إعلانات

خواطر حول "التأسيس الجديد" في تونس بعد الثورة

جمعة, 23/08/2024 - 22:53

لفهم الأطروحات السياسية المهيمنة على المشهد التونسي وعلاقتها الملتبسة بـ"الجمهورية الأولى" -أي بالنظام القديم في مرحلتيه الدستورية والتجمعية- وللوقوف على الآثار الكارثية لتلك العلاقة غير المتكافئة نظريا وواقعيا، فإننا لن نجد أفضل من أطروحة مهمّشة بعد الثورة ألا وهي أطروحة "الجمهورية الثانية". وقد كان المعارض المرحوم طارق المكي (غرة كانون الثاني/ يناير 2013) قد أسس حزبا يحمل هذا الاسم، بما يحمله من دلالات رمزية ومن تناقضات داخلية أكدتها مواقف المرحوم قبل الثورة وبعدها.
فـ"الجمهورية الثانية" هي حزب غير قانوني قبل الثورة، وهو حزب يكاد زعيمه أن يتماهى مع البورقيبية رغم نقده الحاد لنظام المخلوع الذي ورثها؛ كما كان زعيم "الجمهورية الثانية" أول من أشاع مقولة "ديغاج" (ارحل) التي تحولت إلى أيقونة من أيقونات "الربيع العربي"؛ وكان أول من وظّف وسائل التواصل الاجتماعي بصورة ممنهجة (سلسلة "ألف ليلة وليلى) عبر موقعي "الدايلي موشن" و"يوتيوب" لإحراج النظام داخليا وخارجيا، وذلك رغم سياسة حجب المواقع في تونس قبل الثورة؛ وهو أخيرا تلك الشخصية المهمشة شعبيا ونخبويا بعد الثورة، بحيث لم يحضر في جنازته -بعد موته المريب بسكتة قلبية- أبرزُ الوجوه السياسية والحقوقية من مختلف التيارات الفكرية.
النجاح الأبرز لمنظومة الاستعمار الداخلي أو للدولة العميقة بعد "الثورة" كان هو الفصل بين نظام المخلوع والبورقيبية من جهة أولى، ومن جهة ثانية نجاحها في حرف الصراع عن مداراته الاقتصادية والاجتماعية إلى مدار هوياتي أساسه التقابل بين "العائلة الديمقراطية" التي تشمل "الدساترة" (أي التجمعيين) وبين "الظلاميين" و"الرجعيين" المهددين للنمط المجتمعي التونسي بقيادة حركة النهضة