على مشارف الثمانين يتوكأ أحمد بن سيد محمد بن عبد الوهاب وعلى حصيلة أكثر من 60 سنة من النضال من أجل تحرير أزواد يتوكأ أيضا، نسج الشيب رداءه على رأس ووجه البربوشي الذي ولد في تمبكتو، وعاش جزء من حياته في موريتانيا وحمل السلاح باكرا ضد مالي سعيا إلى استقلال إقليم أزواد وحفاظا على هويته العربية والإسلامية التي يرى أنها تتعرض لطمس مقصود من مالي تبعا لطمس مماثل من الاستعمار الفرنسي.
طيلة الخمسين سنة الماضية مثل أحمد بن سيد محمد الأب الروحي للنضال العربي والإسلامي في منطقة أزواد، حيث كان الصوت الأزوادي الأكثر صراحة وفصاحة في مواجهة ما يراه عدوانا فظيعا من مالي على أزواد أرضا وإنسانا وهوية، وخذلانا كبيرا من الجيران والأشقاء والعدالة الدولية.
في سنة 1940 ولد أحمد ولد سيد محمد لأبوين من زعامات قبيلة اولاد إيعيش العربية في أزواد، في تمبكتو مدينة المآذن والمحابر والمكتبات، ولد أحمد لأب تولى زعامة قبيلة اولاد إيعيش والبرابيش ذات التاريخ الأصيل في المنطقة، وإلى جانب الفروسية التي كانت جزء أساسيا من حياة المجتمع العربي في أزواد، أخذ أحمد جزء كبيرا من الثقافة العربية والإسلامية عبر المحاظر التقليدية، في المنطقة، فدرس أغلب المقررات الفقهية والنحوية على يد مشايخ متعددين، إضافة إلى مكتبة عامرة في بيت والده الزعيم.
وفي تمبكتو التاريخية مارس البربوشي الحياة بصخبها ونضارتها، بهدوئها، كان في تمبكتو ابن الصحراء الذي يعرف التعامل مع الإبل وصيد الغزلان والرعي في الصحراء إضافة إلى النهل من معين المكتبات العامرة والتاريخ العلمي الوفير.
درس أحمد بن سيد محمد القرآن على شيخ موريتاني من أسرة آل حبت قدم إلى تمبكتو مهاجرا من شنقيط بسبب وصول الاستعمار الفرنسي إلى هنالك، ولم يكن يدري أن تمبكتو محتلة أيضا بالفرنسيين، ورغم تباعد الزمن لا يزال البربوشي يحفتظ بذكرى عبقة بالوفاء والتقدير لشيخه الذي يرى أنه كان رجلا من نور وتراتيل يمشي على قدمين
في تمبكتو أيضا درس الفقه واللغة العربية على عدد من مشايخ وعلماء المدينة، ومن بينهم الفقيه السوداني بلخير ولد الحلة، الذي نصح والدة البربوشي بإدخاله المدرسة مؤكدا أن ذلك "لن يضر دينه ولا عقيدته" منهيا بذلك مخاوف الوالدة التي بذلت كثيرا مالها وجهدها من أجل منع أحمد من دخول المدرسة"
وبمقتضى الزعامة السياسية التي يتمتع بها البربوشي في مجتمعه، فقد شارك رفقة والده في احتفاليات عيد فرنسا الوطني سنة 1954 في باريس حيث شاهد العرض العسكري الباهر الذي نظمه ديغول، وكان ذلك أول سفر في الطائرة لابن تمبكتو الصحراوي.
ابن المحظرة والمدرسة
في مدرسة تمبكتو درس أحمد مبادئ الابتدائية على عدد من المعلمين الأساسيين من بينهم عبد الرحمن النقلي الذي كان أيضا معلما في مدينة شنقيط إضافة إلى الرئيس المالي الأسبق مودو بوكيتا الذي كان معلما متميزا وسياسيا عنصريا تجاه أزواد وفق تقييم كيتا.
انتهت مرحلة البربوشي مع الفرنسية مع نهاية المرحلة الإعدادية محصلا بذلك معرفة واسعة بلغة موليير أهلته لتدريسها لاحقا في مؤسسات تعليمية عالية في موريتانيا، وجعلت منه خطيبا وكاتبا باللغة الفرنسية، في أحاديثه العامة والخاصة يكره البربوشي الخلط بين الفرنسية والعربية ويردد دائما " دعونا من الرطانة" لنتحدث عربية فصحى أو فرنسية فصحى".
