وكأن القضاء الموريتاني قال ضمنيا: "أطلكوه يكبظ صاحبه" ؛ وهي نفس المعيار الذي على أساسه يختبر سكان بعض مناطقنا مكانة الشخص مجهول المكانة من خلاله..!
في مشهد لا ينسى من رائعة وحيد حامد "طيور الظلام" التي أخرجها شريف عرفة، وبعد فشل المفاوضات بين المحاميَين فتحي وعلي، اللذين يمثل الجماعة أحدهما، والآخر يمثل النظام، ويجسد دوريهما عادل إمام ولطفي الخولي، وبما أن الثنائي أصدقاء طفولة؛ قال علي لفتحي: إذا دعنا نظل خصوما في القضية؛ أصدقاء في الواقع..!
لكن فتحي اختصر الطريق في رده: لا صداقة بين خصمين، فلو وضعنا ذئبين في قفص يستحيل أن يظلا صديقين، حتما سيقتل أحدهما الآخر.
وحتى وقت قريب، وربما قبل إعلان منصة باريس بلحظات، ظل أغلب قادة "افلام" العنصرية بل ومنتسبيها، لايجدون فرقا كبيرا بين صلاة الغائب التي أقيمت على ضحايا سنوات الجمر، وصلاة الملعب الأولومبي، التي أعترف أحد مصلي الصف الأول بأداءها دون طهارة ولا إحرام.
وحتى لحظات قبيل إعلان منصة باريس، ظل الرئيس السابق لموريتانيا -البلد الواحد الموحَد- يرى أن مطالبة قادة "افلام" بانفصال الضفة عن الشرق والشمال خيانة عظمى يعاقب عليها قانون تم تعطيله أيام حكمه الغابر.
وهنا يجب أن نتسائل، هل منصة باريس كالدخول في الإسلام، تَجُبّ ما قبلها..؟!
طبعا من المعلوم ضرورة لدى الجميع أن الإجابة ستكون حتما: لا.. فلا يوجد أي شبه بين الدخول إلى منصة باريس، والدخول في دين السلم والأمانة والوفاء والإخاء.
ولعل في المثل المشهور "الطيور على أشكالها تقع" أوضح إجابة على الإشكال المطروح، فالبحث عن طريق للوصول للأهداف المفقودة وحده ما يوحّد الإخوة الأعداء في تحقيق غايتيهما؛ البحث عن استعادة ثروة جمعت من الغلول، وإضفاء صبغة شرعية على المحاولة الفاشلة 1987 انطلاقا من القاعدة الميكافيلية "الغاية تبرر الوسيلة" ..!
لكن ما لم يحسب الإخوة حسابه هو أن معارضة المَهاجر ماعاد لها صوت مسموع، خصوصا في بلادنا التي نجح نظام الحكم فيها في إقناع المجتمع الدولي بسيرهم الحثيث في ترسيخ مبادئ الديمقراطية، وإقامة دولة المؤسسات والاحتكام إلى القوانين.
كما نسي الأخوة أن موريتانيا تعيش في وضع ديمقراطي، وفي جو من الانفتاح والإجماع السياسي، وأن آخر عهدها بالانسداد الذي يمكن أن يبرر وجود معارضة في المهجر، انقضى بانقضاء حكم أحد طرفي منصة باريس.
وبانتفاء السبب المشرع لوجود معارضة المَهاجر يبقى من العبث انتظار أي دور أو تأثير لطرفي منصة باريس على أرض الوطن، وقد أكد القدماء أن أفكار العقلاء كأفعالهم مصونة عن العبث.
أحمد ولد الدوه
إعلامي مهتم بالشؤون السياسي