سيأخذ مشروع خط المغرب -نيجيريا لنقل الغاز الرابط بين افريقيا و اوروبا أبعادا أكثر أهمية بعد اكتشاف كميات ضخمة من العاز في موريتانيا.
هذه الاحتياطات الكبيرة ستسهم من جهة في تنمية الاقتصاد الوطني ومن جهة أخرى سترفع من عائدات واستمرار خط نقل الغاز المغرب- نيجيريا.
إن باطن الأرض الموريتانية مصدر لموارد معدنية متنوعة تشمل النحاس والذهب والحديد واليورانيوم.. وستصبح موارد صيد الأسماك والبترول هامشية عند بدء انتاج الغاز الطبيعي.
ويتوقع محللون أن تصبح هذه الاكتشافات أكثر مردودية بعد الانتهاء من خط نيجيريا –المغرب، حيث سيمكن هذا المشروع من نقل الغاز إلى أوروبا و عبرعدة دول في افريقيا الغربية.
وفي هذا التحليل نتتبع تطورغاز موريتانيا والتحديات الاستراتيجية للبدء الوشيك لإنتاجه.
مسار اكتشاف غاز موريتانيا
يمتد حوض الغازعلى الساحل من موريتانيا الى غينيا كوناكيري ويشمل السنغال وكامبيا وغينيا بيساو.
ويمثل منطقة جيولوجية تحتوي على موارد جديدة للطاقة، وقد أكدت الكشوف الجديدة للبترول والغاز في المنطقة وجود هذه المورد الهام مما ضاعف من اهتمام المستثمرين.
وقد مكن استئناف التنقيب عن البترول في موريتانيا عام 2001م، من اكتشاف حقل شنقيط الضخم في عرض سواحل البلد. غير أن هذ الحقل قد جرى التخلي عنه بسبب الانخفاض السريع في الانتاج حيث تقلص من 75.000 برميل، يوميا الى 4000 في العام 2007م.
وبموازة ذلك كلفت الحكومة الموريتانية شركة بريتيش بيتروليوم بإعداد دراسة جدوى من أجل استغلال حقل السلحفاة الكبير بعد اكتشاف احتياط مؤكد عام 2015.
وتم اكتشاف حقل السلحفاة الكبير في أغوار البترول داخل القنوات القديمة البحرية لدلتا نهر السنغال الموجودة على الحدود المشتركة للبلدين.
وفي نفس الظروف البيئية القديمة (القنوات) فإن استمرار التنقيب مكن عام 2019 من اكتشاف الحقل الضخم المسمى "بير الله".
وبناء على هذه الاكتشافات المتواصلة ستصبح موريتانيا من المنتجين البارزين للغاز بعد نيجيريا والجزئر و الموزمبيق؛ وذلك بسبب امتلاكها لثلاثة حقول ضخمة من الغاز هي :السلحفاة الكبرى التي تبلغ احتياطاته 15 تريليون متر مكعب، وبير الله 50 تريليون متر مكعب، وباندا تريليون واحد.
ومن المنتظر أن يدر استغلال هذا الحقل دخلا غير مسبوق على هذ البلد الذي يعاني من مشاكل تعيق تنميته؛ حيث سيدر مشروع السلحفاة الكبير وحده 150 مليون دولار سنويا عندما ينتهي دفع كلفة الاستثمار. ويمثل هذا المبلغ ضعفي عائدات اتفاق الصيد مع الاتحاد الأوروبي البالغ 60 مليون يورو.
وبالرغم من أن الأرض تزخر بثروات هائلة فإنه يبدو أن البلد والسكان لا يستفيدان بسبب ضخامة الأموال اللازمة للاستغلال. وقد بلغ الدين الوطني نسبة 63.53 %من الناتج المحلي الخام عام 2023. و يعيش 56.9 %من السكان فقرا في جميع المجالات.
وبالاعتماد على تجارب سابقة أبدت الحكومة ارادة سياسية واضحة تتمثل في استغلال الغاز بشكل معقلن مع الاستثمار في مشروعات أكثر ديمومة ودخلا مثل الهيدروجين الأخضر والطاقات المتجددة مع أن تنفيذ هذا الطموح يتطلب أموالا معتبرة.
انطلاق حقل السلحفاة الكبير آحمييم
اكتشف هذا الحقل عام 2015 وتبين أنه يحوي15 تريليون مترا مكعبا، أي ما يعادل 424 مليار متر مكعب من الغاز المؤكد.
