رغم غزارة إنتاجه الشعري فقد اشتهر بين القراء -ولاسيما الشباب- كروائي عربي يذكرهم بالتاريخ الفلسطيني المعاصر، لكن إبراهيم نصر الله اختار أن يفتتح العام الجاري 2022 بالحديث لقرائه شعرا، وقال:
تغيَّرَ فيَّ الكثيرُ أجلْ
شابَ شَعْري
الخطايا أقـلُ
وأما الخُطى فهْيَ أقصرْ!
قهوتي في المساءِ أخفُّ
وشاييَ من دونِ سُكَّرْ!
أبيات يصف فيها نفسه بعدما رافق الكتابة الأدبية 42 عاما من عمره متنقلا بين الشعر والرواية، بدءا من ديوانه الشعري "الخيول على مشارف المدينة" عام 1980، وصولا إلى "الحب شرير" عام 2017، وقريبا سيصدر رواية بعنوان "طفولتي حتى الآن".
قدّم الشاعر والروائي الأردني إبراهيم نصر الله خلال هذا العمر مخزونا من الدواوين الشعرية والروايات الأدبية أثرت المكتبة العربية، وحققت نقلة نوعية في الشعر العربي الحديث، حتى وصفه أدباء بـ"الظاهرة الأدبية الفريدة".
افتتح نصر الله أمسية شعرية نظمتها مؤسسة عبدالحميد شومان في العاصمة الأردنية عمّان مساء الاثنين بقصيدته "صورة" يكمل فيها شعره قائلا:
أميلُ إلى الأغنياتِ البسيطةِ
أكثرَ من أي يومٍ مضى
وأسيرُ على مَهَلٍ
وورائي عواءُ ذئابٍ وعشرونَ خِنْجرْ
أُفكِّرُ في كلِّ ما مرَّ لكنْ
أُطيلُ تأمُّلَ ما ظلَّ أكثرْ!
وتكفي ثلاثُ دقائقَ حتى أنامَ وأصحو
وخمسُ دقائقَ كي أتذكَّرْ
مروري على الأرضِ مثل الفراشةِ
حُلْمًا تجلَّى وحُلْمًا تَكسَّرْ
ويَفتنُني قمرٌ مطمئنٌ لعشّاقهِ
وسحابٌ فقيرٌ إذا مرَّ أمطَرْ
خسرتُ كثيرًا لأكسبَ نفسي
ظلالي مملوءةٌ بالمياه
وقلبيَ لما يزلْ، بعدُ، أَخْضَرْ
أمسية نُظمت لإشهار مجموعة أعماله الشعرية الصادرة عن الدار العربية للعلوم- ناشرون بيروت ضمن 3 مجلدات، ولاقت الأمسية إقبالا وحضورا لافتا من القراء والمتابعين وخاصة الشباب الذين يتابعون أعماله.
رحلة الأدب واللجوء
ولد الشاعر والروائي الأردني إبراهيم نصر الله لأبوين فلسطينيين لاجئين اقتلعا من قرية البريج، الرئة الغربية لمدينة القدس، وعاش حياة اللجوء في مخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين وسط العاصمة الأردنية عمّان، وفق حديثه للجزيرة نت.
فالمخيم في لغة نصر الله هو "انعكاس الصمود في الذات، وتماهي الوطن في الذاكرة، حالة خارج التفسير، ألم يقل لنا محمود درويش في ذات نص حين يبتسم المخيم تعبس المدن الكبيرة".
كبر وكبر معه حبه لفلسطين، وتعلقه باللاجئين مما دفعه عام 2014 للمشاركة برحلة للصعود إلى قمة "جبل كليمنجارو"، برفقة أطفال من فلسطين فقدوا أقدامهم بسبب قوات الاحتلال، لكنهم استطاعوا الوصول للقمة.
ألهمته تلك التجربة لكتابة رواية حملت عنوان "أرواح كليمنجارو" عام 2015، وفازت الرواية بجائزة كتارا للرواية العربية عام 2016.
لأم والأب
أمه التي غادرته جسدا قبل عامين، ما زالت ترافقه في حركاته وسكناته، أنشد لأمه في الأمسية من ديوانه "باسم الأم والابن" قصيدته الشعرية "أمي.. في حديثها عن حبّها" قال فيها:
وكيف أقولُ أُحبُّـكَ في آخرِ الليلِ
حين تعودُ إليَّ
على كتفيكَ نهارٌ ثقيلٌ
وشمسٌ مطاردةٌ بالسَّوادْ؟
وكيف أقولُ أُحبّكَ؟
لا الوقتُ وقتي
لأعبرَ صمتي
ولا نحن عُـدْنا لأرضِ البلادْ!
وكيف أقولُ أحبّكَ؟
أولادُنا نائمونَ نَعمْ
وما خلْفَ شُبَّاكنا من عِـبادْ
قَطَعْنا الطريقَ إلى روحِنا حافِـيَـيْنِ
كدمعٍ عزيزٍ تجمَّع في حدقاتِ الجيادْ
الشباب والشعر
استطاع الشاعر نصر الله جذب الشباب لتذوق الشعر ومتابعته بعدما بات الشعر للنخبة -وفق أدباء ونقاد- إلّا أن أسلوبه بالكتابة الحديثة المتجددة البعيدة عن التقليد جعلته مقصدا للقراء، خاصة الشباب.
وفي أمسيته غنى للشباب وللعشق في قصيدة بعنوان "رسالة إلى عاشق شابّ"، قال فيها:
لا تَعُدْ للفتاةِ التي تركتْكَ بلا سَبَبٍ أو لألفِ سببْ!
أبرز أعماله
غنى لفلسطين التي يحبها وتحبه قصيدته الشعرية الطويلة "الحوار الأخير قبل مقتل العصفور بدقائق"، روى فيها قصة 4 شباب فلسطينيين اختطفوا حافلة إسرائيلية عام 1984، لإطلاق سراح أسرى في السجون الإسرائيلية، لكنهم استشهدوا بعد مداهمة الحافلة من قوات جيش الاحتلال، قال فيها:
هادئٌ بحرُ غزةَ
ماءٌ وأشرعةٌ
زرقةٌ وصباحٌ عريضٌ
ونافذةٌ للنوارسِ أو جدْوَلٌ في الوريدْ
هادئٌ بحر غزةَ
بي رغبةٌ أن أرى وجهَ أُمي ومدرستي
وأن أقفَ الآنَ في الصفِّ طفلًا وأُطلِقَ في البرّ خيلَ النشيدْ
كتب نصر الله 15 ديوانا شعريا و22 رواية، كان على رأسها سلسلة "الملهاة الفلسطينية" المكونة من 12 رواية تغطي أكثر من 250 عاما من تاريخ فلسطين الحديث، راكم من خلالها رصيدا معرفيا ضد الصهيونية وتجلياتها ورموزها للأجيال اللاحقة.
ومشروع "الشرفات" المكون من 10 روايات تتأمل الحالة العربية من مختلف وجوهها الإنسانية والاجتماعية والسياسية.
ترجمت مختارات من قصائده للإنجليزية والإيطالية والروسية وكذلك الإسبانية والبولندية والتركية، فضلا عن الفرنسية والسويدية والألمانية.