إعلانات

محطات مضيئة من حياة الدكتور أحمد ولد السيد ولد غٌُلام ـ رحمه الله تعالى ـ

أحد, 19/02/2023 - 23:31
الدكتور أحمد ولد السيد ولد غُلام

بعد رحلة عطاء وبذل ونضال غادرنا الدكتور الطبيب الشهير أحمد ولد السيد، بعد أن سقط مغشيا عليه بعد أدائه صلاة الفجر، غادرنا والدنيا حفية به، وبعد فترة قليلة من إكماله آخر وأهم مشروع في حياته وهو استعادة حفظ القرآن الكريم، ليكون بذلك ختام مسك لرحلة علمية وسياسية بدأت ذات يوم من أيام الريف البدوي في حدود 1957 وفي ضواحي واد الناقة لأسرة علمية شهيرة، حيث كان والده السيد بن غلام أحد العلماء الأجلاء وأحد كبار تلاميذ الشيخ العلامة محمد سالم ولد ألما، ومحظرة آل يحظيه بن عبد الودود، عاش الدكتور أحمد في كنف والدته رائعة بعد أن غادر والده الدنيا في الربيع السادس بعد ميلاد أحمد.

وقد عاش في مجتمع علمي  وحضرة علمية معروفة، كان على سبيل المثال خاله عبد الرحمن بن ابان من العلماء الأجلاء، وانتقل وهو مراهق بين محاظر متعددة في تواز مع دراسته الرسمية التي توجت بحصوله على شهادة البكالوريا العلمية في العام 1979،  وغادر بعدها إلى سوريا حيث  أقام عدة سنوات، لدراسة الطب، وكان الموريتاني الوحيد الناجح في تلك الفترة بعد سبع سنوات من الدراسة.
انخرط ولد السيد في شبيبته في الحركة الإسلامية الناشئة، حيث كان ضمن خلاياها الأولى سنة1977. 
في قدومه إلى سوريا ادرج في قوائم المطلوبين للاعتقال بسبب وجود أحد كتب سيد قطب بحوزته، نقلت المعلومة إلى الأمن السوري، فبدأ البحث عنه و لكنهم أرادوا عمرا واراد الله خارجة، فصرف الله عنه كيدهم، فكان الاعتقال من نصيب الأستاذ أحمد ولد سيدي – شقيق رئيس تواصل السابق- وبعد فترة أفرج عنه بعد أن تبين للمحققين أنه يحمل مبادئ ناصرية، وقد جاء الاعتقال نتيجة تشابه الاسمين.

نادر المؤيد.. مبضع الطبيب وريشة الأديب.        
عمل ولد السيد في المستشفى الوطني لعقود، كان من بين الأطباء  الذين عرفوا بالقرب من المواطنين والتعلق بشرف المهنة، زيادة على ما ميزه عن غيره من صفاء الموهبة، واخضلال القريحة الأدبية، فقد كان كاتبا مرموقا يكتب باسم مستعار وهو نادر المؤيد خلال حقبة التسعينيات وكانت زاويته ذات مقروئية عالية.
كان علم النفس ميدان شغف بالنسبة للرجل الذي يتحدث العربية بإتقان والفرنسية بإتقان أدبي ومهني أيضا، حيث كان مرجعا في الترجمة الطبية بين اللغتين.
وفي سنة 1996 تم ابتعاثه إلى الجزائر لدراسة تخصص طب الكلى والمسالك البولية ليكون بذلك أول طبيب موريتاني في تخصصه، وعاد لاحقا إلى التكوين في فرنسا عندما قرر الرئيس معاوية ولد الطايع
بجهد جهيد من الدكتور أحمد السيد،  وبنصح وإشارة مباشرة من مستشار الرئيس حينها محمد الأمين ولد داهي إقامة وحدة مجانية لعلاج أمراض الكلى.
في فرنسا عمق ولد السيد تخصصة  طيلة ستة أشهر من التكوين المكثف ليعود لافتتاح هذ فيه الوحدة التي تحولت بعد ذلك إلى ميدان ضخم لكثير من الأموال التي صرفت في هذا القطاع، وكثير من المزايدات والتربح على حساب المرضى، وظل ولد السيد طيلة هذه الفترة عنوانا للشرف الذي دفعه إلى تقديم استقالته من رئاسة قسم الكلى بالمستشفى الوطني، معتبرا أنه لا يمكنه الاستمرار في وضعية تزيد معاناة المرضى بدل أن تفرج عنهم.
تولى ولد السيد خلال الفترة 2006-2011 رئاسة سلك الأطباء والصيادلة، قبل أن يغادر البلاد إلى المملكة العربية السعودية طبيبا في تخصصه، بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم.
 كما تولى ولد السيد عضوية المجالس العلمية المتعددة في كلية الطب وفي أقسام المستشفى الوطني.

