رغم أن تواجد اللاجئين السوريين في موريتانيا كان موضع ترحيب إلا أن شوارع العاصمة الموريتانية نواكشوط باتت شبه خالية منهم إثر حملة اعتقالات واسعة تشنّها السلطات الأمنية في البلاد منذ أيام ضد المقيمين بصورة غير قانونية على الأراضي الموريتانية شملت المهاجرين السوريين.
ورغم أن الحملات الأمنية ضدّ الأجانب غير المقيمين ليست بالجديدة، إلا أنها لأول مرة تستهدف اللاجئين السوريين الذين ظلوا استثناء في إجراءات ملاحقة الأجانب خلال الأعوام الماضية.
وتعد موريتانيا في صدارة الدول التي تؤوي اللاجئين في منطقة الساحل وشمال أفريقيا، حيث توافد على البلاد مئات آلاف اللاجئين الفارين من النزاع المسلح شمال مالي، علاوة على مئات الآلاف من المهاجرين القادمين من بلدان أفريقية بحثاً عن حياة أفضل، أو انتظاراً للقوارب التي تحملهم عبر الأطلسي إلى الشواطئ الأوروبية.
الوجهة المفضلة
نظراً لإعفاء موريتانيا للسوريين من تأشيرات الدخول إلى أراضيها، تتوافد أعدادٌ متزايدة منهم على نواكشوط عبر بيروت والجزائر، ليقيم السوريون في مخيمات وأحياء شعبية في ضواحي العاصمة، حيث يستقبلون إعانات من الحكومة تتمثل في الخيم والبطانيات والمواد الغذائية الأساسية، إضافة لمبلغ نقدي قدره 4000 أوقية يومياً (أي ما يعادل 13 دولاراً) للعائلة الواحدة، وتتولّى مفوضية الأمن الغذائي الإشراف على مخيمات اللاجئين بنواكشوط.
غير أن حياة اللاجئين السوريين في موريتانيا لم تنعم طويلاً بالهدوء، فالظروف المناخية الصعبة، وارتفاع درجات الحرارة، وتضاعف تكاليف السكن والمعيشة، إضافة إلى تراجع قيمة المساعدات والإعانات، فاقمت معاناتهم.
فرض بطاقة إقامة
ومع استمرار تدفق المزيد من المهاجرين واللاجئين، أعلنت السلطات الموريتانية فرض بطاقة إقامة على الأجانب الذي يرغبون في الاستقرار تبلغ رسومها 30 ألف أوقية سنويا للفرد( أي ما يعادل 100 دولار)، ومنذ تطبيق هذا القرار تشن السلطات الأمنية حملات ملاحقة للأجانب المخالفين لقانون الإقامة.
ومنذ بداية 2016 كثفت السلطات الموريتانية عمليات التحقق من تصاريح الإقامة، وبدأت مطاردة المهاجرين غير الشرعيين. وفي البداية، ركزت الشرطة على المهاجرين الأفارقة، مما دفع منظمات حقوقية لاتهام السلطات الموريتانية بـ “الانتقائية والتحيز” في تطبيق قانون الإقامة.
لاله عيشة شيخو، رئيسة لجنة التضامن مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، رأت أن “عمليات التحقق من تصاريح الإقامة انتقائية، وتستهدف الأفارقة السود بشكل واضح فيما السوريون والجاليات المغاربية لا يتعرضون لهذه الضغوط، وهذه عنصرية واضحة” حسب وصف الناشطة الحقوقية .
من جهتها أدانت المنظمة الموريتانية لحقوق الإنسان ما وصفتها بـ “الانتهاكات” التي ارتكبتها الجهات الأمنية أثناء مداهمة مساكن وأماكن عمل المهاجرين خلال حملتها الأمنية، وطالبت المنظمة السلطات المعنية بتسهيل إجراءات الإقامة وتخفيض رسومها، فيما دعت المهاجرين إلى استصدار التصاريح وتسوية أوضاعهم القانونية لدى السلطات المختصة.
اللاجئون في قلب الأزمة
ويرى الصحافي الموريتاني عزيز ولد أحمد في تصريح لـ”هافينغتون بوست عرب” أن “الضجة التي أثارتها بعض الجهات الحقوقية ومنظمات الدفاع عن الزنوج حول مزاعم الانتقائية في هذه الإجراءات هي ما دفع السلطات إلى استهداف اللاجئين السوريين في العملية الأمنية الجارية”.
