حدث إكس ولد اكرك قال: كان لأحمد ولد الديد "مرابط" يدرس القرآن لأبنائه، وكان الزمن "توجي" حيث يتعارك البدو الرحل مع تقلبات الطقس والبحث عن بقايا،
ما انبتته الأرض في فصل الخريف،
وكان لولد الديد شاب ظريف ينادمه عرف بالفكاهة يلازم الأمير الذي يجاوره في حيه الكثير من أتباعه ومحبيه.
مرض "لمرابط" بحمى شديدة ازدادت عليه وأدخلته في حالة من اللاوعي، وكان لابد للحي من الرحيل واللحاق بالقطعان التي يسيرها رعاة يعيشون في دوامة من الرحيل المستمر.
اختار أحمد للديد نديمه وكلفه بالبقاء مع "لمرابط" حتى يتعافى، وقال له: لديكم الماء والأكل وهذا المركوب القوي إن أفاق الرجل احمله والحق بنا.
في مساء الغد رأى الحي النديم قادما يحث السير على الجمل، وسأله ولد الديد:
ـ أين "لمرابط"؟ وأجاب النديم بوجه يكسوه الإنكسار والأسى:
ـ رحم عليه ...
ـ أرحم عليه؟ لا حول ولا قوة إلا بالله ... كيف ذلك؟ أجاب النديم وهو يبتلع ريقه بصعوبة:
ـ فعل الله به قضاءه هذا الصباح ..
ـ وهل تم تجهيزه؟ نادوا لي بعض الرجال لنذهب لتجهيزه .. تنحنح النديم وقال له:
ـ إنه رجل صالح، أفاق في الصباح وفتح عينيه ووجهه يتلألأ نورا وبركة ونطق الشهادتين وسالت روحه وهو متجه للقبلة، فضاقت علي الأرض بما رحبت وأنا الذي لم أغسل ميتا في حياتي ...
وبينما أنا أفكر ترائى لي ركب من الرجال ما إن "قعدوا" معي وإذا بهم سبعة رجال قدموا من المحظرة وقد أكملو العلم و"طاحت لهم الجنازة من السماء" و"تقنوها" ولم أر مثل ما عملوا في تغسيله وتكفينه من الإتقان في حياتي، وجلسو معي حتى عملوا له ختمة وتوادعت معهم وجئتكم.
امتلأت نظرات الأمير بالأسى وقال:
ـ اللهم اغفر له وارحمه، لكلٍ أجل كتاب، لا بد من البحث عن أهله وتبليغهم نبأ وفاته ووصلهم.
ونطق النديم وقد بدأ الأسى يتبدد من محياه:
ـ لقد حدثني كثيرا أنه "مقطوع من أجدر" وأنه لا أهل له، أيها الأمير كم مضى له معك؟
عدة سنوات
هل سافر مرة لأهله؟
هو لا أهل له؟
ما ينفعه الحين هو الدعاء بالرحمة والمغفرة.
بعد عدة أشهر كان ولد الديد يجلس في خيمته وإذا بصوت يعرفه جيدا يسلم عليه، نظر فإذا "لمرابط" مدرس القرآن،
نطقت إحدى النسوة:
ـ يخوت ذا المرحوم؟
وفهم ولد الديد الأمر ورحب بالمرابط وأخبره أن النديم ادعى لهم أنه توفي فتحدث "لمرابط"
لا أدري كم مضى من الوقت، لكن العطش والحر ايقظاني وإذا بي وحيدا تحت "ظلالة" والحي قد ارتحلوا وتحاملت على نفسي حتى وصلت البئر وانتظرت حتى قدم الرعاة وساعدوني على الوصول لأهلي وتعالجت ومنذ شهر وأنا أبحث عنكم.
طلب ولد الديد من لمرابط بعد أن سقاه وأطعمه أن يتغطى في جنب الخيمة، ولم يطل الأمر وإذا بالنديم قادم وتسائل:
ـ من النائم؟ قال ولد الديد:
ـ إنه ضيف مار يبحث عن بعض الضوال،
حدثني يا أنت، لا يزال عجبي من قصتك مع لمرابط والسبعة رجال، هل تعرف مكان قبره؟ أود أن أزوره لو ذهبت معك هل تدلني عليه؟
عدل النديم من جلسته وقال:
ـ "والله" "أفطن بعد أني نستهد أعليه أمغمظ عيني" تسائل ولد الديد:
ـ لكن كيف ستستدل عليه؟ بادره النديم:
ـ "يخوي تميت آن و الرجاله السبعة انهيلو أعليه من لخشب إلين أبك معلم ما ايكد ينذهب عنو"
نهض الضيف وقال بنبرة غضب واستنكار:
ـ تتفائل لي يا هذا بالموت وتعرف مكان قبري وأنا حي أرزق؟..
انتفض النديم ولم تأخذ له المفاجأة وقتا طويلا وخاطب ولد الديد بلغة واثقة يطبعها الجد:
ـ "أهه هذا خرج من قبره وساوها الطلبة"
"هم لا يموتون ويخرجون من قبورهم باستمرار"
ثم كسا صوته الجد وخاطب الأمير الذي قارب أن ينفجر من الضحك:
ـ "احذر أيها الأمير ودع سلاحك بجانبك فوالله لا تأمن أن يخرج من يعرفهم أجدادك من قبورهم".
مريم بنت زيدون