قال الأستاذ محمد سعيد باه في تدوينة بتاريخ 17 من الشهر الجاري:
" سألني قارئ: ما الجنسية ؟ قلت: شيئا ثم خشيت غمزة غامز فصححت النسب: مسلم فلاني من بلاد فوتَ تورُ العريقة حيث يسقي النهر السخي تربة الوادي الخصيب! "
في خضمِّ الدعوات المدمِّرة الضيقة السائدة اليوم في عالَميْنا الواقعي و الإفتراضي ، استوقفتني صُدفةً في مكان ما من هذا الفضاء الأزرق هذه النغمة الشاردة التي صدع بها صوت رخيم منبعث غلَبة من شغاف قلب مؤمن كبيرمفعم بالأخوة الإسلامية الحقة فطرِب لها في ما يبدو أخونا الأكبر الحسن بن مولاي ٱعلِ فغرَّد على منوالها برنات ندية متناغمة فقال:
"أحاول أن أقلدك لأتعلم منك! أنا مسلم من البيضان، مضارب أهلي تتردد بين مرتفعات الصحراء ومهابطها على مجرى النهر السخي في الوادي الخصيب" .
فصادف ذلك هوًى في نفسي فبادرتُ إلى طلب صداقة المعنيِّ الذي لم أتعرَّف عليه حتَّى هذه اللحظة فقبل مشكورا فأغراني ما توسمته فيه من وطنية ضاربة في جذور التاريخ بمحاكاة السرب فطفِقت أقول مُعلِّقا و ناظِما لا ناثِرا و مُنشئا لا منشدا و متَّبِعا لا مبتدعا:
قال من أنت؟ قلت إني فخور== بانتماء على " الفُلاَنِ " يدور
و عن الدين إن تسل إن ديني == دين الاسلام لُبُّه لا القشور
و عن الربع إن تسائل فربعي == من عريق الربوع في فوت تورو
حيث يسقي النهر السخي بلادا == بخصيب الوادي : خيام و دور!
و سرعان ما جاءت ردة فعل الأستاذ المغرِّد بعد أن تدرَّج إلى مقام آخر أرقى في مقامات الألحان و لو شئت قلت الإحسان :
" ليتني أملك قدرا كافيا من التبر النفيس من آبار التكرور أجعله مدادا لتسطير فذلتك هذه! لكن دعني أنصب لك راية وسط النهر أنقش عليها درتك لتشع كلما هب النسيم شمالا أو جنوبا. شكرا! "
و هنا دارت في ذاكرتي عظمة التاريخ دورة خاطفة فٱختزلتْ الأحقاب و الأجيال اختزالا و أخذتني نشوة الطرب فأنشأتُ و أنشدتُ مُكمِّلا بلسان الحال على وقعٍ واقعيٍّ لا مُفتَرض لحوافر خيل أجدادنا الفاتحين :
و بذي الدور و الخيام مَنارٌ == و رباط تُحمى لديه الثغور
هدْي يس لابن ياسين منه == بعد طيٍّ بذا الرباط نُشور
فلديْه أحيى قلوبا و كانت == يعتريها من قبل ذاك فتور
حيث أحيى قلبا ليحيى فأضحى == بعْد غيب للقلب منه حُضور
أو غيابٌ في الله في القلب منه == ضاء للحبِّ و الأخوَّة نور
10.عامِرٌ قلبُ " نجلِ عامِرَ" بلْ قلْ == " عُمَرٍ" إنه الأمير الجَسور
ذلك المدُّ مُنكر أنكروه == أَنُكورا لمَدِّه إذ يَثور ؟!
مدَّ مدًّا من ربِّه مُستَمدًّا == و جلا فانجلى الجَحود الكَفور
همة من أئمة كشموس == ورثتها كواكب و بدور
كم قفاهُ منَّا إمامٌ جَسور == ليس يُلفى من فوتَ تورُ القصور
و قفاه من غير فوت هداةٌ == ليس فيهم عن الجهاد نفور
ما قفاه إلاَّ أبيٌّ صبور == ما يُولِّي القفا الأبيُّ الصَّبورُ
لا نباهي بالأصل إلاَّ أُصولا == لوصول للحكم فيه ظهور
ليس فينا تنابزٌ إنما الأل == قاب فيها تنابز و نُفور
شُدَّ منَّا البناء فوق أساس == دعَمتْه لتيرسٍ كَرَكُورُ
20.فإذا ما اشتكى بذا الجسم عضو == تتداعى الأعضاء نعم الشعور
نعمةُ الله هذه فٱشكروها == و لَنعمَ العبدُ الصَّبور الشَّكور
نحن شعب بالدين قد صهرته == لغة الضاد : تبرُها و الشذور
و إذا الدين بيننا قد أُقيمت == بِعُرَاهُ أَواصِرٌ و جُسور
إنما الدينُ ديننا نرتضيه == و لنا فيه غبطة و سرور
وحَّدتنا الأهدافُ ثمَّ حَدَتْنا == للمعالي هَيْنٌ إليها العُبُور
فنبذنا الألوان بِيضا و سُودا == إنَّما اللَّونُ خِدعةٌ و غُرور
و اتَّخذنا تقوى الإله بديلا == إذ عليه تَدور تلك الأمور
ما لِغير الدماء نمتاز لونا == في سجلِّ التاريخ منه سُطور
قد تروَّت سُهولُنا من دِمانا == و تروَّت من الدماء الصخور
30.لا نُريق الدماءَ من غير حق == مُحكمُ الآي وِردُنا و الصدور
بلْ زرعنا في الأرض للحب بذرا == فَمُحاطٌ به على الأرض سُورُ
فاستحالت رَوْضا من الحبِّ غَضًّا == و شذاهُ به تَفوح الزهور
و زهونا بالروض فيه وفاءٌ == و شفاءٌ لما حوته الصدور
و اخترقنا الآفاق ننشر عدلا == زال منه في الأرض ظُلم و جور
و جعلنا للنهر منه مَهادا == حيثُما النهرُ عانقته البُحور
مَعبرٌ إذ يَجتازه كلُّ خير == ليس إلاَّ للخير منه المرور
و إذا ما الشرور وافت فبردا == و سلاما تكون تلك الشرور!
ليس فينا إلاَّ وفيٌّ بعهد == و بوعد على البلاد غَيور
فلِذي الأرض عهدُنا و برور == حُقَّ للأرض عهدُنا و ٱلبرور
40. ذي عُصورٌ فهل نَعودُ إليها == أم إلينا تعود تلك العصور؟!
ملاحظة: يَعتبِر المؤرخ الموريتاني الكبير محمد مولود بن دادَّاه رحمه الله من أفدح الأخطاء الشائعة في أوساطنا الثقافية ما منها يتعلق برموزنا الحضارية كقولنا أبوبكر بن " عامر" بدلا من " عُمَر " و "شنقيط" بدون " ي" بدل " شنقييطي" مع إثبات الياء في آخرها.
رحم الله السلف و بارك في الخلف.
الإداري محمدن ولد سيدي الملقب بدن