صدرت حديثاً ترجمة لرواية «لا أستطيع التنفس» للكاتب الدكتور محمد السنور. وتناولت التضحيات التي يقدمها الطبيب السوري فراس الحلبي من أجل إنقاذ الجرحى من الحرب والمصابين من فيروس كورونا وأيضاً إنقاذ أسرته من نيران الحرب.
الكتابة هي عمل شجاع للمشاركة في الكشف عن الذات ومحاولة للتصالح مع عدم الأمان الشخصي والشكوك، والحيرة مع فهم الحياة والأمل في الوصول إلى بعض الحقائق البشرية. لا بد أن العديد من الكتاب قد بدأوا في كتابة ملاحظات لأنفسهم للتعبير عن التوترات والقلق والألم.
يمكن القول إن أعمق الملاحظات في الكثير من الكتابات الخيالية شخصية. يعترف بعض الكتاب بهذا، والبعض يلمح إلى الحقيقة من خلال الاستعارة، بينما يرفضها آخرون تمامًا. قلة ممن لا يرغبون في ربط عملهم بهوياتهم الخاصة، لأسباب مختلفة، يستخدمون أسماء مستعارة.
تبقى رواية السنور الأخيرة "لا أستطيع التنفس" جوهر عمله حتى الآن، حيث تتضمن تأملاً قوياً في الطريقة التي كانت تحيا بها ضحايا العنصرية والحروب وآمالهم وثرواتهم المقيدة بخلوهم من العنصرية والموت.
فراس الحلبي، طبيب سوري، رجل تفوق ببراعته إلى أبعد الحدود، وعلى الرغم من ذلك، فقد عانى الكثير من المآسي التي أجبرته على إرسال جزء من عائلته للاحتماء في تركيا، فيما توفي الباقون من آثار الحرب في سوريا. وفي منتصف عام 2020، انتقل هو وصديقه النيجيري للعيش في الولايات المتحدة الأميركية، ثم اكتشفوا العنصرية الكبيرة والعنف غير المبرر ضد السود والتي تسببت في وفاة العديد من الضحايا السود إلى جانب المؤيدين والمتظاهرين البيض، ومن بينهم صديقه الطبيب النيجيري الذي مات بسبب العنصرية.
وعلى الرغم من أن أحداث "لا أستطيع التنفس'' قد تم وضعها في أوائل عام 2020، فإن الأسئلة التي تثيرها، لها صدى عميق اليوم. ومن بينها: ماذا لو رد الأميركيون الأفارقة على العنف العميق الموجه ضدهم بالانتقام بدلاً من اللاعنف؟
تذكّر رواية "لا أستطيع التنفس'' القراء بأن الناس ليسوا دائمًا كما يبدون، وأن المدفون تحت سطح الانصياع قد يكون طبقة سميكة من الحقد والعطش المطرد للانتقام. لسنا بحاجة إلى كوكب جديد لنعيش فيه بأمان بقواعد جديدة فوقه لتحمي البشرية من القوانين الخاطئة التي وضعناها سابقًا. بل يمكننا استغلال العديد من المناطق المهجورة، وتنمية كوكبنا وحمايته من العنصرية والكراهية والحروب، حتى يعيش الجميع بسلام وطمأنينة.
تؤكد "لا أستطيع التنفس" على ضرورة إعادة النظر في العنف الذي تعرض له الأميركيون من أصل أفريقي، وينسج فراس الحلبي الخلفيات الرهيبة التي تدفع السود إلى الهجرة إلى مكان آمن. تستكشف الرواية أيضًا ما إذا كان أي شخص هو حقًا ما يبدو عليه، علاوة على ذلك، ما إذا كان يمكن للناس حقًا معرفة أنفسهم ونواياهم. وتشير شخصيات السنور وقصصهم إلى أننا أقل فظاعة مما نعتقد، وأن نظرتنا للأحداث ترتبط ارتباطًا مباشرًا بدورنا فيها.
السنور يصنع شخصيات لا تنسى ويبني التشويق ببراعة. ينشر المؤلف أيضًا قصة الإطار ببراعة، ويضع السرد الحالي في محادثة مع الأحداث العنيفة لطفولة أبناء الحلبي أمام نهر العاصي في سوريا وقصة العملة القديمة التي ربطت بين مصر وسوريا عندما اتحدتا في الجمهورية العربية المتحدة من عام 1958 حتى عام 1961 وانفصلت سوريا بعد ذلك.
الصدمة الكبرى تكمن في المكالمة الهاتفية بين الحلبي في مصر وزوجته في تركيا بعد أن علم أنها تزوجت من رجل آخر (بعد أن علمت بخبر وفاته الكاذب في الحرب) وأن ابنته أمل لم تعد تعرفه، وذلك بعد أن أصبحت لغتها الأساسية التركية وليست العربية، الأمر الذي جعل الحلبي يندم كثيرًا بعد أن فقدت ابنته أمل أصولها ولغتها العربية، ولم تعد تتعرف على والدها الحقيقي. وقام الحلبي باخفاء ذلك الحزن الكبير في قلبه وعدم إفشاء ذلك السر لأحد حتى تهنأ عائلته بالعيش بأمان وسلام في تركيا.
من ناحية أخرى، تمنى الحلبي أن تنتهي الحروب والعنصرية ذلك العالم، ويعود الجميع ليعيشوا بأمان وطمأنينة مع بعضهم البعض من دون هجرة أو لجوء أو سفر إلى كوكب آخر، والتكيّف مع بعضهم البعض من دون كراهية وحقد ينبع من الوهم الذي خلقناه بأنفسنا.