إعلانات

تعديل مدونة الأسرة بالمغرب.. صراع الأولويات بين الإيديولوجيا والحقيقة الاجتماعية

سبت, 18/11/2023 - 12:30

يعرفالمغرب هذه الأيام دينامية تشاورية واسعة من أجل تعديل مدونة الأسرة بعد أن استغرق العمل بموادها حوالي عقدين من الزمن، وذلك منذ تاريخ إقرارها في مجلس النواب سنة 2004.
الملك محمد السادس، دعا في خطابين متتالين، خطاب العرش وخطاب افتتاح البرلمان إلى تعديل مدونة الأسرة، بقصد استدراك النقائص التي أبان عنها واقع التطبيق، وأسند في رسالة موجهة إلى رئيس الحكومة الإشراف على مراجعة المدونة إلى ثلاثة مكونات تشترك في الهم القانوني والقضائي، وهي: وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، على أن يتم إشراك الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وأن يتم الانفتاح على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين، وترفع بعد ذلك المقترحات التعديلية المنبثقة من المشاورات التشاركية الواسعة إلى نظره  وذلك في أجل أقصاه ستة اشهر، لتقوم الحكومة بعد ذلك بإعداد مشروع قانون مستخلص من المخرجات التي اقرها النظر الشريف، لتعرض على مصادقة البرلمان.
عدد كبير من الجمعيات النسائية والحقوقية، اعتبروا الدعوة الملكية لمراجعة مدونة الأسرة مناسبة أخرى لممارسة الضغط من أجل تحقيق مكاسب جديدة تحسب على الاقتراب إلى المرجعية الحقوقية الدولية ومراجعة مواد المدونة التي تتعارض مع الاتفاقيات الدولية والبروتوكولات الاختيارية التي صادق عليها المغرب، في حين اعتبر جزء كبير من الجمعيات المدنية المحسوبة على التيار الديني التقليدي أو الحركات الإسلامية، أن الملك حسم في مرجعية التعديل، وأنه لا يمكن بحال أن يمضي في اتجاه مخالفة النصوص الشرعية القطيعة، وأنه لذلك، وجب التصدي لأي دعوة تريد استثمار تعديل المدونة لاستهداف المرجعية الإسلامية التي تنطلق منها.
في الواقع، ثمة جدل كبير حول مستقبل هذه التعديلات وأي اتجاه ستأخذه، وذلك لاعتبارين متقابلين، أولها أن الملك حدد بشكل دقيق أهداف التعديل وطبيعته ومرجعيته، فاعتبر أن الهدف من عملية التعديل هو إعطاء المرأة حقوقها القانونية والشرعية، والنهوض بوضعتيها، وتعزيز مشاركتها الفاعلة في مختلف مجالات التنمية، وتصحيح الاختلالات واستدراك النقائص التي اعترت تطبيق المدونة، وحرفت بذلك النص عن مقاصده، وأوضح أن القصد من تعديل المدونة لن يكون تأمين حقوق المرأة على حساب حقوق الرجل أو العكس، بل تبني مقاربة متوازنة، ترعى حقوقهما معا، وتحمي حقوق الأطفال، وتضمن تماسك الأسرة واستقرارها، وأكد على مستوى المرجعية أنه بصفته أمير المؤمنين فإنه "لن يحل حراما ولن يحرم حلالا"، وألا اجتهاد في النصوص القطعية، وأن الاجتهاد في مراجعة نصوص المدونة، ينبغي أن يتم في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي.
أما الاعتبار الثاني المقابل، وهو أن المغرب اختار الدخول في العهد الدولي، وصادق على جملة من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة والطفل، مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سنة 1993، ورفع التحفظات عنها سنة 2008، وصادق البرلمان المغربي على البروتوكول الاختياري المتعلق بها، والبروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في السابع من يوليوز 2015، مما يعني ضرورة أن المغرب صار معنيا بتقديم أجوبته بخصوص التوصيات المتعلقة بنظام الأسرة التي أقرتها لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة في تقريرها ليوليوز 2022، أو التوصيات المقبولة جزئيا أو كليا في إطار الاستعراض الدوري الشامل لنونبر 2022 التي تم الإعلان عنها في مارس 2023، بمجلس حقوق الإنسان بجنيف، أو التي تتعلق  بتنزيل توصيات اجتماع بيكين +25  المنعقد في آذار / مارس 2020.