1_ أتصور من خلال ما وصلنا من أقوال الصحابة وأفعالهم رضوان الله تعالى عنهم أن فرحهم بالرسول صلى الله عليه وسلم ورسالته كان عظيما، فقد أنقذهم الله تعالى به بعد جاهلية جهلاء من النار، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، ونقلهم من الذل والفرقة إلى عز ملكوا به الجزيرة العربية وفارس والروم وأصقاع الدنيا، فهم يعيشون فرحهم به صلى الله عليه وسلم في كل لحظة لا يفارقهم، وكذلك أبناؤهم من التابعين، وأبناء أبنائهم من تابعي التابعين الذي أخذوا عنهم ذلك الفرح مشاهدة وحسا، في وقت ما زالت فيه آثار الرسول صلى الله عليه وسلم وثمرات دعوته حية شاهدة، وذكراه ماثلة، تربى بها هؤلاء التابعون وأتباعهم وبها صاروا بها مختلفين عن غيرهم ممن جاؤوا بعدهم، فاستحقوا بها اسم السلف الصالح دون غيرهم، فلو دعي هؤلاء آنذاك إلى الفرح بمولده صلى الله عليه وسلم أو بعثته أو هجرته ألا ترى أن ذلك كان نقصا في حقهم، وحطا من رتبتهم لأن جذوة فرحهم لم تنطفئ بعد حتى يحتاجوا إلى تجديدها، وقياسنا لأجيالنا على أجيالهم في ذلك قياس مع وجود الفارق.
2_ هب أن عدم احتفال السلف الصالح كان وقوفا عند ما تركهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تركهم وهو أحب إليهم من أنفسهم وأبنائهم وآبائهم وإخوانهم وجميع ما ملكت أيمانهم، ولا شغل لهم إلا تقفي آثاره والاستنان بهديه. ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا ذلك ونسوا ما كان عليه سلفهم الصالح، حتى بردت محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات الحرص على اتباعه في قلوبهم، أفلا يستجد بذلك حكم، كما استجد بجمع القرآن، وتدوين السنة، وتنقيط المصاحف وغيرها؟
3 _ فرح البعض بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتفل، ولم يكن ذلك من عادة الناس، فتحركت نفوس محبيه صلى عليه وسلم وجاشت خواطرهم وانفعلت ابتهاجا بهذا الفرح والاحتفال، أفيسوغ منع فرحهم بذريعة أن هذا الفرع من الفرح لم ينقل، مع أن أصل الفرح مطلوب شرعا بأدلة كثيرة، حتى يكون الفرع قاضيا على الأصل والأصل العكس؟ وهل يصح منع الفرح وهو انفعال وليس فعلا والانفعالات لا تحكم للخطاب الشرعي فيها، وإذا ذكرها فإنما يطلب آثارها، وآثار الأصل المطلوب مطلوبة.
4 _ أخي المانع من الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم بحجة أنه لم يرد عن السلف الصالح دون موازنة هذه الحجة بحجج شرعية أخرى أقوى منها، كم لديك من نظائر هذه المسألة؟.