من جانب آخر، أفاد مصدر أمني رفض ذكر اسمه أن الهدف من استدعاء اللاجئين إلى مراكز الشرطة هو “منعهم من الاتصال بشبكات تهريب المهاجرين، أو التسلل عبر الحدود بطريقة غير شرعية، مما يشكل خطراً على حياتهم، وحياة أطفالهم”، وتشير ذات المصادر أن السلطات الأمنية “صادرت جوازات سفر بعض اللاجئين لمنعهم من مغادرة البلاد.”
ويؤكد أمين ولد عبد الله، الأمين العام للمنظمة الموريتانية لحقوق الإنسان أنه من الصعوبة بمكان معرفة أعداد المحتجزين حتى الآن لأن “هذه المعطيات غير متاحة للرأي العام” مضيفاً أن ما يستطيع تأكيده حتى الآن هو “أنّ عمليات الاحتجاز تضاعفت بشكل كبير في الفترة الأخيرة. “
ويتواجد أغلب اللاجئين والمهاجرين المحتجزين لدى قيادة الشرطة بمفوضية مكافحة الهجرة في حي بغداد بالعاصمة نواكشوط في انتظار استصدار تصاريح إقامة لهم، أو ترحيلهم خارج البلاد.
أوروبا.. مهما كلَّف الثمن
وفي ظل صعوبة الظروف المناخية والمعيشية في موريتانيا، وفي مواجهة البرد القارس، ونقص الماء والغذاء والأدوية، يشقُّ المئات من اللاجئين السوريين طريقهم عبر الحدود الشرقية لموريتانيا نحو منطقة آزواد الحدودية مع مالي والجزائر، وهي منطقة تقع تحت سيطرة الحركة الوطنية لتحرير آزواد، وتنتعش فيها تجارة تهريب المهاجرين، حيث تتحكم مافيا التهريب بالمسارات والمعابر الحدودية الرئيسية.
وبعد عبور الأراضي المالية، يدخل اللاجئون إلى نيجيريا حيث تبدأ طريقهم إلى أوروبا انطلاقاً من مدينة آغداز النيجيرية عبر مسارين رئيسيين؛ المسار الأول يشق صحراء النيجر باتجاه مدينة سبها الليبية، ومنها يتفرع إلى ثلاث طرق إلى جزيرة لامبيدوزا، وصقلية، ومالطا الإيطالية، أما المسار الثاني فيتجه من آغداز غرباً نحو مدينة وارغله بالجزائر، ومنها إلى مدينتي سبتة ومليلة على الحدود بين إسبانيا والمغرب، ويدفع اللاجئون حولي 1300 دولار للمهربين مقابل كل شخص، علاوة على تكاليف تأشيرة دخول الأراضي المالية (حوالي 300 دولار).
مسار محفوف بالمخاطر
بعد رحلة طويلة ومليئة بالمخاطر، يتجمع مئات اللاجئين، أغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ الذين غادروا موريتانيا في قرية الخليل على الحدود المالية الجزائرية في انتظار رحلة العبور إلى أوروبا، فيما لا تزال عائلات أخرى في طريقها إلى الحدود.
ويؤكد محمد أحمد الشيخ، المسؤول بالمنظمة الدولية للهجرة إن مئات المهاجرين السوريين عبروا الحدود الموريتانية المالية باتجاه الجزائر بعد أن تعاملوا مع المهربين الذين ينقلونهم من مدينة الجليل على الحدود المالية إلى مدينة البرج في الجزائر.
ويضيف أن “حوالي 100 مهاجر آخرين علقوا على الشريط الحدودي بعد أن منعتهم السلطات الموريتانية من دخول أراضي مالي بدون تأشيرة، بناء على طلب وجّهته السلطات المالية إلى موريتانيا”.
ويختفي اللاجئون السوريون بهذه الطريقة تدريجياً من شوارع العاصمة الموريتانية نواكشوط، محاولين الدخول إلى أوروبا مروراً بصحارى وبلدان عدة، بل أن كانت للكثيرين منهم موريتانيا مستقرَّاً يعفيهم من مخاطر التنقل عبر الحدود.