ومع ذلك ظل أحمد يؤمن بحاكمية العربية على الثقافة والدين في أزواد معتبرا أن الفرنسية هي لغة ثانية بالنسبة للأزواديين ويبنغي أن تأخذ مكانها في الصف خلف اللغة العربية التي ظلت لسان أزواد العلمي والثقافي لقرون.
مناضل في أرض الكنانة
واصل البربوشي دراسته الإعدادية والثانوية في تمبكتو، حيث حصل على باكلوريا الآداب التي كللت بمنحه إلى مصر بداية عقد الستينيات، وفي مصر الكنانة مارس البربوشي أدوارا ثقافية وسياسية مزعجة للسفارة المالية في مصر التي كتب سفيرها يومها تقريرا إلى سلطات بلاده متهما الشاب أحمد ولد سيد محمد بربط علاقات مع المصريين والعمل كأنه السفير الفعلي، وفي أحد تقارير السفير، كتب أن "لمالي سفيرين : سفير تعينه السلطات المالية من باماكو وشاب آخر من البرابيش يظن نفسه السفير الفعلي"
خلال تلك الفترة استطاع لقاء الزعيم المصري جمال عبد الناصر، وترك البربوشي لذاكرة الكتمان تفاصيل ذلك اللقاء رافضا في استفسارات كثيرة أن يبوح بما دار بينه وبين زعيم مصر الكبير جمال عبد الناصر.
استطاع الزعيم البربوشي الحصول على الباكلوريوس في الأدب والترجمة محققا بذلك السبق في التميز في إتقان العربية والفرنسية مع مستوى مرموق في الفارسية والإنكليزية، وأهلته دراسته للفارسية لأن يكون أول مستشار دبلوماسي لموريتانيا في سفارتها بطهران سنة 1981.
تحرك خصوم الشاب المناضل أحمد بن سيد محمد حتى تم قطع منحته في مصر، وبعد فترة من الشد والجذب حصل على منحة إلى المملكة المغربية حيث واصل دراساته العليا، وهنالك وجد صعوبة كبيرة في إنقاذ نفسه من الأمن المغربي في أحداث الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال أوفقير، فلم يكن أي مغربي يصدق البربوشي عندما يقول له إنني طالب من دولة مالي قبل إبراز بطاقة هويته.
من المغرب عاد البربوشي إلى بلاده، وتم تعيينه موظفا إداريا في منطقة تاودني التي لم تكن يومها إلا مأوى للغزلان والوحوش السائبة ومرتعا للعطش، إذا كانت ولا تزال صحراء قاتلة، وتزامن الأمر مع عمليات بطش وإهانة واسعة قامت بها السلطات المالية ضد سكان الشمال.
اعتبر أحمد بن سيد محمد الأمر إساءة بالغة وإبعادا له ولكل المستعربين عن المشاركة في صنع القرار ومفاصل السلطة، واحتج كتابيا على السلطات المعنية، ولما لم تظهر أي استجابة كتب رسالة نارية إلى الرئيس مودو بوكيتا ووصفه بالعنصري والرجل المبغض للمستعربين، وسلم الرسالة إلى ديوان كيتا، وحمل حقائبه وشهاداته باتجاه موريتانيا.
في القطار الرابط بين السنغال ومالي، رافق البربوشي تجار ماشية موريتانيين وفي مدينة سينلوي بدأ رحلته إلى نواكشوط، وانتقل مع سائق موريتاني لا يتحدث الحسانية حتى أوصله إلى أحد المنازل في العاصمة الفتية بداية عقد السبعينيات.
وكانت المصادفة النبيلة أن الأقدار قد حطت البربوشي في منزل الزعيم بوياكي ولد عابدين، وكان من الصدف أن تلجأ ربة البيت إلى إحدى اللهجات السودانية المتداولة في مالي لتجد أن البربوشي يتناغم معها قبل أن ينتقلا إلى مهاد الحسانية والتعارف الذي أحيى روابط قرابات وأواصر اجتماعية بين الطرفين.
في مكتب ولد داداه
في صباح اليوم الموالي، تأبط البربوشي شهاداته ومظالم أزواد وطموحه في الحرية والاستقلال والاستقرار، توجه الشاب إلى قصر الرئاسة في نواكشوط ولم يجد صعوبة في الدخول والانتقال إلى مدير مكتب الرئيس ولم يكن أكثر من سيد إبراهيم سيدات الذي كان زميل دراسة للبربوشي، وكأن الأقدار قد بدأت تمهد لولد سيد أحمد في نواكشوط.
