أثارت كارثة الفيضانات التي ضربت درنة الليبية وتسببت في انهيار سدي المدينة، مخاوف من سيناريوهات مشابهة في دول أخرى، خصوصا أن سبب الكارثة الأكبر كان التدفق الهائل للمياه الذي جرف جزءا من درنة نحو البحر وأدى إلى آلاف الضحايا والمفقودين.
وتعتبر السدود من أهم مشاريع الإنشاءات القومية التي يتم بناؤها على الجداول المائية ومصبات الأنهار، حتى تحافظ على مخزون مياه هائل يقي البلاد مخاطر الجفاف ويساعد في ري الأراضي الزراعية.
وتستخدم السدود لأغراض صناعية، كما أنها تستثمر بالدرجة الأساس لتوليد الكهرباء والتي تعرف بالطاقة الكهرومائية، كما أن السدود تعمل على الحد من تصريف المياه التي تنتج من الفيضانات بسبب ذوبان الثلوج أو من العواصف.
في هذا التقرير ترصد "عربي21”, مخاطر السدود في الدول العربية وتأثيراتها على السكان.
أبرز سدود الدول العربية
تمتاز المنطقة العربية بوفرة الأنهار فيها، ما جعلها منطقة تعج بعشرات السدود، منها الكبيرة والصغيرة، وتتوزع على طول خارطة الوطن العربي.
السد العالي - مصر
يقع السد العالي في مدينة أسوان على نهر النيل، ودخل العمل سنة 1971، حيث يعد من أكبر سدود العالم، إذ يصل ارتفاعه إلى 111 مترا، ويبلغ طوله نحو 3830 مترا، وحجمه حوالي 44,300,000 متر مكعب.
وتصل سعته التخزينية والطاقة الإجمالية إلى نحو 169 مليار متر مكعب، ويمتد عرض السد إلى 22 كيلومترا، ويصل عمق السد إلى 90 مترا تقريباً.
سد بني هارون - الجزائر
يعد من أكبر سدود الجزائر ويقع في ولاية ملية في شرق البلاد على الوادي الكبير، حيث يمد ست ولايات بماء الشرب، بطاقة تخزين تصل إلى ميار متر مكعب ودخل العمل عام 2003، بعد أن ستغرق إنجازه حوالي ثلاثين سنة وتم إنجازه من قبل شركة دراغادوس الإسبانية.
سد الموصل - العراق
يبعد سد الموصل "صدام سابقا" 50 كم شمالا من مدينة الموصل مركز محافظة نينوى على نهر دجلة، شمال العراق، وتم افتتاحه عام 1986، ويبلغ ارتفاع السد 131 مترا وطوله 3.2 كيلومتر، ويعد السد الأكبر في العراق.
سد مروي - السودان
يقع السد الكهرومائي على مجرى نهر النيل قرب الشلال الرابع في جزيرة مروي شمال البلاد، وافتتح عام 2009, بطول يصل إلى 9.7 كم، وارتفاع يبلغ 67 مترا.
ويهدف إنشاء السد لتوليد الطاقة الكهربائية والحماية من الفيضان بالإضافة لتخزين مياه الري.
سد الملك طلال - الأردن
يقع في محافظة جرش، وافتتح عام 1987، ويستعمل في توليد الكهرباء والري، حيث تصل سعته التخزينية إلى 75 مليون متر مكعب، بارتفاع يصل إلى 108 أمتار، وطول 350 مترا.
سد الملك فهد - السعودية
يقع جنوب المملكة في منطقة عسير على وادي بيشة، ويعد السد الذي افتتح عام 2009, أكبر سدود السعودية من حيث الطاقة التخزينية التي تصل لـ 193.64مليون متر مكعب من المياه.
سد الوحدة - المغرب
يعتبر أكبر سدود البلاد والثاني في أفريقيا بعد السد العالي، ويقع في إقليم تاونات، وتصل الطاقة الاستيعابية للسد الذي افتتح عام 1997, إلى ثلاثة مليارات و800 مليون متر مكعب.
