بدأت ادارة فندق «فينيسيا» منذ فترة بتنفيذ خطة اعادة هيكلة. تقول المعلومات انها تتضمن صرف نحو 60 موظفا وموظفة واعادة جدولة الديون المأخوذة من مصرفين والتخلي عن فندق «فاندوم» الشقيق. الاوضاع القائمة في لبنان والمنطقة هي حجّة مالكي الفندق، فيما العاملون في القطاع السياحي يرون أن أزمة «فينيسيا» هي أزمة جميع الفنادق المتخصصة في سياحة الاثرياء ورجال الاعمال
باشرت إدارة فندق فينيسيا، أخيراً، تنفيذ خطّة لاعادة الهيكلة تتضمن صرف موظفين واعادة جدولة الديون وبيع اصول. بحسب المعلومات المتداولة بين الموظفين، وضع هذه الخطّة روبرت هير، وهو مستشار اجنبي استقدمته الإدارة لهذا الغرض، وهي تقضي بصرف كل من تجاوز الخمسين عاماً، إضافة إلى موظفين آخرين اعتبرتهم الخطة فائضا عن الحاجات في ظل تدنّي نسب الإشغال في الفندق.
تقول المصادر، ان الإدارة استدعت بعض الموظفين لإبلاغهم الصرف وعَرَضَت عليهم تعويضات تبلغ راتب شهر عن كل سنتَي خدمة، إضافة إلى رواتب 8 أشهر للصرف التعسفي. بعض الموظفين وافق على هذه الصيغة، وخصوصاً أن بينهم من كان يبحث عن عمل بديل، أو كانت لديه تلميحات عن وجود نوايا لصرف الموظفين، أو فضّل عدم الدخول في نزاعات قانونية طويلة مع إدارة الفندق نتيجة الشعور بفائض قوة اصحاب الفندق. أما من لم يوافق من الموظفين، فلم تعرض الادارة التفاوض معه، بل أبلغته العرض الذي تقدّمه من دون إضافات. بعض الموظفين شعر ان الإدارة تقول لهم «افعلوا ما في وسعكم فليس أمامكم سوى الموافقة على العرض».
إزاء هذا الواقع، دعت نقابة عمال وموظفي الفنادق في لبنان إلى جلسة استثنائية لدرس هذا الموضوع. يقول رئيس النقابة فوزي الهاشم إن «إدارة الفندق لم تكشف عن عدد الموظفين الذين تعتزم صرفهم، بل أخفت الأمر فيما هي تنفذ خطّتها لصرف الموظفين الواحد تلو الآخر. الصرف يجري على اساس اسبوعي، لا بسلّة واحدة، فيما الموظفون يشعرون أنهم بلا حماية ولم يعد لديهم أي إيمان بالنقابات. لقد أجرينا اتصالاً بمكتب وزير العمل سجعان قزي وأبلغناه ما يحصل في فندق فينيسيا، ونأمل أن يتحرك الوزير لحماية العمال والدفاع عن مصالحهم في مواجهة خطّة الإدارة. ما يحصل في الفندق هو مجرزة بحقّ الموظفين».
هل هناك ما يبرّر هذه المجزرة؟ تجيب مصادر مطلعة أن نسب الإشغال في الفندق تدنّت، لكنها لم تصل إلى مستويات تستدعي الصرف. خلال الفترة الماضية، راوح معدّل الإشغال في الفندق بين 30% و40%، وبالتالي فهو لم ينخفض كثيراً عن معدلات السنة الماضية. في المقابل، يقول مصدر مقرّب من مالكي الفندق، إن المشكلة ليست في نسب الإشغال المتدنية، بل تقع في تدنّي معدل إيجار الغرفة إلى مستويات غير مجدية في ظل الكلفة الحالية، وبالتالي كان لا بد من البحث عن خيارات أخرى لخفض الخسائر التي يتكبّدها الفندق منذ عام 2012 إلى اليوم.
برأي نائب رئيس نقابة المؤسسات السياحية في لبنان وديع كنعان فإن ما يحصل في فندق فينيسيا ليس مستغرباً، لأن المشكلة في القطاع الفندقي بدأت منذ عام 2011 مع اندلاع الأزمة السورية وتداعياتها على لبنان. وقد طاولت هذه الأزمة الفنادق الكبيرة المعدّة لاستقبال الزوار من شرائح معينة، أي رجال الأعمال والميسورين العرب والخليجيين... هذه الفنادق لم تعد تحقق الأرباح، وبدأت في الفترة الماضية تقلّص نفقاتها من خلال إغلاق طوابق وصرف بعض الموظفين.
