تتضاعف معاناة وظلم النساء في أقلية الروهينغا المسلمة، في ظل الفصل العنصري الصامت، وواقعها المخزي في بورما. هذه الأقلية التي يعيش أفرادها في فقر مدقع، مجتمعين في مخيمات، وتتحكم بمصيرهم الأكثرية البوذية التي تشكل 90 في المائة من سكان بورما.
يشير تقرير نشرته المجلة الفرنسية "ماري كلير" إلى رحلة العذاب التي عاشتها ياسمين الأرملة والبالغة من العمر 27 عاماً، وهي من الروهينغا، عندما قررت يوماً أن تغادر مع أطفالها الأربعة على متن قارب متوجه إلى ماليزيا.
وتتحدث ياسمين عن تفاصيل رحلتها المضنية على مدى شهرين على القارب، ساكتين ويقتاتون بالقليل من الأرز وبماء البحر المعالج بالكلور. وكيف انتهى مشوارها اليائس بعودتها من حيث أتت.
ويوضح التقرير أن 200 ألف نسمة من الروهينغا، من أصل 800 ألف منهم (تقديرات الأمم المتحدة)، اقتلعوا من ديارهم بعد الاشتباكات العنيفة، والتي راح ضحيتها نحو 200 ألف آخرين من الروهينغا في العام 2012، التي وقعت بينهم وبين الأكثرية البوذية في بورما، والتي شكلت نقطة فاصلة لا يمكن العودة إلى ما قبلها بسبب ترسيخ سياسة الفصل العنصري ضدهم. وأدى ذلك إلى موجة نزوح واسعة باتجاه بنغلاديش وماليويا، وعدة مناطق داخل تايلاند.
ومنذ العام 1982، لم تكن أقلية الروهينغا من ضمن 135 أقلية أخرى معترف بها رسمياً في بورما. وصنفت الأمم المتحدة تلك الأقلية العديمة الجنسية على أنها واحدة من المجموعات العرقية الأكثر اضطهاداً في العالم. جرى نقلهم إلى ضواحي منطقة سيتوي في ولاية أراكان. وعاش أفرادها في مخيمات، كانت مثل القرى المعزولة، وأشبه بالسجن المفتوح، تحت رقابة الشرطة الدائمة.
ويلفت التقرير إلى شهادة إحدى الممرضات، وتدعى ساندرا، وتعمل في مستوصف يديره بعض التجار وأطباء بوذيون، وتقول إن المرضى المسلمين تُساء معاملتهم، كما تُجرى لبعض النساء عمليات إجهاض قسرية.
كما تستند إلى تقرير وثقته "هيومن رايتس ووتش" ويعود لعام 2013، ويشير إلى حالات تعقيم قسرية وإلى حرمان من الرعاية الطبية كشكل من أشكال الانتهاكات التي ترتكب ضد أقلية الروهينغا المسلمة.
ويؤكد تقرير المجلة أن الحديث في بورما عن أقلية الروهينغا، يعتبر من المحرمات، ويسبب إحراجاً للمعارضة البورمية الفائزة بجائزة نوبل للسلام أونغ سان سو كي. كما أن منظمات الإغاثة والصحافيين يتجنبون قدر الإمكان الإشارة إلى أوضاع تلك الأقلية والبحث في ظروفها، لافتة إلى أن منظمة أطباء بلا حدود تم طردها من الأراضي البورمية في العام 2014، بعد أن اتهمتها السلطات بتعاطفها مع المسلمين.
سيدة من الروهينغا تبكي مصيرها بعد نزوحها قسراً إلى ماليزيا (فرانس برس/GETTY)
إحدى الناشطات من الروهيغنا وتدعى واي واي نو، وهي من النساء النادرات من الروهينغا اللواتي يتحدين الواقع، والتي أسست بعد خروجها في العام 2012 شبكة النساء من أجل السلام في أراكان، التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان ضد السكان المسلمين، بعد أن أمضت فيه 7 سنوات، تقول "معاناة النساء هنا مزدوجة، يتعرضن للتمييز في مجتمعهم الضيق ولهيمنة الذكور وللعنف المنزلي، كما تنال نصيبها من الترهيب، والخضوع لشروط قبول زواج المسلمين التي تفرضها السلطات، إضافة لإخضاعهن لاختبارات العذرية المهينة".
الهرب هو ما يختاره كثيرون من سكان أراكان، فخلال السنوات الثلاث الماضية غادر نحو 150 ألفاً، أي نحو 10 في المائة منهم. يقنعهم سماسرة التهريب بوعودهم الكاذبة، وغالباً ما يستقر بهم الحال في إحدى الغابات التايلاندية، حيث يحتجزهم المهربون سعياً لنيل فدية مقابل تحريرهم، كما أن الفتيات يتم بيعهن لشبكات الدعارة.
ويعتبر التقرير أن بورما شهدت في السنوات الأخيرة ظهور حركات متطرفة منها حركة 969 التي يتزعمها الراهب البوذي ويراثو، الذي أقر قانوناً خاصاً بالحركة يمنع الزواج بنساء غير بوذيات، وكذلك حركة يطلق عليها "بن لادن البورمية" التي تروج في حملاتها لسياسة تحديد نسل السكان المسلمين.