مخاطر انهيار السدود
على الرغم من الفوائد الجمة لإنشاء السدود إلا أنها تحمل بذات الوقت مخاطر كارثية ومدمرة حال انهيارها، وهذا ما يجعلها أشبه بقنابل موقوتة تهدد حياة ملايين البشر.
وتتنوع أسباب مخاوف انهيار السدود من بنية السد ذاته، حيث إن من الممكن أن يسبب تآكل الجدران بسبب قدم السد انهياره، أو من طبيعة الأرض التي أقيم عليها السد، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية كالزلازل القوية والفيضانات المدمرة التي تفوق طاقة السد الاستيعابية هذا فضلا عن تأثيرات الحروب والنزاعات.
سدود خطرة
منذ عدة سنوات تتوالى التحذيرات من خطر انهيار بعض السدود في الدول العربية ورغم التطمينات التي تقابل تلك المخاوف، إلا أن كارثة درنة أعادت تسليط الضوء على السدود الخطرة في العالم ككل وفي المنطقة العربية بشكل خاص.
سد النهضة الإثيوبي
منذ بدء أديس أبابا ببناء السد عام 2011, تصاعدت التحذيرات من خطورة بنائه واحتمالية انهياره، إلا أن إثيوبيا مضت قدما في إنشائه حتى أكملت الملء الرابع الشهر الماضي.
تكمن خطورة سد النهضة في حجمه الهائل وتأثيراته التي تتجاوز إثيوبيا إلى مصر والسودان حيث يهدد انهياره حياة الملايين وقد يدمر مدنا بأكملها.
وكانت آخر التحذيرات على لسان عالم الجيولوجيا المصري عباس شراقي، الذي أكد أن سد النهضة أكبر من سدي درنة معا بحوالي 3000 مرة، ومنطقة سد النهضة تزيد عن درنة فى خطورة الفيضانات السنوية والانحدارات الشديدة، وفي النشاط الزلزالي الأكبر في القارة الأفريقية.
وقال شراقي إنه في حال الانهيار فقد تتعرض مصر والسودان لـ"قنبلة مائية" تعادل 1000 قنبلة مثل التي أطلقت على مدينة هيروشيما اليابانية، بحسب ما ذكر لموقع قناة "روسيا اليوم".
وأضاف أن "سد النهضة دخل بالفعل دائرة الخطر الكارثي على كل من السودان ومصر بعد انتهاء التخزين الرابع وحجز حوالي 41 مليار متر مكعب، ووفقا لمقاييس تقسيم السدود الخطرة فهو يعد من أشد السدود خطورة".
وبمقارنة سريعة لأرقام سدود درنة والنهضة يمكن تصور حجم الكارثة، فسدا درنة اللذان تسببا في موت الآلاف لم تتجاوز سعتهما التخزينية الـ28 مليون متر مكعب فقط، بينما سعة سد النهضة تصل إلى 74 مليار متر مكعب.
ويعتبر انهيار سد النهضة بمثابة تسونامي نهري مرعب، حيث ستتجه المياه المتدفقة منه إلى سد الروصيرص السوداني وهذا بدوره لن يستطيع استيعات الكميات الهائلة من المياه، ليسقط منهارا وبذلك يزيد من كميات وقوة المياه التي ستذهب لتدمر سد سنار السوداني وبذلك تغرق البلاد بأكملها، ثم يأخذ طريقه نحو مصر.
يشار إلى أن التصميم الأولي للسد كان بطاقة استيعابية لا تتجاوز الـ11 مليار متر مكعب، لكن عمدت إثيوبيا لزيادة سعته خصوصا مع عجز الخرطوم والقاهرة عن استحصال حقوقها المائية من أديس أبابا.
سد الموصل - العراق
منذ بناء السد في ثمانينيات القرن الماضي، كشف خبراء ومنظمات دولية عن خطأ اختيار الموقع، حيث تمتاز تلك المنطقة بالصخور الكلسية المتآكلة سريعة الذوبان ما يهدد بانهيار السد في أي لحظة خصوصا مع النظر إلى الأوضاع المضطربة التي شهدها العراق.