ترك البربوشي رسالة مثقلة بالهموم والتوق للحرية إلى الرئيس، مرفقا بها سيرته الذاتية وشهاداته، وجاء رد الرئيس المختار ولد داداه سريعا، حيث أمر باكتتاب البربوشي مترجما في الرئاسة، وأمر بالبحث عن أربعة عناصر آخرين في مستواه العلمي والأكاديمي لتوظيفهم في نفس الرتبة.
بعد فترة وجيزة نال الموظف الجديد شقة مجهزة، وراتبا مجزيا وصل يومها إلى 12 ألف أوقية وبدأ مشواره العملي مترجما خاصا للرئيس، وأحد رجال ثقته يكل إليه في أحيان كثيرة قراءة وترجمة بعض الوثائق المهمة.
جاء البربوشي في فترة كانت موريتانيا قد دخلت في حلف مع ليبيا من أجل تثوير ودعم الأزواديين من أجل نيل استقلالهم، وتضمن الأمر أن تتولى موريتانيا توفير الوثائق والإجراءات الإدارية للأزواديين، فيما تتولى ليبيا الدعم المالي والتدريب العسكري، أما البربوشي فكان يؤمن بخط آخر وهو استقلال أزواد النابع من صميم أبنائه وليس ضمن أي أجندة دولية أخرى.
أستاذ الأدب
وبعدة سنوات في مهنة الترجمة، طلب أحمد بن سيد محمد الانتقال إلى سلك التعليم الذي كان يومها أخف عملا وأجزى راتبا، وتم تحويله أستاذا للأدب واللغة العربية بثانوية أطار، وهنالك سيجد نفسه في أول صدام مهني حيث رفض الخضوع لتقييم تفتيشي من مفتش تعليم أساسي أقل منه رتبة وظيفية وأكاديمية، وأدى رفضه إلى أزمة في قطاع التعليم، انتهى بتدخل من وزير التهذيب الوطني الذي أرسل طائرة إلى نواكشوط وتعيين لجنة تضم أساتذة في المدرسة العليا للتعليم من أجل إجراء تقويم ترسيم للبربوشي وتمت إجازته باقتدار ودخل سلك التعليم منتصف عقد السبعينات.
عمل أحمد ولد سيد محمد أستاذا بالثانوية الوطنية، قبل أن ينتقل مدرسا للأدب والتربية والإسلامية والفرنسية في المدرسة العليا للتعليم والمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، وكذا بالمعهد السعودي في نواكشوط، ثم مستشارا لوزير التهذيب، وقد عرف خلال عمله في استشارية وزارة التهذيب بالصراحة والحدة تجاه أنماط الفساد التي بدأت تعشش في قطاع التعليم.
وذات مرة طلب الرئيس معاوية ولد الطايع من وزير التعليم أن يعد دراسة عن واقع التعليم وسبل إنقاذه وطلب من مستشاريه إبداء الرأي، صب البربوشي جام غضبه على الوزير معددا له أنماط الزبونية التي يمارسها في تعيين أقاربه في مفاصل الوزارة، قبل أن يختم إن أول حل للتعليم هو أن تتم إقالتكم من ووزارته.
الدبلوماسي المناضل
مع نهاية السبعينيات، انتقل البربوشي أحمد بن سيد محمد إلى الدبلوماسية ليعمل مستشارا في سفارة موريتانيا في المملكة العربية السعودية لفترة قبل أن يتم نقله إلى سفارة موريتانيا في طهران، حيث أهلته دراسته للفارسية للقيام بهذا الملف في السفارة التي افتتحت سنة 1981، وهو نفس المنصب الذي شغله أيضا في سفارة موريتانيا ببغداد، وبعد ذلك عاد إلى موريتانيا مستشارا في وزارة التهذيب، حيث كان التعليم والأدب والنضال الروح الثورية التي تسكن أحمد ولد سيدي محمد ويفضلها بكل عشق للأرض على الدبلوماسية والسفارات والأسفار.
مؤسس الحركة الإسلامية.
في منتصف عقد السبعينيات تداعى أحمد بن سيد محمد رفقة عدد من رجال التعليم والتربية في موريتانيا إلى تأسيس أول نواة للتيار الإسلامي في موريتانيا، وتم انتخابه أول أمير للتنظيم المذكور، قبل أن يغادر إلى إيران ثم المملكة العربية للعمل الدبلوماسي هنالك، وظل البربوشي مرتبطا بجماعته الإسلامية وفكرها الإخواني، وحتى عندما تم استجوابه بداية التسعينيات من طرف الأمن الموريتاني عن التيار المذكور، قال بكل صراحة أغلب قادته إما إصدقاء لي أو طلاب أو رفاق فكرة.