ويتوزع رأسمال هذا المشروع بين شركة بريتش بيتروليوم بنسبة 62% وكوسموس بـــ 29 % والشركة الموريتانية للمحروقات والاملاك المعدنية بـ 5%.
وبما أن الحقل يقع على عمق أكثر 2.500 متر فإن الاستغلال يتطلب تركيب منصة انتاج في المياه العميقة مكونة من وحدة طافية للإنتاج والتخزين والتفريغ وآبار تحت سطح الماء.
وفي اطار هذا المشروع فإن وحدة GIMI قد تم الحصول عليها بموجب اتفاق ايجار وتشغيل لمدة عشرين عاما بين BB و Golar LNG؛ ويبدأ فور تركيب منصة الانتاج. وستمكن هذه المنصة من انتاج مليونين ونصف طن من الغاز الطبيعي المسال في المرحلة الأولى.
وقد أخرت جائحة كوفيد19 تسليم الوحدة GIMI واثرت على بداية انتاج الحقل. ومع وصولها بداية 2024 تقرر تأخير بدء الانتاج الى غاية الربع الأخير من نفس العام. ويتوقع أن تستمر مردودية انتاج الحقل ثلاثين عاما.
تطوير حقل بيرالله
وشمال السلحفاة يقع حقل بير الله الذي هو أكبر مخزون للغاز في موريتانيا، إذ يبلغ 50 ألف تريليون قدم مكعب أي 1.41مليار مترا مكعبا أو1.410 مليار متر مكعب.
وفي الوقت الحالي فإن مشروع بير الله مازال في مرحلة التطوير من أجل اقرار خطة تمويل المشروع التابع لبريتيش بيتروليوم وكوسموس إينيرجي.
ويتطلب اتخاذ القرار النهائي أن تستمر الأشغال ثلاثين شهرا.
ارتفعت حصة الحكومة الموريتانية بالمقارنة مع المشاريع السابقة فوصلت الى 29 %. وفي الظروف العادية سيبدأ استغلال هذا المورد نهاية 2028 وينتظر أن يستمر إلى غاية 2060 حيث يكون قد بلغ حده.
حقل باندا والبحث عن تمويل
وهو الاصغر، ويضم احتياطا مؤكدا يبلغ 33.98 مليار متر مكعب. و سيوجه استغلال هذا الحقل إلى انتاج الكهرباء باستخدام الغاز.
وهو الآن في توقف بعد أن تخلت عنه شركة تيلاو أويل.
ورغم ءلك تعمل الحكومة الموريتانية من أجل استغلاله في كهرباء الصناعة المنجمية. وتجري دراسة الجدوى لهذا المشروع.
آفاق انتاج الغاز في موريتانيا
يهدف خط المغرب- نيجيريا الى نقل الغاز النيجيري الى أروبا الغربية عبر عدة دول في غرب افريقيا. وكان ينظر الى هذا المشروع على أنه سيكون مفيدا لموريتانيا لأنه سيضمن تسويقا أفضل، من ناحية، وسيحد من كلفة نقل الغاز المنتوج في هذا البلد.
فالجزائر اليوم تفوق نيجريا في مجال تسويق الغاز بسبب قربها من أوروبا و استثمارها في ثلاثة خطوط لنقل الغاز.
وإلى جانب فرص موريتانيا التي تواجه تحد يتمثل في خروج عدة شركات استكشاف. ففي الفترة ما بين 2019 و2024 تخلت توتال وشيل وإيكسون وغيرهما.. عن الاستكشاف في المياه الإقليمية الموريتانية؛ ولم يبق الا بريتش بيتروليوم وكوسموس العاملتين في حقلي بير الله والسلحفاة.
وقد فسر مختصون هذا الانسحاب بعدة آراء منها:
- أن طريقة الحفر البري ذات كلفة وخطورة كبيرتين. ولا يمكن أن يستثمر فيها الا الشركات الكبرى .
- أن الاهتمام بالشواطئ الموريتانية قد بلغ مداه وأن احتمال اكتشاف موارد أكبر صار ضئيلا.
وبالرغم من سياسة الانفتاح، يتعين على الحكومة الموريتانية أن تتبع نظاما ضريبيا مشجعا للمستثمرين الجدد.