إعلانات

حرب السودان في عامها الثاني.. مفترق طرق ونفق مجهول المصير

أربعاء, 26/06/2024 - 12:17

أفرزت الحرب في السودان واقعًا جديدًا واستقطابًا حادًا ليس فقط بين الفرقاء السياسيين في الداخل، ولا بين المتقاتلين: القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، ولا فقط بين الفاعلين الإقليميين من حولنا وجوارنا، لكن امتد الاستقطاب والتنازع ليصبح السودان مع بداية العام الثاني للحرب مركزًا للنزاع بين القوى العالمية المحتشدة في الإقليم حولنا.

استفادت قوات الدعم السريع من مؤسِّسها وطالب حمايتها عمر البشير، وحاضنتها أجهزة أمن الإنقاذ ونافذي المؤتمر الوطني، ومن تراكم الدعم العسكري واللوجيستي المكثّف أواخر سنوات الإنقاذ، وخلال العامين ما بين أغسطس/آب 2019م وحتى أكتوبر/تشرين الأول 2021م من حكم تحالف الحرية والتغيير والعسكر، تمددت القوة العسكرية للدعم السريع بمختلف الأسلحة في غالب مدن السودان.

صنعت قوات الدعم السريع ما يمكن تسميته بالدولة الموازية داخل السودان بموافقة البرهان لاعتبارات تضمن البقاء له في رأس السلطة، وتمددت علاقة الدعم السريع الخارجية لتشمل فاغنر في أقصى الشرق إضافة لداعمين آخرين لتقسيم السودان والاستحواذ على موارده، في حين كان هدف بعض الدول الأوروبية في علاقتها بالدعم السريع هو قيام قواتها بمحاربة خطوط الهجرة نحو أوروبا.

مقابل ذلك تراجعت قدرات الجيش السوداني وتوقف تجنيد القوات البرية في صفوفه عمدًا بفعل الإنقاذ التي كانت تخشى في آخر سنواتها انقلاب الجيش عليها. تعاظُم قدرات الدعم السريع وانتشارها دفعها لتحديد زمان وأمكنة الانقلاب على الدولة السودانية، "دولة 56" كما يسمونها لتقوم على أنقاضها دولة المليشيات الجديدة بمختلف مسمياتها التي تبرز أحيانًا في ألسنة قادتها ويستَحُون منها أحيانًا أخرى. الخارج الذي خطط من قبل لتقسيم السودان وتمدّد حروبه وجد فيها مخلب القط لتنفيذ مآربه.

اندلعت الحرب واحتلت الدعم السريع منازل وأعيان المواطنين في الخرطوم، ودارفور، والجزيرة، تشرد أهل السودان الذين نجوا من جحيمها، وفقد عشرات الآلاف أرواحهم في مختلف مدنه، بشهادة المنظمات الأممية. لقد تم نشر الفساد بمختلف وسائله، واغتصبت النساء، وسلبت ونهبت الممتلكات.

رُوعت ولاية الجزيرة من قبل الدعم السريع التي استباحت مناطق واسعة منها. واستهدفت المناطق الزراعية رغم خلوها التام من أي مركز أو وحدة عسكرية.

تقلّبت الأوضاع العسكرية خلال العام الأول للحرب. استفادت الدعم السريع من مناصريها السياسيين الذين تشكلوا ما بين رموز للنظام السابق، ومجموعاتٍ من قوى الحرية والتغيير التي منّت نفسها بالعودة لكرسي السلطة تحت حماية الدعم السريع، وبعضٍ من قادة ورموز قبائل تحلم بالهيمنة على حكم السودان ووصله بمجموعاتهم العرقية والإثنية.

الجيش السوداني الخارج من إضعاف الإنقاذ له، امتصّ الصدمة خلال الشهور الأولى، وتحسّس مواطن وجوده ليكتشف إحاطة الدعم السريع بعدد من مواقعه. أعاد التموضع واستفاد من النقمة الشعبية المتزايدة على الدعم السريع. انتبه الجيش السوداني إلى ضرورة إحداث توازن دعم خارجي خاصة لإمدادات السلاح، فدخلت المسيّرات وعززت سلاح الطيران، وتمددت علاقات الجيش الخارجية عسكريًا.

عام التدخل الخارجي المكشوف

أخذت الحرب مع بداية عامها الثاني منحى جديدًا يعكس بوضوح التدخل الخارجي المكشوف في الحرب إمدادًا بالسلاح والعتاد والمسيّرات. لم تعد تخفي الدعم السريع الإمدادات التي تردها في وضح النهار عبر مطار مخصص لذلك في تشاد، كما لم يعد الجيش يخفي علاقاته العسكرية مع إيران، وروسيا. أصبح السودان مع بداية العام الثاني للحرب مسرحًا مفتوحًا للصراع العالمي، والموقع الجغرافي بأسره قد ازدحم بمعطيات جديدة:

تمدّدت روسيا بكثافة في وسط وغرب أفريقيا، حاصرت الوجود الفرنسي وطردته من معاقله، فمن أفريقيا الوسطى إلى النيجر وإلى بوركينا فاسو ومالي، تدحرج النفوذ الفرنسي تمامًا من المنطقة التي تعتبر واحدة من أغنى مناطق أفريقيا بالموارد الطبيعية، وتوالى خروج الوحدات العسكرية والشّركات الفرنسية تباعًا من تلك الدول التي بدأ يحضر على مسرح الأحداث فيها الدبّ الروسي والتنين الصيني.