الزعيم الروحي للنضال الأزوادي
يرتبط أحمد بن سيد محمد بالنضال من أجل تحرير أزواد وترتبط به مراحل أساسية ومهمة من هذا النضال فكرا وتنظيما وعملا سياسيا وعسكريا، خرج أحمد من مالي بسبب الحيف والميز العنصري الذي تمارسه سلطة باماكو وشهد الفظائع التي مارستها تلك الحكومة وجنودها ضد المدنيين العزل في تمبكتو والتي لم تتوقف عند قتل الإنسان وإهانته بل انتهت إلى تسميم الآبار في بعض الأحيان لقتل الإنسان والحيوان والطيور وكل معالم الحياة.
في نهاية التسعينيات أشرف أحمد على تدريب وتكوين مجموعة من الشباب العربي والطارقي في معسكرات تدريب خاص في ليبيا، ولم يستطع أن يخفي عن الليبيين امتعاضه الشديد من طريقة التدريب التي كانت تسعى إلى تخريج عسكريين مؤمنين بالقائد معمر القذافي وأفكاره، بينما كان الهدف الأساسي بالنسبة لأحمد البربوشي هو تحرير أزواد.
في منتصف الثمانينيات أنشأ أحمد ولد سيد محمد رفقة عدد من أبناء القبائل العربية الحركة العربية الإسلامية لتحرير أزواد، وكان مبادئها الأساسية تحرير أزواد وتنمية أراضيه والحفاظ على هويته الإسلامية.
شملت الحركة عددا كبيرا من مختلف أبناء القبائل العربية في أزواد، وكان هؤلاء يتلقون تدريبا فكريا وتنظيميا متميزا، يعمل على صياغة شخصية مؤمنة بالأرض الأزوادية وساعية لتحريرها.
وبرعاية وتخطيط مباشر ومشاركة في بعض الأحيان نفذت الحركة عمليات مسلحة ضد الجيش المالي وكبدته خسائر فادحة رغم ضعف وسائلها التي لم تكن تتعدى في بعض الأحيان سيارة وبندقية.
أثناء قمة دول المغرب العربي في نواكشوط سنة 1989 أصدر أحمد بن سيد محمد بيانا شديد اللهجة ضد مالي وممارستها العدوانية ضد الشعب الأزوادي، وتم توزيع البيان أثناء القمة، مما أثار غضب الرئيس معاوية ولد الطايع ومدير أمنه المرحوم اعل ولد محمد فال.
وبعد فترة حصلت السلطات على معلومات بمسؤولية أحمد ولد سيد محمد عن البيان، واستقبله مسؤول أمني كبير بغضب عارم قابله أحمد بغضب مماثل مؤكدا أن الأزواديين ثاروا ضد دولة يسكنها 17 مليون شخصا ولن يقبلوا الظلم والإهانة من غريب ولا قريب.
لاحقا بدأت السلطات الموريتانية تفهم الوضع الأكثر، وعرضت على البربوشي حماية أمنية لمنزله مخافة الاغتيال الذي كان يتوقعه كل حين بسبب غضب الحكومة المالية ضده، رفض البربوشي إقامة حماية عسكرية له ومقابل ذلك أقام لنفسه احتياطا أمنيا، حيث قام بعزل غرفة نومه عن بقية المسكن، وانتقل إلى غرفة عند بوابة المنزل، وكان مسدسه رفيقه الدائم تحسبا لأي حادث أو زائر من وراء الحدود.
آمن أحمد ولد سيدي محمد بقضيته أزواد وظل يرفض الدخول في تفاصيل المشهد والخلافات السياسية في موريتانيا، وفي إحدى المرات طلبت منه السلطات الموريتانية الإسهام في تتبع فرسان التغيير الفارين من قبضة نظام ولد الطايع بعد أن كادوا يسقطون نظامه.
اعتذر البربوشي للجهات المعنية، اعتذارا يستبطن علاقات الأرض والإنسان في أزواد فما كان لابن زعامة البرابيش أن يسعى للقبض على ابن الزعامة الكنتية والمشيخة الناصرية، فوشائج الأرض هنالك ما تزال أقوى من حلم الدولة المرغوبة.
