إعلانات

أوزير محمّد.. صورٌ بين هايتي وهارلم

اثنين, 14/02/2022 - 08:31

وزير محمّد من الأسماء التي قد لا تبدو مألوفةً رغم حضورها تحت الأنظار. ليس الحديث هنا عن أنظار عربية، بل أميركية: فالمصوّر الصحافي يعمل، منذ عام 1992، لحساب صحيفة "نيويورك تايمز"، وأعماله لا تغيب عن صفحات الجريدة الأميركية فترةً حتى تعود إليها، إمّا بصورة خبرية، أو بتقرير مصوّر. لكنّ، كما هو الحال مع كثير من المصوّرين الصحافيين، على المرء أن يتحلّى ببعض الفضول ليتعرّف إلى اسم صاحب الصور التي ترافق المقالات، والذي غالباً ما يكون مكتوباً بخطٍّ صغير بما يكفي ليختفي صاحب العمل وراء صنيعه.

وإن كان اسم المصوّر الأميركي (1950)، حفيد إليجاه محمّد (مؤسّسة حركة "أمّة الإسلام" الأميركية، التي لعبت دوراً في تمكين السود الأميركيين منتصف القرن الماضي وفي دعم شخصيات مثل مالكولم إكس)، شبه مجهولٍ عند عموم الناس، فالأمر ليس كذلك في عالم الصورة والصحافة. ذلك أن أوزير محمّد عرف الأضواء والنجاح في وقتٍ مبكّر نسبياً من عمره، حيث عُرف بصوره، وهو في الرابعة والعشرين من العمر، لبطل الملاكمة العالمي محمّد علي كلاي (1974)، كما حاز، عام 1984، مع زميلين له من صحيفة "نيوزداي"، جائزة "بوليتزر" للصورة الصحافية عن تقرير أعدّوه حول ظروف العيش في إحدى مناطق الساحل الأفريقي.

ولم تكن الجائزة إلّا تتويجاً لسنوات من العمل على تصوير شروط العيش الصعبة والمجاعات في القارّة الأفريقية، قبل أن يعود محمّد للعمل في بلده، الولايات المتّحدة، مصوّراً بشكل أساسي يوميات الأحياء التي يقطنها الأميركان من أصول أفريقية، ولا سيّما حي هارلم في نيويورك، الذي وضع حوله عدداً من أكثر تقاريره شهرةً.

في الثامن والعشرين من كانون الثاني/ يناير الماضي، افتُتح لأوزير محمّد معرضٌ في "غاليري صوفي شيدكر" بباريس، حيث يستمرّ حتى السادس والعشرين من آذار/ مارس المقبل. يتوزّع المعرض على قسمين، حيث يضمّ الأول سلسلة "أطفال هايتيّون يُتّموا بعد الزلزال"، وهو تقرير مصوّر أعدّه لـ"نيويورك تايمز" بُعيد الزلزال الذي ضرب هايتي عام 2010. 

أمّا الجزء الثاني، فيضمّ أعمالاً متنوّعة تعطي فكرةً عامّة عن مختلف التجارب والأحداث التي وثّقها المصوّر الأميركي، مثل تغطيته لانتخاب نيلسون مانديلا رئيساً لجنوب أفريقيا عام 1994، أو المجاعة التي ألمّت بإثيوبيا منتصف الثمانينيات.
على أن ما يقدّمه أوزير محمّد لا يقتصر على تصوير المعاناة في القارة الأفريقية، أو نضال الأميركان من ذوي البشرة السوداء ضدّ التمييز وسعيهم نحو العدالة؛ حيث تشمل تقاريره صوراً لعازفي جاز أميركيين خلال أدائهم، أو توثيقاً ليوميات عادية لمراهقين وشباب في ضواحي المدن الأميركية.

تعطي صور المعرض ــ التي يحضر الأطفال والمراهقون كوجه شبه دائمٍ فيها ــ فكرةً معمّقة عن تجربة محمّد الذي يذهب في أداء مهنته، كمصوّر صحافي، إلى حدّ يجعل كلّ واحدة من صوره وثيقةً رسمية عن الحدث الذي تقوله، بحيث تكاد تختصر، وحدها، فترةً من الفترات الحرجة التي عاشتها القارة الأفريقية أو الولايات المتّحدة. وفي ابتعاده عن المباشرة والتقاطه للبورتريهات والصور الجماعية من زاويةٍ تُزيل فِعْل الزمن وفِعْل الخبريّ والآنيّ، يكاد أوزير محمّد يحوّل صورته الصحافية إلى عملٍ فنّي قائم بحدّ ذاته، يمكن فصله عن الحدث الذي يشير إليه بالقدْر نفسه الذي يمكن اعتباره عملاً توثيقياً.