذا غادرت الآن دون تأخر و كنتَ محظوظا ، قد تلحق بمكتب مقاطعة عرفات فهو في العادة آخر من يغلق أبوابه ، و هو بالمناسبة يقع قرب تجمع الدبابات ، و إذا لم تلحق به فسيكون عليك الإنتظار حتى يوم الإثنين !!
أُسقط في يد الرجل ، و دارت برأسه كل الأفكار الشيطانية ، و بينما هو يفاضل بين أشدها سخطا ثم وقْعا و تأثيرا ، إذْ تقدم إليه أحد أفراد الأمن على هيئة الناصح المتعاطف و اقترح عليه تقديم مبلغ الغرامة مضافا إليه ثمن النقل ، لصاحب سيارة أجرة ، بجانبهم ، يتكفل بهذه المهمة ، أجابه أن المشكلة ليست في أجرة النقل ، و إنما في الوقت خصوصا مع زحمة السير ، أشار عليه بنبرة الخبير المجرب ، سيتكفل صاحب التاكسي هذا ، بالأمر أسرع مما تتصور ، و بالفعل بدا أن الرجل صادقا ، حيث يأخذ الشخص المعني مقابل كل وصل مبلغ 1000 أوقية كتكاليف نقل ..
لفّ الرجل و دار دورة لم تتجاوز دقائق قليلة ، ليعود بما يزيد على عشرة أوصال لحالات مشابهة لحالة صاحبنا ، أخذ مقابلها عددها من الآلاف ..
تنفس صاحبنا الصعداء و استلم اوراق سيارته ، ثم أدار محركها و أدخل يده في جيبه و أخرج ورقة نقدية من فئة الف أوقية ، ليتصدق بها على شيخ مسنّ رثّ الثياب ، بدا كمحتاج أعوزه الدهر ، فاستغلته مجموعة اللصوص هذه كبواب ، فتجهّم وجه الشيخ و قال بلهجة الواثق : لن يتمكن كائن من كان أنْ يفتح لك هذا الباب إلا بعد أنْ تدفع للبلدية حقها الكامل و المتمثل في الفين من الأواق !
أجاب صاحبنا بعد أنْ فهم الحال :" والدي الا اسمحلي آن اعل بابي ، ما عندك مشكلة أعطيني و توف وصل على المبلغ و اراعيه " فابتسم الشيخ ابتسامة ماكرة يبدو أنه تعود عليها ، و قال : لقد غادر الشخص الذي يحمل دفتر الأوصال و لن يعود إلا يوم الاثنين ، فلا تعطل نفسك يا ولدي !!
و مع أن صاحبنا لم يعد تحت ضغط اللحاق بموعده - الذي ضاع - هذه المرة ، فقد سلم المبلغ المطلوب للشيخ دون أي اعتراض ! مستسلما لفكرة أنّ الإستئساد عليه مقابل الخنوع لمجموعة أمن الطرق ، لن يكون إلا استضعافا للشيخ ، فالكل في اللصوصية سواء !!
~~~~~~~~~
هذه الحالة ليست سوى نموذجا بسيطا ، لما يجري في كافة مرافقنا العامة ، من مراكز صحية و أجهزة أمنية و إدارات خدميّة و وزارات و أجهزة قضائية ...
يتحمل الجميع مسؤوليتها بشكل مشترك ، من الرئيس إلى المواطن البسيط ، مرورا بالوزير و المدير و الموظف المدني و العسكري ...
و مع ذلك ، يُحدثك البعض عن وجود دولة ، تم تأسيسها في منتصف القرن الماضي !!
في الحقيقة ، ليست هناك دولة بالمعنى الصحيح ، و المدّعون بوجودها في فترة معينة ، ينطلقون من منافع "أهل لخيام" ليس إلا ! .

نقلاعن صفحة المدون الموهوب  : Bechir Beyade .