صدرت حديثا للكاتب والباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية والفكر الإسلامي، إدريس الكنبوري، رواية تحت عنوان "زمن الخوف"، تتناول في قالب روائي أحداث المذبحة التي وقعت عام 1956 بمدينة سوق أربعاء الغرب، وذهب ضحيتها العديد من الأشخاص خصوصا من حزب الشورى والاستقلال، الذي كان زعيمه هو محمد بن الحسن الوزاني.
رواية الكنبوري هي أول عمل روائي مغربي يفتح ملف تلك الأحداث، بعد ما يقترب من نصف قرن على حصولها. وقد وقعت تلك المذبحة أشهرا قليلة جدا بعد حصول المغرب على الاستقلال، حيث كان الحزبان القويان آنذاك، وهما حزب الاستقلال الذي كان يتزعمه علال الفاسي وحزب الشورى والاستقلال الذي كان يتزعمه الوزاني، يتصارعان في الحلبة السياسية، وكان حزب الاستقلال يسعى ليكون الحزب الوحيد بالمغرب، ما دفعه للقضاء على حزب الشورى من أجل الهيمنة السياسية المطلقة على الحياة السياسية في المغرب.
المؤلف دبج روايته، وهي العمل الإبداعي الأول له بعد عدة مؤلفات في الحركات الإسلامية والشأن الديني، بفقرة من كتاب "تاريخ الضعيف الرباطي"، الذي يؤرخ لتاريخ الدولة السعدية، تتحدث عن حالة السيبة والفوضى التي انتشرت في ذلك العصر، ليحيل بها المؤلف إلى أن المغرب في بداية الاستقلال كان شبيها بواقع الدولة السعدية في أواخر أيامها، حيث جاء في كتاب الضعيف الرباطي: "وأوقعوا بهم وقعة هائلة حتى كانوا يقتلون الناس في وسط القبة، ولا يتركون الصغير ولا الكبير، ويشقون على بطون النساء ويجبدون الجنين ويضربونه بالسيف، فتلطخت القبة بالدم، ونهبوا أموالهم وسبوا نساءهم وأخذوا ما وجدوا عندهم وتركوهم حفاة عراة".
كما دبج المؤلف أيضا روايته بفقرة من تقرير صحافي نشرته جريدة "السعادة" أثناء حصول المذبحة المذكورة.
أحداث الرواية
رواية "زمن الخوف" تجري وقائعها في ضواحي مدينة سوق أربعاء الغرب، المسرح الذي وقعت فيه المذبحة، حيث توجد قبيلتان بينهما عداوة تاريخية تعود إلى حقبة الاستعمار الفرنسي، وورثها الجيل الجديد في عهد الاستقلال، ذلك أن القبيلة الأولى، وهي بوحزيطات، كانت تميل إلى حزب الشورى والاستقلال، بينما قبيلة الحشالفة كانت تميل إلى حزب الاستقلال.
ويطلق المؤلف على القبيلة الأولى تسمية القوميين، وعلى القبيلة الثانية تسمية الحزبيين، وهما التسميتان اللتان كانتا تطلقان على أتباع الحزبين المتصارعين في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
بطل الرواية تلميذ شاب يدرس بالمدرسة الوحيدة في القرية، في بداية السبعينيات، على يد مدرس القسم عبود، الذي يستغل الفرصة ذات يوم فيحكي للبطل مجريات الأحداث، التي كادت القريتان تنساها، لولا وقوع أزمة بينهما أحيت الماضي البائس، وجعلت البطل يعيش معاناة قوية بسبب هيمنة قرية الحشالفة على قبيلته، وسطوة القائد الياديني الذي كان عضوا في حزب الاستقلال، وجمع ثروة طائلة بتعامله مع الاستعمار، وسرقة المغاربة الذين كان بعض أعضاء الحزب يتهمونهم بالخيانة الوطنية كذبا وزورا لأخذ ممتلكاتهم وأراضيهم. وذات يوم يقرر شيخ القبيلة الثانية، والذي يسمى سيدي بوغالم، الانتقام من قبيلة الحشالفة واختطاف القائد الياديني، في عملية ليلية يشارك فيها البطل الشاب، وبذلك تنتهي الرواية نهاية مفتوحة، لتترك القارئ يشارك في رسم مستقبلها.
بداية المرض
يقول المدرس عبود للبطل الشاب، وهو يشرح له وقائع مذبحة 1956 بين حزب الشورى والاستقلال وحزب الاستقلال: "هذه المرحلة تركت أعراضا مرضية لا زلنا نعانيها حتى اليوم، بداية المرض كانت من هناك". وعندما يريد أن يشرح له ما وقع بين القبيلتين، بعد الصراع الذي حصل بينهما بسبب قتل ذئب، يؤكد المدرس للبطل الشاب أن التاريخ لم يكتب كله بطريقة سليمة، حيث جاء على لسانه: "التاريخ الذي يجب أن نقرأه هو التاريخ الحقيقي، وهذا ليس مكتوبا كله، ولكنه ما يزال موجودا في صدور الرجال، لكنهم يعيشونه كقصص، لا كتاريخ، وهذا ما حصل مع حادث الذئب. التاريخ ليس ذئابا وحيوانات، التاريخ وقائع"، إلى أن يقول في فصل آخر من الرواية: "التاريخ شيء مخيف، غول، لأن الناس تخشى التحديق في الخلف حتى لا تسقط".
اقتحام الباحث الكنبوري لمجال الرواية، انطلاقا من هذا الحدث الذي يلتقي فيه التاريخ مع السياسة، قد يثير أسئلة كثيرة حول أهمية هذه العودة إلى حقبة تاريخية ماضية، وتعدد الزوايا التي ينظر بها الباحثون إلى هذا الموضوع. ومهما كان رأي النقاد في هذا العمل الروائي الذي يفتح ملفا مسكوتا عنه، فإن تجربة الكنبوري تعيد إلى أذهاننا لجوء بعض الباحثين والمفكرين المغاربة إلى الرواية لكي يقولوا من خلالها ما لا يقولونه في دراساتهم، أمثال عبد الله العروي وأحمد التوفيق وبنسالم حميش، خاصة أن الرواية التي بين أيدينا ليست رواية خيالية فقط، بل رواية تعتمد على واقع تاريخي حصل في المغرب، أعاد المؤلف كتابته بطريقة العمل الأدبي المتخيل.