ومنذ بناء السد تعمل الحكومات العراقية المتعاقبة على تدعيم أساسه بضخ مادة إسمنت خاصة في الفجوات التي تظهر تحت البناء، وفي حال توقف هذه العملية المستمرة فإن احتمالية انهياره تكون وشيكة جدا.
وكانت شبكة "ناشيونال جيوغرافيك" الأمريكية آخر من دق ناقوس الخطر حول السد الذي وصفته بأنه الأخطر في العالم، والذي سيؤدي في حال انهياره إلى خسائر بشرية وأضرار كبيرة في المواقع الأثرية.
وتوقع التقرير أن انهيار الموصل سيؤدي إلى مقتل مليون ونصف المليون شخص، ممن يعيشون على ضفاف نهر دجلة في حال لم يتم إخلاء مسار الفيضان في الوقت المناسب في غضون ثلاث أو أربع ساعات.
وأضاف أن المياه ستغمر مدينة الموصل، بارتفاع 21 مترا خلال ساعات من انهياره، وكذلك تندفع موجة مد داخلية لمسافة 280 كيلومترا باتجاه الجنوب على طول نهر دجلة.
ومنذ عدة سنوات توالت التحذيرات من خطر انهيار السد حتى طلبت السفارة الأمريكية في بغداد عام 2016 من مواطنيها الاستعداد لمغادرة العراق في حال وقوع كارثة انهيار سد الموصل.
وعقب الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وضعت الأمم المتحدة أجهزة إنذار مبكر لحالات الطوارئ لتحذير السكان في حال انهيار السد والتسبب بفيضانات كبيرة.
وتكمن خطورة السد حال انهياره بقدرته الهائلة على تشكيل تسونامي يضرب طول مجرى نهر دجلة كما أنه سيتسبب في انهيار سدود صغيرة أخرى في طريقة، وسيغرق مراكز المدن الواقعة على نهر دجلة.
ورجح خبراء في وقت سابق أن تغمر المياه مدينة الموصل حال انهيار السد بمستوى 11 مترا فيما ستغرق بغداد بنحو مترين، هذا فضلا عن الدمار الهائل الذي سيسببه في بقية المدن.
سد بني هارون - الجزائر
في تموز/ يوليو 2020 ضربت هزتان أرضيتان شرق الجزائر وتسببتا في تضرر وتشققات ظهرت في جسم سد بني هارون، إلا أن السلطات الجزائرية نفت ذلك مؤكدة أن السد مصمم لمقاومة الزلازل، ولا حاجة لتفريغه.
في عام 2007 هدد الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة بإغلاق السد نهائيا حفاظا على حياة آلاف المواطنين بعد تقارير عن ظهور بعض التسربات والتشققات فيه ومماطلة الشركات المشرفة عليه في صيانته.
وتهدد التسريبات جسم السد ما يضع حياة مئات الآلاف في خطر، ويهدد بإغراق خمس ولايات جزائرية على امتداد مجرى الوادي الكبير.
وتتركز تلك التشققات وتسريبات المياه في الجهة اليسرى لأساسات السد، والتي ظهرت في أحد أنفاق المراقبة داخل جسم السد إلى أن بلغت قوتها أكثر من 12 بارا، بحيث بدأت الأساسات تنغمر بالمياه بشكل كلي، ووصل معدل تسرب المياه إلى حوالي 270 ألف لتر في الساعة.
وذكرت مواقع جزائرية حينها أن انهيار السد سيفجر مليار متر مكعب من المياه على شكل تسونامي يجتاح كل المناطق الجنوبية الشرقية لولاية جيجل وبعض مناطق ولاية ميلة ثم إلى بلدية سيدي معروف والمشاتي وبقية المناطق على ضفاف الوادي حتى يلتقي بالبحر الأبيض المتوسط في منطقة الجناح بسيدي عبد العزيز وعلى مسافة تقدّر بحوالي 40 كيلومترا، كما أن الفيضان سيدمر آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية.
اقرأ أيضا: