نشرت هذه الدراسة بمجلة السياسية الخارجية فورين بوليسي، في 18 أكتوبر، وكاتبها هو ستيفن والت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد والكاتب بالمجلة. وتكشف الدراسة حقائق مهمة يغفل عنها الكثيرون أو يتعامون عنها. والكاتب ليس مؤيدا لحماس، ولا مدافعا عنها؛ بل إنه يعترض على ما قامت به يوم 7 أكتوبر؛ لكنه في الوقت نفسه يعود بذاكراتنا إلى ثلاثين عاما منذ حرب الخليج 1991 عقب غزو صدام حسين للكويت، وما تلاه من أحداث، ليضع أمام أعيننا تحليلا مهما لأحداث حاسمة شكلت خريطة العمل السياسي الأمريكي، وما نتج عن هذه الأحداث من كوارث نعيشها حتى اليوم.
يقول الكاتب: "بينما ينعي الإسرائيليون والفلسطينيون القتلى، وينتظرون بخوف أخبار المفقودين الآن، يريد الإسرائيليون ومؤيدوهم إلقاء كل اللوم على حماس. ويرى أولئك الأكثر تعاطفا مع القضية الفلسطينية أن المأساة هي نتيجة حتمية لعقود من الاحتلال ومعاملة إسرائيل القاسية والمطولة لرعاياها الفلسطينيين. ويصر آخرون على أن هناك الكثير من اللوم يجب الالتفاف حوله. وهناك من يرى أن أحد الجانبين بريء تماما ،والآخر هو المسؤول الوحيد. إذن، فقد جميع هؤلاء أي قدرة على الحكم العادل.
هذا الجدال هو الأكثر خطأً، فهو يحجب الأسباب المهمة الأخرى التي ترتبط بالصراع الطويل بين الإسرائيليين الصهاينة والعرب الفلسطينيين. ولا ينبغي ألا تغيب عن بالنا العوامل الأخرى حتى خلال الأزمة الحالية، لأن آثارها قد يستمر صداها لفترة طويلة بعد توقف القتال الحالي.
لن أبدأ بكتاب الدولة اليهودية لتيودور هرتزل 1896، أو وعد بلفور 1917، أو الثورة العربية 1936، أو خطة تقسيم الأمم المتحدة 1947، أو الحرب العربية الإسرائيلية 1948، أو حرب 1967. ولكني، سأبدأ في 1991، عندما برزت الولايات المتحدة كقوة خارجية بلا منازع في شؤون الشرق الأوسط، وبدأت في محاولة بناء نظام إقليمي يخدم مصالحها.
وفي هذا السياق الأوسع، هناك على الأقل خمس حلقات أو عناصر رئيسية ساعدت على الوصول بنا إلى الأحداث المأساوية التي وقعت في 7 أكتوبر، هذه العناصر هي:
ـ حرب الخليج 1991.
ـ غزو العراق.
ـ سياسة الضغط الأقصى لترامب.
ـ اتفاقيات إبراهيم.
ـ فشل عملية السلام.
العنصر الأول.. حرب الخليج 1991
كانت حرب الخليج 1991 عرضا مذهلا للقوة العسكرية الأمريكية والفن الدبلوماسي الذي أزال التهديد الذي شكله صدام حسين على توازن القوى الإقليمي. ومع اقتراب الاتحاد السوفيتي من الانهيار، أصبحت الولايات المتحدة الآن في مقعد القيادة بقوة. ثم انتهز جورج بوش الأب ووزير الخارجية جيمس بيكر وفريق من ذوي الخبرة في الشرق الأوسط هذه الفرصة لعقد مؤتمر مدريد للسلام في أكتوبر 1991، ضم ممثلين عن إسرائيل وسوريا ولبنان ومصر والمجموعة الأوروبية ووفدا أردنيا فلسطينيا مشتركا.
ينما ينعي الإسرائيليون والفلسطينيون القتلى، وينتظرون بخوف أخبار المفقودين الآن، يريد الإسرائيليون ومؤيدوهم إلقاء كل اللوم على حماس. ويرى أولئك الأكثر تعاطفا مع القضية الفلسطينية أن المأساة هي نتيجة حتمية لعقود من الاحتلال ومعاملة إسرائيل القاسية والمطولة لرعاياها الفلسطينيين. ويصر آخرون على أن هناك الكثير من اللوم يجب الالتفاف حوله. وهناك من يرى أن أحد الجانبين بريء تماما ،والآخر هو المسؤول الوحيد. إذن، فقد جميع هؤلاء أي قدرة على الحكم العادل.
وعلى الرغم من أن مؤتمر مدريد لم يسفر عن نتائج ملموسة، ناهيك عن اتفاق سلام نهائي، إلا أنه وضع الأساس لبناء نظام إقليمي سلمي. ومع ذلك، احتوى مؤتمر مدريد على عيب مصيري زرع بذور الكثير من المشاكل في المستقبل. فلم تتم دعوة إيران، والتي ردت على استبعادها من خلال تنظيم اجتماع للقوى الرافضة، والتواصل مع الجماعات الفلسطينية ـ بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي ـ التي تجاهلتها من قبل. وكما يلاحظ تريتا بارسي في كتابه "التحالف الغادر"، فإن: "إيران تنظر إلى نفسها كقوة إقليمية كبرى، وتوقعت مقعدا على الطاولة، إلا أن مدريد لم يُنظر إلى مؤتمر مدريد على أنه مجرد مؤتمر حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ بل على أنه اللحظة الحاسمة في تشكيل نظام الشرق الأوسط الجديد".
كان رد طهران على مدريد استراتيجيا. فقد سعت إلى أن تثبت للولايات المتحدة وغيرها أنها يمكن أن تعرقل جهودهم الرامية إلى إنشاء نظام إقليمي جديد إذا لم تؤخذ مصالحها في الاعتبار. وهذا هو بالضبط ما حدث، حيث عطلت التفجيرات الانتحارية وغيرها من أعمال العنف عملية التفاوض على اتفاقيات أوسلو، وقوضت التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض. ومع مرور الوقت، ومع بقاء السلام بعيد المنال وتدهور العلاقات بين إيران والغرب أكثر، أصبحت العلاقات بين حماس وإيران أقوى.
العنصر الثاني.. غزو العراق 2003
كان الحدث الحاسم الثاني هو المزيج المصيري لهجمات 11 سبتمبر 2001 والغزو الأمريكي اللاحق للعراق في 2003. اعتقدت إدارة جورج بوش أن الإطاحة بصدام من شأنها أن تقضي على التهديد المفترض لأسلحة الدمار الشامل العراقية، ويُذكر الخصوم بقوة الولايات المتحدة، ويوجه ضربة ضد الإرهاب على نطاق أوسع، ويمهد الطريق لتحول جذري في الشرق الأوسط بأكمله على أسس ديمقراطية.
ولكن ما حصلوا عليه كان عكس ما أراد فريق إدارة بوش:
ـ مستنقع مكلف في العراق.
ـ تحسن كبير في موقف إيران الاستراتيجي.
ـ تحول في ميزان القوى في الخليج، والذي أثار قلق السعودية ودول الخليج الأخرى وبدأت تصورات التهديد المشترك من إيران في إعادة تشكيل العلاقات الإقليمية بطرق مهمة، بما في ذلك تغيير علاقات بعض الدول العربية مع إسرائيل. وشجعت المخاوف من "تغيير النظام" بقيادة الولايات المتحدة إيران على السعي وراء امتلاك قدرات تصنيع الأسلحة النووية، مما أدى إلى زيادة مطردة في قدرتها على التخصيب وعقوبات أكثر صرامة من الولايات المتحدة والأمم المتحدة.
العنصر الثالث.. سياسة الضغط الأقصى لترامب
بعد فوات الأوان، كان الحدث الرئيسي الثالث هو تخلي الرئيس دونالد ترامب المشؤوم عن خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 مع إيران التي تبناها سلفه أوباما، وتبنيه سياسة "الضغط الأقصى" بدلا من ذلك. كان لهذا القرار الأحمق العديد من الآثار المؤسفة:
ـ سمح لإيران إعادة تشغيل برنامجها النووي والاقتراب كثيرا من قدرة تصنيع أسلحة نووية فعلية.
ـ قيام إيران بمهاجمة شحنات النفط والمنشآت في الخليج العربي والسعودية، لتظهر للولايات المتحدة أن محاولتها لإجبارها أو الإطاحة بها لم تكن بدون تكاليف ومخاطر.
وكما هو متوقع، زادت هذه التطورات من مخاوف السعوديين، وزادت من اهتمامهم بالحصول على بنية تحتية نووية خاصة بهم. وكما تتنبأ النظرية الواقعية، شجعت تصورات التهديد المتزايد من إيران أشكالا هادئة، ولكنها مهمة من التعاون الأمني بين إسرائيل والعديد من دول الخليج.