في أولى تظاهرات السترات الصفر، غادر المخرج إيمانويل غرا بكاميرته ليتبع، منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2018 حتى نهاية ربيع العام 2019، ولادة الحركة في منطقة "شارتر" قرب باريس، لينجز فيلماً وثائقياً عنها في مختلف ظروفها ومعانيها. فيلمه الوثائقي يعكس أجواء هذه الفترة من جديد بإخلاص في النهج الذي يمنح أبطال الفيلم عمق إنسانيتهم الملتزمة.
تم التداول بصور كثيرة عن هذه الحركة، لا سيما تلك التي أرادت توعية الناس حول عنف القمع، وتلك التي أظهرت الدفء الإنساني الذي ساد الساحات في المدن، وتلك التي أرادت تشويه سمعة الحركة تحت مظاهر حشد هستيري وعنصري.
إن أصالة هذا الفيلم واهتمامه هو أنه يقدم لنا فرصة للغوص الرائع خلف كواليس هذه الحركة من خلال الذهاب إلى مقابلة مجموعة من الوجوه المحببة أكثر من الآخرين، وتوجيه العدسة إلى عدد قليل من الأفراد الذين لم يتركوا الطرقات والساحات في جميع الأحوال الجوية، ليؤكدوا بصرامة وتصميم إلتزامهم ووضوحهم؛ ومن تولى، محلياً، مسؤوليات داخل الحركة.
غرا يقف بالقرب من هؤلاء ولا يتردد في إظهار عيوبهم وخلافاتهم وتناقضاتهم أحياناً. لا يهم ما إذا كانوا يمثلون الحركة أم لا.
هكذا يصور إيمانويل غرا نشطاء السترات الصفر وهم يحاولون تنظيم أنفسهم وإنشاء حركة وطنية. هؤلاء النساء والرجال الذين، بالنسبة للكثيرين، لم يلتزموا أبداً بأحزاب، يكتشفون النضال الجماعي والسياسي والنضال بشكل عام، ويختبرون انطلاقاً سريعاً في ممارسة السياسة في غضون أسابيع قليلة. مثل جميع الناس، يكتشفون أن لديهم صوتاً مسموعاً. لقد أعطوا لأشهر وقتهم وطاقتهم من أجل دفع قضية بدت لهم عادلة وعاجلة.
واللافت في شخصيات الوثائقي هو وضوح الذهن الذي يفكرون به في أدوار كل منهم بين حراس الدوارات. سريعاً جداً، لا يستغرق الحجم المتزايد للحركة وقتاً طويلاً لتجاوزها. بالإضافة إلى المتابعة بصبر لقضايا السترات الصفر من خلال شهاداتهم المباشرة، عرف غرا كيف يلمس القضايا السياسية العميقة التي تحبها وسائل الإعلام الكبرى بدقة، ويكشف كيف أرادت القوة المهيمنة أن تخفي ما يجري.
من خلال حركاته الدقيقة للكاميرا واختياره لمواقع التصوير، يؤكد غرا على أن فرنسا تُركت على هامش القرارات السياسية، والتي تجسدها مدينة "شارتر" في مواجهة باريس التي تجسد القوة المركزية، بالإضافة إلى الدوارات المزدحمة في الضواحي من مراكز المدن.
وجسّد رسم المخرج تاريخاً لبدايات حركة المواطنين من السترات الصفر، وكيف حمل الشعب الشهادة الحية لهذا النضال، من دون جدال غير مبرر ومن دون إضفاء المثالية المفرطة على حاملي لوائه.
الوثائقي، الذي سيعرض في 23 الشهر المقبل في فرنسا يأتي في الوقت المناسب، قبل بضعة أشهر من الانتخابات الرئاسية المقبلة، لتذكيرنا بأن ليس فقط جزء كبير من الشعب الفرنسي يعاني، ولكن هناك أشكال جديدة من الاحتجاج تتحدى الأحزاب والنقابات السياسية.