طبيب في وجه الجنرال

عمل الطبيب أحمد ولد السيد في إحدى أشهر العيادات المتخصصة في أمراض الكلى والتي حصلت على ترخيص في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، وظلت تراوح مكانها بعد أن رفض مدير الخزينة العامة توقيع عقد لصالحها مع المستشفى الوطني، كان الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، يتابع ملف العيادة التي تجمع شراكة مالية بين صديقه وصهره، لكن الرئيس السابق معاوية ولد الطايع ظل مصرا على قرار رفض التوقيع.
وبعد تسعة أيام فقط من الانقلاب الذي أطاح بولد الطايع حصلت العيادة على مطلبها، وبعد فترة قليلة رفعت رواتب دكاترتها الأساسيين من 100 إلى 600 ألف وهو مبلغ خيالي يومها.
في عمله في العيادة المذكورة ظل ولد السيد يطالب بمزيد من تحسين الخدمات، يرفع سقف مطالب المرضى، ويرى أن ما يقدم لهم من عروض أقل مما يستحقون ومما تحصل عليه العيادة من تعويضات من الدولة، فعرضت عليه إدارة العيادة رفع راتبه إلى الضعف في مقابل السكوت والالتزام بالهدوء والصمت، كان العرض مغريا أما أحمد فقد استفزه الأمر وخرج منها إلى الأبد.
انتقل إلى عيادة الصفاء التي استجابت لشروطه في نوعية التجهيزات والخدمات الطبية المعروضة، فبدأت المضايقات له شخصيا ولملاك العيادة، لاحقا استقبل مبعوثا نقل إليه تهديدا مبطنا من رأس النظام، وطبعا لم يخفه التهديد، لكنه حمل المبعوث، معلومات ومعطيات مؤلمة عن وضعية القطاع.
تأزمت الأوضاع أكثر واستدعى الرئيس السابق مالك عيادة الصفاء محمدن ولد خطاري وأمره بإغلاق العيادة، فوجئ الرجل  بالطلب وأعرب عن استجابته له إذا سددت له الدولة ديونا تتجاوز 300 مليون أوقية، وعده الرئيس بالاستجابة قبل أن يقول له مرة أخرى لا توجد لك ديون على الدولة وفق ما أخبرني وزيرا الصحة والمالية، وتمسك الرجل بقراره باستمرار عيادته، مؤكدا أنه لن يغلقها قبل تسديد الديون.
في هذه الأثناء قدم ولد السيد استقالته من المستشفى الوطني بعد أن أخفق في إقناع إدارته بتوفير المعدات اللازمة، رغم أن صفقة توفير معدات التصفية كانت ممنوحة بشكل حصري لمقرب من رأس النظام.
وتوجه الرجل تلقاء العربية السعودية التي أقام فيها عدة سنوات، وخلف فيها والدته الصابرة رائعة بنت ابان، حيث ما تزال تقيم هنالك.
في عمق السياسة
ارتبط ولد السيد بالمشهد السياسي عنصرا فاعلا في الحركة الإسلامية الموريتانية، كما كان عضوا مؤسسا في حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والوحدة قبل أن ينسحب منه بعد توجهه لدعم الرئيس السابق معاوية ولد الطايع 
في سنة 2013 ترشح ولد السيد عن دائرة واد الناقة من خلال حزب تواصل، ونال رفقة زميله عبد الرحمن ولد باباه عضوية البرلمان، وظل أحد أصوات تواصل المؤثرة إلى حين مغادرته للمنصب بعد انتخابات 2018.
عاد ولد السيد إلى عمله في قسم الكلى بالمستشفى الوطني دكتورا مرؤوسا بعد أن كان أول رئيس مؤسس لهذا القطاع المهم والحيوي.                                  

عرف عن أحمد شرفه المهني ومن نوادر أعماله أنه كان يوجه المرضى الى المستشفى الوطني بدل توجيههم إلى العيادات الخاصة..وفي أحيان كثيرة كان يزورهم في بيوتهم مسعفا وعائدا وزائرا مطمئنا ومطمئنا، ومعزيا ومواسيا ومنفقا مما في يده.

تراه اذا ما جئته متهللا كانك تعطيه الذي انت سائله، فيشرق الأمل في القلوب المعناة، لما زرعه من الأمل في نفوس مرضاه.

ماذا تقول العاصفة إذا راود القمر الأفول؟
قبل أيام تعرض لوعكة صحية حيث أجرى عملية قسطرة ناجحة، لكن الموت كان اسرع من عبير الفرح الذي عم أصدقاءه ومحبيه بنجاح عمليته، ليرتقى بعد صلاة الصبح، تقبله الله في الصالحين.

يجمع كل من يعرف الدكتور أحمد ولد السيد على تميزه المعرفي وكفاءته المهنية وعزة نفسه وسمو أخلاقه، كما يعرفه خواصه بأنه رجل من خيرة أهل القرآن، الذين هم أهل الله وخاصته، وأنه أحد أهم عناوين البذل والعطاء فقد كان كما اختار له والداه السيد أحمد بن السيد..وكان تماما كما كان يوقع مقالاته "نادر المؤيد" فقد عاش بهمة وشرف نادر..وكان مؤيدا بتوفيق إلهي رافقه حتى سقوطه مغشيا عليه بعد أداء فريضة الفجر.

نقلا عن موقع الفكر .