يعتقد عضو مجلس نقابة اصحاب الفنادق نزار الوف أن مشهد صرف الموظفين لم يعد غريباً في ظل «هذه السياسة في لبنان. الفنادق الصغيرة في بيروت لا تزال قادرة على اجتذاب السوريين والعراقيين الميسورين، لكن الفنادق الكبيرة التي تعتمد على رجال الأعمال وسياحة الأعمال تتألم. والألم لا ينحصر بهذه اللحظة، فالمستقبل مظلم والمصير غامض. الزوار العرب لا يريدون المجيء إلى لبنان، والزوار الأوروبيون باتوا مشغولين بأنفسهم ولم يعد الشرق الأوسط ضمن وجهاتهم طالما فيه مشاكل أمنية وعسكرية، وليس هناك وضوح سياسي محلي».
يسأل رئيس نقابة أصحاب المجمعات السياحية والبحرية في لبنان جان بيروتي: كيف نستغرب أنباء صرف الموظفين في بلد يعاني سوء العمل السياسي، الذي بلغ مرحلة ترك النفايات في الشوارع 8 أشهر؟
صرف الموظفين ليس العلاج الوحيد الذي تراه إدارة فينيسيا. فهذا الفندق، المملوك من شركة الفنادق اللبنانية الكبرى، كان يفاوض منذ سنتين مع مصرفين محليين على اعادة جدولة ديونه والمتأخرات المترتبة عليه. يذكر مطلعون أن الديون تصل إلى 90 مليون دولار، منها قرض مشترك بين هذين المصرفين، وعليه متأخرات لمصرف ثالث أيضاً. المصارف الثلاثة هي ضمن مصارف «ألفا».
القروض مأخوذة بضمانات عقارية أبرزها فندق «فاندوم»، المملوك من شركة الفنادق اللبنانية الكبرى، وقطعة أرض إلى جانب الـ«فاندوم» مساحتها ألفا متر مربع كانت قد اشترتها الشركة لتوسيع الفندق. طالبت المصارف بديونها، وهددت بوضع اليد على الضمانات العقارية، لكن مصرف لبنان تدخّل محاولا إيجاد حلّ يرضي الطرفين. تقول المصادر إن حاكم مصرف لبنان طلب إمهال أصحاب الفندق حتى إيجاد مشترٍ لفندق فاندوم وقطعة الارض المجاورة من أجل تسديد القرض، وإلا فإن المصرفين مرغمان على وضع اليد على الضمانة واستملاك الفندق وقطعة الأرض. تخمين الفندق وقطعة الأرض يبلغ 60 مليون دولار، أي ما يوازي 66% من قيمة الديون، لكن مالكي الفندق يرون أن التخمين متدنٍّ، وأن المبلغ يجب ألّا يقل عن 90 مليون دولار.
ثمة معلومات متضاربة عن إتمام هذه العملية بين شركة الفنادق اللبنانية والمصرفين. ففيما قالت مصادر مصرفية إن المفاوضات توقفت بسبب صدور تعميم عن مصرف لبنان رقمه 135 ويتيح للمصارف إعادة هيكلة ديون الزبائن التي يتبيّن أنها تضرّرت بفعل الأوضاع الاقتصادية الأخيرة، أي إنه ليس لديها مشاكل بنيوية أدّت أو تؤدي إلى الاختلال المالي وإضعاف قدرتها على سداد القروض، تؤكد مصادر اخرى أنّ الخيارات ليست محسومة بين الطرفين، بدليل أن ملف وضع اليد على الضمانات لم يصل إلى مصرف لبنان، وأن ملف إعادة هيكلة ديون فينيسيا لم يصل أيضاً إلى مصرف لبنان.
حاولت «الأخبار» مراراً الاتصال برئيس مجلس إدارة الفنادق اللبنانية الكبرى مازن صالحة، إلا أنه رفض التجاوب معها لتأكيد أو نفي كل هذه المعطيات، سواء تلك المتعلقة بالموظفين أو بديون الفندق، لكن المعلومات المتوافرة تشير إلى ان تملّك المصارف للضمانات، أي لفندق فاندوم وقطعة الأرض التي تقع إلى جانبه، كان يتضمن منح المدين، أي شركة الفنادق اللبنانية الكبرى، مهلة سنتين لاسترداد العقار، أي إنه كان يتعيّن على الشركة البحث عن مشترٍ للفندق وللعقار خلال سنتين وتحصيل سعر أعلى من مبلغ الـ60 مليون دولار... «لكن من يشتري في ظل هذه الظروف. كل الفنادق الكبيرة معروضة للبيع مثل موفمبيك وفورسيزن وغيرهما. حتى مع حسم الأسعار ليس هناك مستثمرون راغبون بتملك فنادق في لبنان»، يعلّق مصدر مصرفي.
محمد وهبة- الاخبار