لو كانت حركة حماس ستنكسر باغتيال رموزها وقادتها لحدث ذلك فعلاً في العام 2004 عندما اغتالت إسرائيل مؤسس الحركة وزعيمها الشيخ أحمد ياسين، ومعه كافة القادة الكبار آنذاك، لكنَّ الحركة واصلت الصعود وبعد أقل من ثلاث سنوات على تصفية الصف الأول من قادتها كانت تسيطر على قطاع غزة، وسرعان ما حولته إلى قاعدة لإطلاق الصواريخ باتجاه المواقع الإسرائيلية.
في الحركات المؤسسية فإن غياب الأفراد لا يؤثر على المسيرة، بل يزيدها قوة ويضخ فيها مزيداً من الحيوية، وهذا ما حدث سابقاً مع حركة حماس ومع الجهاد الإسلامي ومختلف الفصائل الأخرى.
في العام 2002 اغتالت قوات الاحتلال الإسرائيلي زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى، فكان الرد بتشكيل كتائب مسلحة باسمه تتبع للجبهة، وهي التي استطاعت أن تُعيد الحيوية من جديد في هذه الحركة اليسارية التي كانت تواجه الضعف والانكفاء منذ العام 1990.
لدى إسرائيل تاريخ طويل من الاغتيالات التي استهدفت بها الفصائل الفلسطينية، سواء حماس أو فتح أو الجهاد الإسلامي أو غيرهم، وحصيلة هذا المشوار الطويل من الاغتيالات هو أن تل أبيب فشلت في القضاء على هذه الحركات، لا بل إنها كانت تشهد طفرة وحيوية بعد كل موجة من الاغتيالات.
بنية حركة حماس تعتمد على عاملين أساسيين يُقللان من أهمية الأفراد في صناعة القرار ودورهم في القيادة، وخاصة في الجناح السياسي الذي كان يقوده هنية.
العامل الأول هو المؤسسية، حيث إن حماس مكونة من هيئات ومجالس ويتم اتخاذ القرار فيها بالشورى والتصويت والمداولات واستمزاج الآراء، بما يجعل أي قرار في نهاية المطاف هو حصيلة رأي عام لدى الحركة وليس موقفاً فردياً من شخص ما.
أما العامل الثاني فهو أنها حركة عقائدية، تستمد أدبياتها من نصوص الدين الإسلامي وتاريخه النضالي، وهي غنية بالحث على الصمود ووعود ما بعد الموت بالنسبة للشهداء.
والخلاصة هي أن اغتيال إسماعيل هنية لن يشكل ضربة إسرائيلية لحركة حماس ولن يؤثر في مسار الحرب بغزة، تماماً كما حدث باغتيال نائبه صالح العاروري قبل شهور والذي لم يحقق لإسرائيل سوى الإنجاز الرمزي المطلوب تسويقه أمام الرأي العام الداخلي.
أما القول بأن اغتيال هنية هو اختراق أمني إسرائيلي، فهو غير صحيح بالمطلق، بل المشهد على العكس من ذلك تماماً، حيث إن الرجل كان في زيارة رسمية وعلنية لإيران وشارك في حفل تنصيب الرئيس، وهو مناسبة شاهدها العالم بأكمله، وهذا جعل من السهل جداً رصده وتتبعه بواسطة الأقمار الصناعية، ومن ثم اغتياله.
ما حدث هو أنَّ إسرائيل فشلت طوال الشهور العشرة الماضية في الوصول لهنية، ولم تتمكن منه إلا عندما خرج الى العلن في مناسبة عامة. وهو الأمر ذاته الذي حدث مع العاروري أيضاً حيث إنه كان موجوداً في مكتبه الرسمي ببيروت، وهو مكان ليس من الصعب معرفته أو تحديده، ولم يكن متوارياً أو متخفياً أو هارباً.