في بداية التسعينيات استقبل البربوشي وفدا رئاسيا ماليا من أجل بحث إجراءات التفاوض بين باماكو والثوار الأزواديين، قبل أن تختاره القوميات الأزوادية رئيسا لوفدها المفاوض خلال مفاوضات الجزائر سنة 1992 والتي انتهت باتفاق جزئي مع السلطات المالية.
في الأيام القليلة بعد توقيع الاتفاقية التي تضمنت كثيرا من الضمانات السياسية والتنموية لإرساء السلام بين شمال مالي وجنوبه، تعرضت مالي لانقلاب عسكري جاء برئيس جديد، كما تعرض أحمد لحادث سير ألزمه الفراش فترة طويلة في باماكو.
التقى البربوشي لاحقا الرئيس معاوية ولد الطايع الذي وعده بإرسال معلمين لتدريس اللغة العربية في المدارس الأزوادية ودعم التعليم والاستعراب في المنطقة، لكن الأمر كان مجرد وعد لا أكثر ولم يتحقق أي شيئ.
ومع اندلاع الثورة الأزوادية الثانية في مالي بعد سقوط نظام القذافي كان للحركة العربية الأزوادية وشيخها أحمد البربوشي دور كبير جدا في أعمال الثورة ومفاوضات السلام.
حكيم عرب أزواد
رغم الخلافات والصراعات المتعددة بين أقطاب الحركات المسلحة والمدنية في أزواد فإن الجميع يتفق على تقديم الشيخ أحمد ولد سيد محمد، وينظر إليه الجميع هنالك باعتباره أبا روحيا للنضال من أجل أزواد، إضافة إلى كونه مرجعية علمية بحكم ثقافته الشرعية الواسعة وخبرته الإدارية والتخطيطية.
وقد تولى أحمد ولد سيد محمد دائما صياغة وثيقة المطالب الأزوادية، كما تولى التفاوض حولها، وبقوة صرامة استطاع دائما النجاح في التفاوض.
وفي مفاوضات 1992 طلب أحمد تعليق الجلسة احتجاجا على خطاب مطول لممثل حكومة مالي يثني فيه على برامج ورؤى العقيد موسى اتراوري، احتج البربوشي قائلا " هل تعتقد أننا حملنا السلاح وناضلنا ضد حكومة باماكو لنأتي إلى الجزائر ونسمع محاضرات في مدح تراوري" وبعد تدخل الوفد الجزائري عادت المفاوضات من جديد بعد أن كادت تنتهي في بداياتها.
ولمكانته العلمية والاجتماعية والسياسية اختارت الحركات الأزوادية أحمد ولد سيد محمد موقعا باسمها في كل الاتفاقيات التي وقعتها مع الحكومة المالية خلال الثلاثين سنة الماضية وإلى اليوم.
شيخ من تمبكتو.
في منزله بنواكشوط يمارس أحمد الرياضة صباحا ينطلق إلى مسجد الحي، يفد إليه بين الحين والآخر مسؤولون أمميون وشخصيات سياسية وأمنية موريتانية ، يلقي دروسا علمية في مختلف علوم الشريعة واللغة العربية، ويتحدث فرنسية رشيقة.
ينتقل بين الحين والآخر إلى باماكو أو النيجر أو الجزائر لمتابعة تنفيذ الاتفاقيات المبرمة مع حكومة باماكو، ولا يجامل الوسطاء الدوليين وخصوصا الغربيين الذين يؤكد لهم أنهم يمارسون تمييزا عنصريا تجاه العرب في أزواد، لأنهم معتزون بهويتهم ولا يريدون أن يتحولوا إلى نصارى.
لا يظن من رأى ذلك الشيخ الوقور أنه تلقى أيضا مبادئ عسكرية وتدريبات نوعية في رياضة الكاراتيه، وأن تلك الرياضة أنقذته من موت محقق سنة 1988 عندما سقطت الطائرة الفرنسية التي كان يستقلها على حافة مرتفع جبلي على شاطئ الأطلسي قبالة دكار..بعد أن استقرت الطائرة المهشمة على حافة الجبل ..أخذ الدبلوماسي أحمد حقيبته الخاصة التي كانت تشمل أوراقا مهمة وتقارير بالغة الخطورة، وقفز برشاقة من النافذة ليستقر على أعشاب شائكة تركت جراحا بسيطة في كفه اليمنى..وأكدت له أن القفزات النوعية قد تؤدي إلى السلامة وتحقيق الهدف غالبا.